انتهت الحرب الإسرائيلية على إيران بشعور كبير بتحقيق إنجاز عسكري وسياسي دفع البعض لاعتقاد أنه كفيل بأن يُنسي المجتمع إخفاقات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ورأى كثيرون بعض تصرفات نتنياهو ووزرائه وتصريحاتهم حول هذا الإنجاز وكأنها مقدمة لمعركة انتخابية قريبة خصوصا في ظل المشكلات التي تواجه الائتلاف مع الحريديم.
وربما في هذا السياق جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول وجوب إنقاذه لنتنياهو بعد أن أنقذ إسرائيل عارضًا إلغاء محاكمته بتهم الفساد التي يحاكم بسببها أو إصدار عفو عام عنه. وكتب ترامب أنه "مندهش لسماعه" أن دولة إسرائيل "تواصل مطاردة رئيس وزرائها العظيم في زمن الحرب!". وأضاف "الولايات المتحدة أنقذت إسرائيل، والآن ستنقذ بيبي نتنياهو". لكن تبدو الإنجازات في واد وموقف الجمهور الإسرائيلي من نتنياهو وحكومته في واد آخر وذلك لأسباب متعددة. وهذا ما تظهره مواقف الجهات ذات الشأن والإعلام وكذلك استطلاعات الرأي.
فقد استهجنت وسائل إعلام إسرائيلية عديدة اقتراح ترامب واعتبرته تدخلا في المجريات القضائية للدولة العبرية. كما أن قضاة المحكمة المركزية التي تجري فيها محاكمة نتنياهو رفضوا مطلبه بوقف المحاكمة لأسبوعين لانشغاله بقضايا سياسية وأمنية إستراتيجية، رغم ترحيب أشهَر رئيسٍ سابق للمحكمة العليا، القاضي أهرون باراك بفكرة عفو من الرئيس عنه. وكانت الصحف قد نشرت عن خطة كبرى تعدها أميركا بالاتفاق مع نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة وتوسيع اتفاقيات أبراهام ضمن رؤية تشمل توجهًا نحو إنشاء دولة فلسطينية. وقالت إن نتنياهو يرغب في زيارة واشنطن للبحث في هذه الخطة من جهة ولإقامة "حفل انتصار" مشترك بعد الحرب مع إيران. وقد أثار الحديث عن هذه الخطة غضب أوساط يمينية في الليكود وحزبي سموتريتش وبن غفير إلى حدّ القول إنه إذا سار في هذا الطريق فستسقط حكومته خلال 10 دقائق.
وكان نتنياهو قد صرح في مقطع فيديو نشره مكتبه أن "مصادرنا تقول ‘الله سيمنح شعبه القوة، وسينعم الله على شعبه بالسلام". لقد قاتلنا بشراسة ضد إيران، وحققنا نصرًا عظيمًا. هذا النصر يفتح فرصة لتوسيع نطاق اتفاقيات السلام بشكل كبير. ونحن نعمل بجد لتحقيق ذلك. إلى جانب إطلاق سراح رهائننا وهزيمة حماس، هناك فرصة سانحة لا ينبغي أن نضيعها. لا ينبغي إضاعة يوم واحد". وشكر نتنياهو الرئيس ترامب على فكرة إلغاء محاكمته، وكتب "شكرًا لك، الرئيس ترامب، على دعمك المؤثر لي ودعمك الهائل لإسرائيل والشعب اليهودي. سنواصل العمل معًا لهزيمة أعدائنا المشتركين، وتحرير رهائننا، وتوسيع دائرة السلام بسرعة". وقد أيد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إبرام صفقة مع المحكمة تقود إلى إصداره عفوا عن نتنياهو.
وكتب بن كسبيت في "معاريف": "إن مطالبة الرئيس الأميركي بوقف محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي، مهما بدت طفولية وسخيفة ("لأنه بطل"!!) تمنع المزيد من النقاش حول نجاح أو فشل تفكيك البرنامج النووي الإيراني، مدفوعة بتسريب أحدهم تقريرًا سريًا للغاية من هيئة الطاقة النووية الأميركية للأميركيين، وبالطبع، الحقيقة المقلقة للغاية أن ترامب قد بدأ بالفعل رفع العقوبات الأميركية القاسية على إيران، بما في ذلك إمكانية تصدير النفط إلى الصين."
