في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أنقرة- في مشهد غير مألوف للسياسة التركية خارج حدودها، نظم حزب الشعب الجمهوري ، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، تجمعا جماهيريا حاشدا في العاصمة البلجيكية بروكسل تحت شعار "الأمة تدافع عن إرادتها".
وجاءت الفعالية، التي أقيمت في 12 أكتوبر/تشرين الأول، كأول تظاهرة جماهيرية للحزب خارج تركيا، في سياق حملة احتجاجية تطالب بإطلاق سراح رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو المعزول منذ 19 مارس/آذار الماضي الماضي، والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وفي كلمته أمام الحشد، أكد زعيم الحزب أوزغور أوزال دعم المعارضة لإمام أوغلو، وتعهده بمواصلة الدفاع عن الإرادة الشعبية والسعي لإعادة توجيه تركيا نحو مسارها الأوروبي، داعيا الشباب الأتراك في المهجر إلى المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية وعدم الانعزال عن وطنهم الأم.
وطالب أوزال بإطلاق سراح إمام أوغلو فورا، معتبرا استمرار احتجازه "انقلاباً على الإرادة الشعبية"، وجدد تمسكه بمطلب إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة باعتبارها المخرج السياسي والاقتصادي الوحيد للأزمة التي تمر بها البلاد، متعهدا بمواصلة الضغط الشعبي حتى يتحقق ذلك.
وفي كلمته، شدد أوزال على التزام حزبه بمسار الانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي ، داعيا إلى إعادة توجيه بوصلة تركيا نحو الديمقراطية والقيم الأوروبية.
وانتقد ما وصفه بـ"ازدواجية السلطة الحاكمة" قائلا "إن حكومة حزب العدالة والتنمية تعمل لمصلحتها الخاصة، لا لمصلحة الشعب"، واتهم الرئيس رجب طيب أردوغان بالسعي لاكتساب شرعية خارجية على حساب الديمقراطية في الداخل، مضيفا أن "أردوغان يبحث الآن عن الشرعية التي فقدها داخليا، على أبواب البيت الأبيض وفي المكتب البيضاوي".
قال مراد جان إيشيلداق، نائب رئيس لجنة الانضباط في حزب الشعب الجمهوري، إن الرسالة الأساسية لتجمع بروكسل تمثلت في جعل دعوة "الدفاع عن إرادة الأمة" مسموعة في قلب الاتحاد الأوروبي، ونقل المطالبة بحرية أكرم إمام أوغلو وجميع المعتقلين السياسيين إلى الرأي العام والقادة الأوروبيين في إطار التأكيد على سيادة القانون والديمقراطية.
وأوضح في حديثه للجزيرة نت، أن اختيار ساحة جان راي، الواقعة على بعد خطوات من مؤسسات الاتحاد الأوروبي "لم يكن اعتباطيا، بل جاء لتأكيد أن قضايا العدالة والحرية في تركيا لا يمكن فصلها عن القيم الأوروبية"، مشيرا إلى أن مشاركة ممثلين عن أحزاب أوروبية مختلفة منحت الفعالية بعدا دوليا قويا.
وأضاف إيشيلداق، أن هذا التحرك يمثل بداية نهج جديد في إستراتيجية المعارضة، يقوم على التواصل المنتظم والمباشر مع الناخبين الأتراك في الخارج بسلسلة فعاليات ميدانية، وفي الوقت نفسه فتح قنوات حوار مؤسسية ومبدئية مع العواصم الأوروبية على أساس القيم والمبادئ الديمقراطية، وليس من منطلق الصفقات أو المساومات السياسية.
حظي تحرك المعارضة التركية في بروكسل بدعم أوروبي واسع، عكس حضورا سياسيا يتجاوز البعد الرمزي، فقد شارك في التجمع ممثلون عن أحزاب أوروبية وسطية ويسارية، منها حزبُ الاشتراكيين الأوروبيين والخضر الديمقراطيون، إلى جانب قيادات من الجاليات التركية المقيمة في القارة.
كما أرسلت شخصيات أوروبية بارزة، منها عدد من رؤساء البلديات في مدن كبرى مثل روما وأمستردام وبودابست وسالونيك وكولونيا وفرانكفورت، رسائل تضامن قُرئت على الحشود.
وأكد المسؤولون الأوروبيون المشاركون أن قضية الديمقراطية في تركيا شأن أوروبي أيضا، داعين إلى الإفراج عن جميع رؤساء البلديات والمعارضين المعتقلين، وإلى صون مبادئ الانتخابات الحرة وسيادة القانون.
ووجه إمام أوغلو رسالة إلى أنصاره من سجن مرمرة، أكد فيها تمسكه بحقه في محاكمة عادلة، واعتبر أن ما تشهده تركيا يمثل "اختبارا أخلاقيا وسياسيا" للنظام القضائي، محذرا من "تآكل العدالة في أي بلد لأنه يهدد الحريات في كل مكان".
أثار تحرك المعارضة موجة انتقادات حادة في أنقرة، حيث سارع الرئيس رجب طيب أردوغان إلى انتقاد تجمع بروكسل، متهما حزب الشعب الجمهوري بـ"تشويه سمعة تركيا في الخارج" لتحقيق مكاسب سياسية داخلية.
وقال في خطاب ألقاه بمدينة طرابزون تزامنا مع الفعالية "لم نستطع أن نُعلم المعارضة، كيف تقف بثبات في مواجهة الغرب، لم نفلح في إفهام هؤلاء السادة أنه مهما فعلوا داخل البلاد، فعندما يخرجون إلى الخارج يجب أن يتصرفوا كأحزاب تمثل تركيا".
وفي السياق نفسه، هاجم زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي ، الحليف الرئيسي لأردوغان، زعيم المعارضة أوزغور أوزال بشدة، واصفا شكواه إلى أوروبا بأنها "عار وطني"، في ما بدا اصطفافا قوميا متجددا ضد تحركات المعارضة على الساحة الدولية.
يرى المحلل السياسي التركي علي أسمر، أن اختيار بروكسل لم يكن صدفة، موضحا أن العاصمة البلجيكية تمثل قلب القرار الأوروبي ومركز الثقل الغربي في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما يمنح المعارضة التركية منصة دولية لإيصال صوتها خارج حدود الرقابة الداخلية، ويتيح لها إحراج الحكومة أمام شركائها الأوروبيين الذين يتجنبون عادة انتقاد أنقرة علنا حفاظا على مصالحهم الأمنية والاقتصادية المشتركة.
لكن من جانب آخر يعتقد أسمر في حديث للجزيرة نت، أن هذا النوع من التحركات قد يضر بمصداقية المعارضة داخليا "إذ ستتعامل السلطة مع التجمع بوصفه دليلا على الارتهان للخارج، وستعمل على توظيفه ضمن خطاب وطني يرفض أي تحرك ينظر إليه كاستقواء بالأوروبيين"، واعتبر أن هذا النهج سيؤدي إلى نتائج عكسية في ظل المرحلة الراهنة التي تشهد تقاربا تركيا غربيا في ملفات إقليمية ودولية متعددة.
واختتم أسمر، إن "المعارضة كان ينبغي أن تستمد قوتها من الداخل لا من الخارج"، مشيرا إلى أن الزعيم المؤسس للجمهورية مصطفى كمال أتاتورك حين اشتدت الأزمات توجه إلى أرضروم لا إلى بروكسل، في إشارة إلى أن التحرك الخارجي لا ينسجم مع إرث حزب الشعب الجمهوري ولا مع التقاليد السياسية التركية.