تعرضت السعودية لانتقادات لاذعة من قبل منظمات دولية بسبب ظروف العمال المهاجرين وتعرضهم لانتهاكات "واسعة النطاق"، وذلك تزامناً مع جولة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في دول الخليج، والتي بدأها من العاصمة الرياض.
ولم يتطرق ترامب في زيارته لملف انتهاكات حقوق الانسان في السعودية، الأمر الذي طالما أثارته الإدارات الأمريكية المتعاقبة. حتى أن الرئيس السابق، جو بايدن، تعرض لانتقادات واسعة من ناشطين حقوقيين، عندما قرر تغيير نهجه الاقصائي تجاه المملكة.
وأصدر مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط ومقره الولايات المتحدة أمس، توصيات لإدارة ترامب، والكونغرس، ومجتمع الأعمال، للعمل على قضايا حقوق الإنسان في السعودية، بما يتوافق مع مصالح البلدين.
وكشفت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها عن وفيات وصفتها بالـ"مروعة" لعشرات العمال الوافدين إلى السعودية تضمنت السقوط من المباني والصعقات الكهربائية وحتى انفصال الرأس عن الجسد، بسبب حوادث مهنية "كان يمكن تفاديها".
وقال أحمد بن شمسي، الناطق الرسمي باسم المنظمة لبي بي سي "وثقنا كيف سقط عمال وافدين من المباني وتوفوا إثر صدمات كهربائية والبعض انفصل رأسهم عن جسدهم،" بسبب عدم توفر ظروف الحماية الكافية بحسب تعبيره. وأضاف أن "الفاجعة" أن مثل هذه الوفيات في أغلب هذه الحالات تصنف ب"الطبيعية"، في شهادة الوفيات وباقي الوثائق ما يعني أنه لم يتم التحقيق فيها ولا يمكن لعائلة المتوفي أن تطالب بتعويض،"وبالتالي تضاف مأساة إلى مأساة أخرى."
حاولت بي بي سي نيوز عربي التواصل مع الحكومة السعودية للتعليق على مضمون التقرير لكن لم تحصل على رد حتى موعد نشر هذا التقرير.
وبحسب تقرير المنظمة فإن قطاع البناء هو الأكثر عرضة لحوادث العمل، وفقا للسجلات الرسمية للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في السعودية.
قالت أرملة رجل بنغلاديشي، يبلغ من العمر 27 عامًا، عمل في السعودية مدة أربع سنوات ونصف إن عدداً من زملاء زوجها أخبروها عن وفاته أثناء عمله بالقرب من الأسلاك الكهربائية "عندما تعرض لصعقة كهربائية مفاجئة .. سقط .. ورغم محاولات إنعاشه، توفي في مكان الحادث."
وكانت شهادة السيدة من بين شهادات 31 عائلة لعمال وافدين من بنغلاديش والهند ونيبال، قابلتهم المنظمة، وتتراوح أعمارهم بين 23 و 52 عاماً توفوا في السعودية، كما قابلت المنظمة عمالاً اجتماعيين ساعدوا في إعادة جثامين عمال متوفين لوطنهم، وعمال وافدين شهدوا وفاة زملائهم.
وخلصت مجموعة من الأبحاث أنه حتى حالات الوفاة المتعلقة بالعمل المصنفة بشكل صحيح في شهادة وفاة العامل الوافد "لا تعوض كما ينبغي وفقا للقانون السعودي ومعايير العمل الدولية".
وكملاذ أخير للعديد من العمال المهاجرين العائدين وأسرهم، يلجأ هؤلاء لبرامج الرعاية الاجتماعية التي تُنشئها حكوماتهم خصيصًا لمعالجة الانتهاكات التي غالبًا ما تؤدي إلى الإصابات والوفيات.
