آخر الأخبار

تداعيات انضمام إيران لـ”مكافحة تمويل الإرهاب” على اقتصادها

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

طهران- في وقت يتخبط فيه الاقتصاد الإيراني تحت وطأة العقوبات المتزايدة، يتصاعد الجدل حول انضمام طهران لاتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب "سي إف ت" (CFT)، إذ ترى شريحة في توقيت الانفتاح على المعايير الدولية تزامنا مع تفعيل آلية الزناد "رسالة قد تشجّع الأطراف الغربية على المضي قدما في ممارسة الضغوط القصوى على البلاد".

وبعد أعوام من الجمود، فجّرت موافقة مجمع تشخيص مصلحة النظام -قبل أسبوعين- على انضمام إيران المشروط لاتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب موجة معارضة حادة في الأوساط السياسية والبرلمانية.

لكن الجدل استمر حتى بعد أن أصدر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ، في 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قانون الانضمام إلى المعاهدة الدولية وأوعز للحكومة بتنفيذه.

من ناحيته، كشف الناطق الرسمي لمجمع تشخيص مصلحة النظام، محسن دهنوي، عن الشروط الإيرانية للانضمام إلى الاتفاقية، موضحا -في تصريح للصحافة الفارسية- أن المجمع وافق على الانضمام بشرط "التزام إيران بتطبيق بنود الاتفاقية "في إطار الدستور"، وأن يتم التنفيذ وفقا "للقوانين الداخلية" للبلاد، معتبرا ذلك "ضمانة أساسية لإيران".



معارضة برلمانية

وردا على موافقة المجمع، تقدّم عدد من نواب البرلمان بطلب "عاجل" يلزم الحكومة بعدم تسليم وثائق قبول الانضمام للاتفاقية، غير أن البرلمان أنهى الجدل برفض الطلب خلال جلسة 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مما مهد الطريق أمام استكمال الإجراءات الرسمية للانضمام وفق الشروط المذكورة.

واتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب، التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1999، وانضمت إليها حتى الآن نحو أكثر من 180 دولة، توفّر إطارا قانونيا لمنع تمويل الأنشطة الإرهابية، وتؤكد على شفافية المعاملات المالية، وتبادل المعلومات الدولية، والرقابة على المؤسسات المالية.

إعلان

لكن إيران تأخرت في الانضمام إليها حتى وضعت ذلك في جدول أعمالها عام 2018، بيد أن مشروع القرار اصطدم بمعارضة شرسة بسبب اعتبارات أمنية وسياسية.

وفي الوقت الراهن، يرى المعارضون أن الانضمام إلى هذه الاتفاقية يمثل تهديدا للأمن الاقتصادي، ويقيد حرية الدولة في تقديم الدعم لحركات محور المقاومة .

لكن دعاة القرار يرون فيه مخرجا من الأزمة المالية المتصاعدة في ظل عزم القوى الغربية تضييق الخناق أكثر فأكثر على الاقتصاد الإيراني عقب تفعيل الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) آلية الزناد في الاتفاق النووي لعام 2015.

أضرار ومخاوف

من جانبه، يضع الخبير في الاقتصاد السياسي، سهراب رستمي كيا، المخاوف من الانضمام للاتفاقية الدولية في إطار ما يسميه "مرتكزات الأمن القومي الإيراني"؛ موضحا أن البلاد تمر بظروف معقدة حيث تبذل القوى الغربية ما بوسعها لتنفيذ سياسة "أقصى الضغوط" بهدف إضعاف هيكل إيران، ولا بد من تحقيق التوازن عبر استخدم حلول بديلة لإحباط المخططات الغربية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضّح رستمي كيا أن إيران لا يمكنها الانضمام بسهولة إلى الاتفاقيات وقوانين مجموعة العمل المالي (فاتف)، وهي منظمة دولية تضع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لأنها ستكون مطالبة باتخاذ خطوات ضرورية أخرى، وتستلزم قبول شروط أكثر، وقد تؤدي في النهاية إلى وضع شبكة التبادلات الإيرانية المضادة للعقوبات تحت الضغط أو حتى قطع علاقاتها مع حركات محور المقاومة.

وسرعان ما يستدرك المتحدث نفسه، أن تكاليف البقاء في القائمة السوداء وعدم الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية التي أثقلت بالفعل كاهل الاقتصاد الوطني تتزايد يوميا، وتزيد أسعار السلع في الداخل بين 5 و15%، ناهيك عن الصعوبة في المبادلات المالية، والتي تخلّ بدورها في التجارة الخارجية، وهذه الصعوبات كان بالإمكان تفاديها عبر الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية من قبل.