ورأت افتتاحية "هآرتس" يوم الجمعة أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب اختار أمس، في خطوة بارزة من التدخل الفظ في شؤون إسرائيل الداخلية أن يدعو إلى إلغاء محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو منحه العفو. رأي ترامب في سلطة القانون والمؤسسات الديمقراطية بالولايات المتحدة معروف للجميع، وعليه فليس مفاجئا أن يكون أحد ما -ويمكن التخمين من هو- حرص على أن يقنعه بالتدخل لإلغاء المحاكمة". وأضافت "لقد أخطأ ترامب حين قرر التدخل في هذا الموضوع، سواء لأن في ذلك ما يضعف جهاز إنفاذ القانون الإسرائيلي ويعمق الاستقطاب في داخلها، أم لأن تدخله الفظ يرسم صورة إسرائيل كدولة تابعة للولايات المتحدة". ورأت أن على الرئيس هرتسوغ عدم الخضوع للضغوطات وألا يمنح العفو لأن "نتنياهو يحاكَم على سلسلة اتهامات خطيرة عليه أن يدفع الحساب عليها. فهو ليس فوق الشعب ولا يستحق "تنزيلات إيران" أو "تنزيلات ترامب". لقد قال المرة تلو الأخرى إنه "لم يكن شيء ولا يوجد شيء"؛ والآن على المحكمة، وهي فقط، أن تحسم إذا كان نتنياهو مذنبا بالرشوة، الغش وخيانة الأمانة أم لا".
في كل حال، أظهرت الاستطلاعات أثناء الحرب على إيران وبعدها أن هذه الحرب، رغم إنجازاتها، لم تحسّن كثيرا صورة نتنياهو. فكل التقدير ذهب بشكل أساسي إلى قيادة الجيش وسلاح الجو والموساد وقليل جدا منه إلى نتنياهو وحكومته. وهذا ما ظهر في الاستطلاع الدوري الذي يجريه مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب. ويشير الاستطلاع الذي أجري أثناء الحرب ونشر بعد انتهائها إلى ارتفاع ملحوظ في ثقة الجمهور بالمؤسسات الدفاعية والسياسية منذ انطلاق الحملة ضد إيران وتأييد غالبية الجمهور الإسرائيلي لهذه الحرب. مع ذلك، شعر حوالي 70% من المستطلعة آراؤهم بالقلق إزاء تطورات الحملة، ويعتقد ما يقرب من نصفهم أن الحكومة تفتقر إلى خطة لإنهائها. وقد ارتفعت نسبة الثقة في الجيش الإسرائيلي إلى حوالي 82%، مقارنةً بـ75.5% في مايو/أيار 2025، فيما ارتفعت نسبة الثقة في الحكومة إلى 30%، مقارنةً بـ 21% في الشهر نفسه. ارتفعت نسبة الثقة في سلاح الجو إلى 83%، مقارنةً بـ 71% في أبريل/نيسان فيما ارتفعت بالاستخبارات العسكرية إلى 74%، مقارنةً بـ 61% في يناير/كانون الثاني 2024. ولا تزال نسبة الثقة في الموساد مرتفعة عند 81%. كما ارتفعت نسبة الثقة في رئيس الأركان بشكل ملحوظ إلى 69% لدى عامة الجمهور، مقارنةً بـ 56% في مايو/أيار، وإلى 81% لدى الجمهور اليهودي تحديدًا، مقارنةً بـ67.5%. أما على صعيد نسبة الثقة في رئيس الوزراء فارتفعت إلى 35%، مقارنةً بـ26% في مايو/أيار، وارتفعت بوزير الدفاع إلى 32%، بعد أن كانت 25% في مارس/آذار. وبلغت نسبة الثقة بتقارير المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي 63% بين عامة الجمهور، و71.5% بين اليهود تحديدًا، بعد أن كانت 55% و64% على التوالي في مايو/أيار.
وذكر موقع "زمان إسرائيل" أن فحصًا أجرِي حول ما إذا كانت الحرب مع إيران قد أثّرت على نيات التصويت في الانتخابات القادمة أظهر أن الأغلبية الساحقة من الجمهور لم تُغير رأيها. وحسب استطلاع رأي جديد أجراه المستشار يوسي تاتيكا، صاحب "تاتيكا للأبحاث والإعلام"، فإن حزب الليكود سيفوز بأكبر عدد من النواب، ولكن، وكما كان الوضع السياسي قبل حرب الـ12 يومًا مع إيران، فإن الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو لن يتمكن من تشكيل ائتلاف. وبيّن الاستطلاع أن ائتلاف نتنياهو الحالي لن يفوز بأكثر من 52 مقعدا لو جرت الانتخابات اليوم في حين ستحصل أحزاب المعارضة الحالية من دون العرب على 57 مقعدا. وستنال الأحزاب العربية، "القائمة الموحدة" و"الجبهة الديمقراطية للسلام والتغيير" 11 مقعدًا.
ومعنى هذه النتيجة هو أنه حتى لو لم يتمكن نتنياهو من تشكيل ائتلاف، فإنه يحقق كتلة مانعة، مما يضطر الكتلة الأخرى إلى تشكيل ائتلاف إما مع "القائمة الموحدة"، أو ائتلاف مع الليكود، أو الذهاب إلى انتخابات إضافية.
وقد شمل الاستطلاع مشاركين يهودا وعربا، وصُنف الاستطلاع حسب العمر والدين والجنس ومنطقة الإقامة في إسرائيل.
ومن استطلاعات الرأي الأخرى يبدو أن استطلاع تاتيكا كان الأكثر تحببا لنتنياهو وائتلافه. إذ أظهر استطلاع معاريف الذي أجراه معهد لزار للبحوث برئاسة مناحم لزار أن الإنجاز الذي تحقق لنتنياهو وحزبه في الحرب سرعان ما تبدد. وجاءت خريطة المقاعد على النحو التالي: حزب نفتالي بينيت 25 مقعدا، الليكود 25، الديمقراطيون 11، إسرائيل بيتنا 9، شاس 9، يوجد مستقبل 8، المعسكر الرسمي 8، يهوديت هتوراة 7، عظمة يهودية 7، الموحدة 6، الجبهة/العربية 5. وهكذا يكون للمعارضة برئاسة بينيت 61 مقعدا فيما يكون للائتلاف 48 وللكتلتين العربيتين 11.
وكان لافتا أنه في رد على سؤال يقول هل حققت إسرائيل نصرا في الحرب مع إيران رد 49% بالسلب، لكن سجلت إنجازات مهمة. ورد 30% بالإيجاب: نصر واضح؛ و16% قالوا: لا لكن سجلت إنجازات جزئية. أما بخصوص غزة وما ينبغي لإسرائيل أن تفعله الآن بشأنها فدعا 59% من الجمهور إلى السعي إلى اتفاق لإعادة كل المخطوفين مقابل وقف القتال. وقال 34% إنه ينبغي مواصلة القتال للضغط على حماس لتحرير المخطوفين. ومع ذلك، فإن قسما كبيرا من الجمهور (48%) يعتقد أن السبب الأساس لمواصلة نتنياهو القتال في غزة هو اعتبارات سياسية، فيما كانت نسبة من عللوها بالاعتبارات الأمنية 37% فقط.
وعلى العكس من ذلك أظهر استطلاع "إسرائيل اليوم" و "مأجار موحوت" بعد الحرب على إيران أن 60% من الجمهور يعتقدون أن إسرائيل انتصرت في الحرب مع إيران كما اعتقدت أغلبية الشعب (61%) أنه يجب السعي إلى إنهاء سريع للحرب في غزة. وجاءت خريطة المقاعد على النحو التالي: الليكود 27، بينيت 23، شاس 10، الديمقراطيون 9، إسرائيل بيتنا 9، يوجد مستقبل 9، عظمة يهودية 8، يهديت هتوراة 7، المعسكر الرسمي 6، الموحدة 4، الجبهة 4، الصهيونية الدينية 4، فيما لا يتجاوز نسبة الحسم كل من الاحتياطيين 2.4 والتجمع 1.7. وهنا يتساوى الائتلاف مع المعارضة إذ يحصل كل منهما على 56 مقعدا.
وإلى ذلك يقلب غادي آيزنكوت موازين القوى فيما لو ترأس هو المعسكر الرسمي وليس بيني غانتس. وفي هذه الحالة تكون خريطة المقاعد على النحو التالي: الليكود 25، بينيت 21، المعسكر الرسمي 13، يوجد مستقبل 9، الديمقراطيون 9، شاس 9، إسرائيل بيتنا 8، يهديت هتوراة 7، عظمة يهودية 7، الموحدة 4، الجبهة 4، الصهيونية الدينية 4، أما الاحتياطيون 2 % والتجمع 1.7% فلا يجتازان نسبة الحسم. في هذه الحالة يكون للمعارضة 60 مقعدا فيما يكون للائتلاف 52.
وفي كل استطلاعات الرأي يظهر بوضوح أن الحرب على إيران رغم الالتفاف الواسع حولها ذهب فضلها إلى الجيش والمؤسسة الأمنية ويكاد نتنياهو وائتلافه الحكومي ألا يستفيد منها. فقد ظلت الأنظار أيضا مصوبة نحو الحرب الجارية على قطاع غزة حيث يوجد الأسرى ويسقط الجنود في الميدان.