وروت أرملة شاب بنغلاديشي، يبلغ من العمر 26 عامًا، كيف سحقت رافعة زوجها بعد عمله في البناء في السعودية لأكثر من خمس سنوات وتقول "استغرقت عملية إعادة جثمانه إلى بنغلاديش أكثر من ثلاثة أشهر بسبب التأخيرات البيروقراطية ورفض صاحب العمل تحمل المسؤولية،" مضيفة أنه لم تدفع الشركة أي أجور متأخرة، أو مستحقات نهاية الخدمة، أو أي تعويضات إضافية رغم الطلبات المتكررة. "تلقينا 300 ألف تاكا بنغلاديشي (2466 دولارًا أمريكيًا) من الحكومة عبر صندوق رعاية اجتماعية. "
وحمّل بن شمسي أرباب العمل والحكومة السعودية "المسؤولية" عن هذه الحوادث، مضيفاً أنه على كليهما أن "يتحملا المسؤولية ذاتها ضد كل المخاطر الموجودة في ظروف العمل وخاصة الموت." وتابع "إذا حدث الموت يجب الاعتراف أنه ناتج عن ظروف العمل وضمان معاملة عائلة الميت بكرامة كما يستحقون، وتوفير تعويض عادل."
ودعت منظمة هيومان رايتس ووتش السلطات السعودية لفتح تحقيقات عاجلة واتخاذ خطوات فورية لوقف هذه الوفيات، وتعويض العائلات، وفرض التأمين الإلزامي على الحياة لضمان حقوق الورثة.
تقرير هيومان رايتس ووتش صدر بعد يومين فقط من نشر منظمة العفو الدولية لتقريرٍ جديد يسلط الضوء على ظروف عملٍ "شاقة ومسيئة وتمييزية" تعيشها النساء الكينيات اللواتي يُستقدَمن للعمل كعاملات خدمة منزلية تصل في كثير من الأحيان إلى "العمل القسري والاتجار بالبشر."
ووثقت المنظمة في تقرير نشرته يوم الثلاثاء 12 مايو/أيار تجارب أكثر من 70 امرأة سبق لهنّ العمل في السعودية، وتعرضن لـ"استغلال شديد" من قبل أصحاب العمل داخل المنازل الخاصة، غالبًا بدوافع عنصرية.
وقالت إيلا نايت، باحثة حقوق العمل في المنظمة ومعدة التقرير، في مقابلة مع بي بي سي إن النساء اللاتي تحدثت إليهن كانوا "مليئات بالشجاعة والحماس، لكنهن كنّ يعانين أيضاً من ندوب عميقة بسبب تجاربهن." وأضافت نايت أن جميع النساء اللاتي قابلتهن تقريباً "لم تحصل على يوم إجازة خلال فترة وجودهن في السعودية، مما يعني أن بعضهن عمل لمدة تصل إلى عامين دون راحة."
وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن متوسط الراتب الشهري للعاملات يبلغ 900 ريال سعودي (240 دولارًا)، دون احتساب ساعات العمل الإضافية، التي قد تصل أجورها في بعض الحالات إلى 50 سنتًا فقط في الساعة.
ويوثق التقرير تعرّض النساء، في كثيرٍ من الأحيان، للخداع على أيدي وكلاء الاستقدام والتوظيف بشأن طبيعة عملهنّ، حتى أُجبرن على العمل في ظروف قاسية جدًا ما إن وصلن إلى السعودية. كما عانَين ظروفًا معيشية فظيعة ومعاملة غير إنسانية شملت الاعتداء الجنسي واللفظي والبدني. وكان أصحاب العمل عادةً ما يصادرون هواتفهنّ وجوازات سفرهنّ، وأحيانًا يحتجزون أجورهنّ.
يربط نظام الكفالة في السعودية العمال الأجانب بأرباب عملهم، ما يجعل من الصعب عليهم ترك وظائفهم. وقالت العفو الدولية إن بعض الإصلاحات أُدخلت على النظام في السنوات الأخيرة، لكن "قيودا صارمة" لا تزال قائمة. وطالبت المنظمة السلطات السعودية بأن تتحرك بشكل عاجل ل"تفكيك نظام الكفالة بالكامل."
