لقطات جوية تظهر الدمار الواسع الذي خلفه الجيش الإسرائيلي في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، وذلك بعد سريان وقف إطلاق النار pic.twitter.com/zpqLlyiQTI
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) October 18, 2025
القاهرة- مزيج من المشاعر المتناقضة انتابت السيدة الفلسطينية المقيمة في مصر منى منصور حين علمت بخبر وقف الحرب على قطاع غزة والتي استمرت نحو عامين.
شعرت منى بالفرح لانتهاء العدوان الإسرائيلي، لكن راودها الخوف من إمكانية عودة الحرب مرة أخرى، في حين انتابها قلق من المجهول الذي ينتظرها هي وأسرتها حال عودتهم إلى غزة، حيث كانت تعيش بمدينة رفح التي دمرها الاحتلال بالكامل وحوّلها إلى أنقاض، كما تقول.
وبحسب تقارير أممية وتصريحات من الجانبين المصري والفلسطيني، فإن ما يزيد عن 100 ألف فلسطيني غادروا القطاع إلى مصر منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى إغلاق معبر رفح الحدودي في مايو/أيار 2024.
تقول منى للجزيرة نت، "بيتنا دُمر كحال غالبية البيوت، وصارت المدارس والمستشفيات وكل البنايات عبارة عن ركام، فإلى أين نعود؟ الأمر بمثابة عودة إلى المجهول".
منى التي غادرت إلى القاهرة مع زوجها وأطفالها الخمسة غزة في مارس/آذار 2024، تعبّر عن حنين غامر نحو وطنها، لكن في الوقت نفسه توضح "العودة الآن تعني السكن داخل خيمة والعيش دون أي خدمات صحية أو تعليمية".
وعلى مدار نحو عام ونصف العام، حاولت هذه السيدة مع أسرتها التأقلم مع السكن المؤقت بالقاهرة، حيث بدأ الأبناء في متابعة الدروس التعليمية عبر منصات "أون لاين" توفرها وزارة التعليم الفلسطينية للطلاب منذ بدء الحرب، وانخرط الأب في توفير احتياجات العائلة، بينما فكرت الأم في مساعدة الغزيين الموجودين في مصر.
أنشأت منى صفحة على فيسبوك تحمل اسم "الجالية الفلسطينية بمصر" تستهدف إفادة الأعضاء بكل المعلومات التي يحتاجونها للعيش في القاهرة، إلى جانب التعاون مع جمعيات ومبادرات مصرية لتوفير الدعم المادي والمعنوي. ورغم هذا التأقلم الذي تفرضه مجريات الحياة، فإن هذه الأسرة الغزية لا تزال تحلم بالعودة إلى مدينتها، وتقول منى "إنه وطني في النهاية حتى لو صار كومة أنقاض".
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، دمرت إسرائيل 300 ألف وحدة سكنية كليا و200 ألف جزئيا، وأخرجت 128 مستشفى ومركز رعاية صحية عن الخدمة، كما تضررت 95% من المدارس، فضلا عن توقف 85% من مرافق المياه والصرف الصحي عن العمل.
وقال مسؤول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، إن التقديرات تشير إلى أن العدوان الإسرائيلي خلّف ما لا يقل عن 55 مليون طن من الأنقاض في القطاع.
حين علم الشاب العشريني منيب صادق، بخبر وقف الحرب على غزة تذكر كل معاناته مع أسرته خلال 170 يوما، وهي الفترة التي قضوها تحت قصف آلة العدوان الإسرائيلية في مدينة خان يونس قبل المغادرة إلى مصر.
يقول منيب للجزيرة نت، "شعرنا بفرحة كبيرة لوقف شلالات الدماء، ولكن لا يزال الحزن عالقا بقلوبنا لفقدان عشرات الآلاف من الشهداء"، ولا يخفي قلقه من استئناف الحرب، "لا نضمن، بأي حال، آلة العدوان الإسرائيلية الغادرة".
ويربط هذا الشاب الغزي، الذي يدرس علوم الحاسوب بجامعة الأقصى ويباشر دراسته ومتابعة المحاضرات عبر الإنترنت، بين عودة أسرته إلى القطاع وضمان استعادة -ولو جزئية- للخدمات، ويضيف "نرجو الإسراع في عمليات إعادة الإعمار كي نتمكن من الرجوع، خاصة وأن بيتنا قد دمر تماما وفقدنا كل ممتلكاتنا هناك".
لم يستقر منيب على خطة معينة، ويوضح "هذا آخر فصل دراسي لي بالجامعة وربما أظل في مصر بعد التخرج للحصول على برامج تدريبية بمجال تخصصي ثم أفكر بعد ذلك في قرار العودة إلى غزة أو البقاء للعمل أو السفر إلى دولة أخرى".
من جهته، تنفس يوسف مصطفى، وهو شاب عشريني من مدينة غزة، الصعداء مع الإعلان عن وقف الحرب، فأخيرا وبعد ما يقارب العامين سيتمكن من لقاء عائلته. وكان قد خرج من القطاع قبل بدء العدوان بأيام قليلة حيث يدرس الطب بإحدى الجامعات الخاصة في مصر.
لم تتمكن أسرة يوسف من الخروج من غزة ليجتمع شملها في القاهرة، واستسلمت لمصير النزوح لأكثر من مرة داخل القطاع على مدار العامين الماضيين، ويقول للجزيرة نت، "كانت أياما قاسية وأرجو من الله ألا نعيشها مرة أخرى".
وفورا وبعد الإعلان عن وقف الحرب، بدأت عائلته في التخطيط للمّ الشمل بعد سنتين من الفراق، ويضيف يوسف "والدي وأخي مصابان ومن المتوقع أن يغادرا إلى مصر برفقة أمي وأختي للعلاج، وإذا لم ينجحوا في ذلك فسأضطر إلى الانتظار إلى أوائل العام القادم إلى حين الانتهاء من الفصل الدراسي الحالي قبل أن أزورهم في غزة".
مع ذلك لا يخفي مخاوفه من تجدد إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي مرة أخرى، ويرسم سيناريو يصفه بالمخيف، "إذا لم تستطع أسرتي مغادرة القطاع وتجددت الحرب ومن ثم أغلقت المعابر الحدودية، فهذا يعني أنني لن أتمكن من لقاء أسرتي لسنة ثالثة أو ربما سنوات".
ويظل مصير معبر رفح أمام عبور الأفراد من الجانبين مرهونا بتنفيذ شروط اتفاق وقف إطلاق النار، فبعد ساعات قليلة من إعلان السفارة الفلسطينية في القاهرة إعادة فتحه ابتداء من 20 أكتوبر/تشرين الأول الحالي لتمكين الفلسطينيين المقيمين في مصر والراغبين بالعودة إلى قطاع غزة من السفر، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، أنه سيظل مغلقا حتى إشعار آخر.
واشترط نتنياهو لإعادة فتح المعبر تسليم حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) جثث الأسرى الإسرائيليين، ولكن سرعان ما تغير موقف تل أبيب حيث أعلن جيش الاحتلال، مساء أمس الأحد، التراجع عن قرار إغلاقه.