ومن وجهة نظر الخبير الإيراني، فإن الوقت الحالي لا يناسب تحرك طهران الكامل نحو تنفيذ جميع الالتزامات بهدف الانضمام للاتفاقيات الدولية، ويرى أن الاعتقاد بأن معضلة المبادلات المالية ستُحل فور استعداد طهران للانضمام إليها "أمرا خطيرا"، داعيا الجهات المعنية في بلاده إلى أخذ التجارب المشابهة لدى الحليفين الروسي والصيني بعين الاعتبار.

ويحذّر من أن الانضمام إلى اتفاقيتي "باليرمو" و"مكافحة تمويل الإرهاب" لن يكون مخرجا سحريا لإيران من الحصار المالي، معتبرا أن المؤسسات المالية الدولية "ليست مستقلة" عن السياسات العامة للدول المؤسسة، على حد قوله.

مصدر الصورة البرلمان الإيراني فشل في تمرير طلب التصويت العاجل على مشروع قانون يُلزم الحكومة بالامتناع عن تسليم وثائق قبول انضمام طهران للاتفاقية (الصحافة الإيرانية)

"فرصة ثمينة"

في المقابل، يحذّر مراقبون اقتصاديون من أن أي تردّد جديد في مسار الانضمام للاتفاقية الدولية سيعني استمرار العزلة المصرفية لإيران وارتفاع كلفة تحويلاتها المالية.

في حين تتصاعد وتيرة الانقسام السياسي حول مدى جدوى القرار الذي تزامن مع عودة العقوبات الدولية على طهران، بما يحوّل المعركة الاقتصادية بين طهران والعواصم الغربية إلى اختبار حقيقي لخيارات طهران لمواجهة الضغوط.

إعلان

في السياق، يحذر الباحث الاقتصادي علي حريت بور من أن استمرار عدم انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي (فاتف) يشكل "عائقا كبيرا" أمام التنمية الاقتصادية للبلاد، حيث أدى ذلك -حتى الآن- إلى إحجام الكثير من البنوك والمؤسسات المالية الدولية عن التعامل مع إيران، مستخدمة "ذرائع فنية وقانونية" في ذلك.

ونقلت صحيفة "آرمان أمروز" الناطقة بالفارسية عن حريت قوله إن قبول معايير مجموعة العمل المالي، بما فيها اتفاقية "مكافحة تمويل الإرهاب"، لن يقتصر أثره على تخفيف الضغوط الخارجية فحسب، بل سيعزّز الثقة في الاقتصاد الداخلي، ويمكّن الشركات الإيرانية من الوصول إلى الأسواق العالمية، وينعش المنافسة والإنتاجية.

ومن أبرز تداعيات البقاء في "القائمة السوداء"، حسب المتحدث نفسه، تقييد تدفق الاستثمارات الأجنبية، مما يساهم في تعطيل قطاعات حيوية تشمل النفط والطاقة والتكنولوجيا وحتى التجارة اليومية. موضحا أن مبادلات طهران المالية تواجه صعوبات حتى مع حلفائها الإستراتيجيين مثل روسيا والصين رغم العلاقات الوثيقة.

وشدد حريت بور على أن الانضمام لاتفاقية "مكافحة تمويل الإرهاب" سترسل "رسالة إيجابية" للمجتمع الدولي بأن طهران مستعدة للشفافية المالية وتقليل المخاطر، مما قد ينعكس إيجابا ليس فقط على العلاقات الاقتصادية، بل على المستويين السياسي والدبلوماسي أيضا، ويحد من الذرائع القانونية والفنية التي تستخدمها الدول الأخرى لتقييد التعامل مع إيران.

وفي الختام، توقع الخبير الاقتصادي أن يفتح الانضمام بابا لفرص استثمارية جديدة، يمكن أن يستفيد منها القطاع الخاص الإيراني في جذب استثمارات أجنبية لتنفيذ مشاريع صناعية وبنيوية عملاقة، كما سيمكن شركاء إيران مثل روسيا والصين من توسيع التعاون في مشاريع الطاقة والنقل والتكنولوجيا، وبناء شبكة تجارية إقليمية أكثر مناعة في وجه الضغوط الخارجية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا