رام الله- كانت خسارة الفلسطينيين من سكان قرية المغيّر شمال شرق مدينة رام الله فادحة عندما أتت جرافات الاحتلال أواخر أغسطس/آب الماضي على آلاف أشجار الزيتون، وأفقدت عشرات العائلات مصدر رزقهم وأحد أهم عوامل صمودهم وثباتهم.
وفي عتمة ليل، ضاع جهد خمسة أعوام بذلها الفلسطيني نبيل النواجعة حتى رأت عيناه ثمار 150 شجرة عنب، وذلك عندما قطعها المستوطنون من جذورها قرب بلدية يطا جنوب مدينة الخليل الشهر الماضي.
ما جرى في المغيّر وإن كان صادما في حجمه وفي بلدة يطا، يحدث كل يوم في الضفة الغربية المحتلة ضمن حرب إبادة يمارسها جيش الاحتلال منذ عام 1967 بحق الأشجار والحقول الزراعية باعتبارها أحد أبرز عوامل تثبيت الفلسطينيين في أرضهم.
وفق خبراء، فإن ملايين الأشجار الفلسطينية بالضفة، وخاصة أشجار الزيتون، أبيدت بدوافع عقائدية وذرائع أمنية.
ويفيد تقرير شهري لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية بأن اعتداءات المستوطنين وبمساعدة جيش الاحتلال تسببت في اقتلاع وتخريب وتسميم 11 ألفا و700 شجرة في الضفة المحتلة خلال أغسطس/آب الماضي منها 11 ألفا و599 شجرة زيتون، أغلبها بمحافظة رام الله والبيرة (10 آلاف و81 شجرة) ونابلس (658 شجرة) وجنين (400 شجرة) ثم سلفيت (221 شجرة) فبيت لحم (140 شجرة).
ووفق تقارير الهيئة، فإن جيش الاحتلال والمستوطنين أتلفوا حتى اليوم 126 ألفا و739 شجرة منذ 2017، في حين تشير معطيات رسمية فلسطينية إلى اقتلاع نحو 2.5 مليون شجرة، نحو ثلثيها أشجار زيتون.
وبالعودة لتقارير الهيئة، في السنوات الأخيرة كانت عمليات اقتلاع الأشجار كالتالي: 2017 (3260 شجرة)، 2018 (7000 شجرة)، 2019 (5019 شجرة)، 2020 (16 ألفا و507 شجرات)، 2021 ( 22 ألفا و108 شجرات)، 2022 (10 آلاف و291 شجرة)، 2023 (21 ألفا و731 شجرة)، 2024 (14 ألفا و212 شجرة)، 2025 (26 ألفا و611 شجرة، منها 11 ألفا و700 شجرة خلال أغسطس/آب الماضي).
وفق الباحث في قضايا الاستيطان راجح تلاحمة، فإن سلطات الاحتلال تسوق مبررات أمنية أو ذرائع عسكرية أو بدواعي إقامة شوارع وبنية تحتية لاقتلاع آلاف الأشجار، في حين يمارس المستوطنون جرائمهم للضغط على السكان الفلسطينيين لتهجيرهم.
ويضيف، في حديثه للجزيرة نت، أن أغلب عمليات اقتلاع الأشجار خلال العام الجاري تمت "بذريعة الاحتياج العسكري، وقدمت لها مبررات قانونية أو رأى قائد الجيش أنها ضرورة عسكرية، وكان من بينها أشجار زيتون معمرة".
وتابع أن من لذرائع التي أعلنت أن وجود الأشجار يشكل خطرا على أمن الاحتلال، فكانت النتيجة اقتلاع الآلاف منها، وآخرها في قرية المغيّر شمال شرق مدينة رام الله.
وبالتوازي مع مساعي التهجير والنقل القسري للمواطنين الفلسطينيين في الضفة بالتزامن مع حرب الإبادة في قطاع غزة، لاحظ تلاحمة وجود عمليات إحلال لأشجار بديلة، موضحا أن المستوطنين والجيش يقتلعون أشجار الفلسطينيين كالعنب والزيتون واللوزيات، ويزرعون في المقابل احتياجات المستوطنات من الأصناف ذاتها.
وأشار إلى دور الاستيطان الرعوي في القضاء على الأشجار "حيث يتم إطلاق قطعان الأغنام والأبقار في حقول الفلسطينيين لتأكل ورق الشجر مما يؤدي إلى تلفه".
وذكر أن 40 بؤرة رعوية تقوم بهذا الدور في محافظة الخليل جنوبي الضفة وحدها، والاعتداءات ذاتها تتكرر في باقي محافظات الضفة المحتلة.
ومقابل السيطرة على الأرض تحت عناوين مختلفة وتوفير الأمن الغذائي للمستوطنات، يلاحقُ الفلسطينيون في قوت يومهم، وفق تلاحمة الذي لفت إلى أهمية الزراعة في حياة الفلسطينيين كموروث ثقافي وكعامل لتثبيت المواطنين في أراضيهم عبر العصور، مستشهدا بأشجار الزيتون المعمرة "التي تُستهدف لرمزيتها".
من جهته، يقول مدير دائرة القانون الدولي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان حسن بريجية، للجزيرة نت، إن الاحتلال والمستوطنين لا يتعامون مع الأشجار كعدو فحسب، بل إن الأرض "المزروعة تغيظهم ويسعون للسيطرة عليها".
وأوضح أن الأرض الجرداء أو تلك التي تزرع بشكل موسمي يسهل السيطرة عليها من خلال قانون عثماني قديم يتيح الاستيلاء على الأرض غير المزروعة وتحويلها إلى أرض دولة، أو يصدر أمر عسكري بمصادرها، مع أن الاحتلال نفسه يمنع استغلالها واستصلاحها.
وأضاف بريجية أن مؤسسات مرخصة من وزارة العمل والداخلية الإسرائيلية لهما وظيفة محددة هي اقتلاع الأشجار، وهذا ما بدا واضحا في السنوات الأخيرة.
وتابع أن الأرض المزروعة تدل على وجود متصرف بها، بعضهم بالوراثة حيث تظهر توثيقات وإيصالات تاريخية أنهم كانوا يدفعون ضرائبها في العهد العثماني، "وهذا أكثر ما يغيظ الاحتلال حيث يصعب إعلانها أراضي دولة أو إصدار أمر عسكري باستملاكها".
ويشير بريجية إلى أن بعض القوانين الدولية تتيح للاحتلال اقتلاع الأشجار في نطاق ضيق ولغرض تنظيم المدن المحتلة وتدبير أمور الناس وتسهيل معيشتهم فيها "لكن ما يجري في الضفة أن الاحتلال يقتلع الأشجار لغرض الانتقام أو لإقامة بنية تحتية وشوارع للمستوطنين وليس لأصحاب الأرض المحتلة".
وحسب تصريح لرئيس الوزراء الفلسطيني السابق محمد اشتية، فإن المستوطنين والجيش اقتلعوا أكثر من 2.5 مليون شجرة من أراضي فلسطين منذ عام 1967، منها نحو 800 ألف شجرة زيتون.
ووفق وكالة الأبناء الرسمية الفلسطينية، فإن فتوى يهودية قديمة تقول إنه "لولانا نحن (اليهود) لما نزل المطر ولما نبت الزرع، ولا يعقل أن يأتينا المطر، ويأخذ الأشرار (يقصد الفلسطينيين) ثمار الزيتون ويصنعون منه الزيت"، مما أعطى المستوطنين دافعا لشن هجمات عنيفة على شجرة الزيتون الفلسطينية.