وتقول رشيدة (اسم مستعار) وهي عاملة خدمة منزلية سابقة في شهادتها للمنظمة "لم تكن [صاحبة العمل] تعتقد أنني قد أشعر بالتعب. لم تكن هناك فرصة للراحة .. أعمل لديها على مدار اليوم، وحتى في الليل، كنت أواصل العمل أيضًا. شعرت أنني كالحمار، ولكن حتى الحمير تنال قسطًا من الراحة."
وبحسب نايت فإن قليلات من هؤلاء النساء "غادرن منزل صاحب العمل، ولم تفعل أي منهن ذلك بمفردها، لذا كان الشعور بالعزلة الشديدة شائعاً، وهو أمر فاقمه أصحاب العمل بمصادرة هواتفهن المحمولة أو تقييد استخدام الإنترنت، ما جعل التحدث إلى أحبائهن في كينيا صعباً للغاية أيضاً."
وكانت جوي (اسم مستعار) تحدثت للمنظمة عن شعورها بأنها كانت حبيسة طوال فترة عملها في السعودية. وقالت "لم أكن أتمتّع بأي شكل من أشكال الحرية، فبمجرد دخولكِ المنزل، لا تخرجين منه أبدًا. لا تخرجين ولا ترين العالم الخارجي." وأَضافت: "كنت أشعر وكأنني في سجن."
يعمل في السعودية نحو أربعة ملايين عامل منزلي، جميعهم من دول أجنبية، من بينهم 150 ألف عامل من كينيا، بحسب إحصاءات لسوق العمل أشارت إليها منظمة العفو الدولية. ويشجع المسؤولون هناك الشباب على البحث عن فرص عمل في دول الخليج بما في ذلك السعودية، والتي تعد واحدة من أهم مصادر التحويلات المالية إلى كينيا.
كما يسلط التقرير الضوء على ما وصفه بالعنصرية النُظُمية المتجذرة في نظام الكفالة، إلى جانب السلوكيات التمييزية التي أسهمت مجتمعةً في تعزيز الاستغلال، والانتهاكات، والتمييز العنصري ضد العمال، خاصةً النساء، اللواتي يتفاقم ضعفهن بسبب نوعهن الاجتماعي ولكونهن عاملات خدمة منزلية أجنبيات.
وهنا تعلق نايت أنه "ما كان صادماً بشكل خاص، والذي ظهر بوضوح في المقابلات، هو الطبيعة العنصرية واللاإنسانية للإساءات التي وصفتها العديد من النساء. كان أصحاب العمل يُدلون بتعليقات مُهينة حول لون بشرتهن أو يُشبِّهونهن بالحيوانات، مُستعينين بصور نمطية عنصرية، كما وصفت كثيرات منهن إجبارهن على استخدام أدوات مائدة أو أدوات منزلية أخرى منفصلة - وهو ما اعتبرته النساء شكلاً من أشكال الفصل، والذي اعتقدن أن أصحاب العمل طبّقوه لأنهن من أفريقيا."
وقالت نياه (اسم مستعار)، إحدى العاملات السابقات في حديثها مع المنظمة أنهم كانوا دائماً "يلقبونني بالحيوان الأسود بسبب لون بشرتي الداكن. وكان الأطفال يقتربون مني ويشيرون إلى وجهي ويضحكون، قائلين إنني قرد."
كما روت العديد من النساء كيف كنّ يتعرضن للصراخ والشتائم والإهانات، بينما تعرّضت أخريات لاعتداءات جنسية، وصلت أحيانًا إلى حدّ الاغتصاب على يد أصحاب العمل الذكور، بحسب التقرير.
في عام 2023، أصدرت الحكومة السعودية نسخة محدّثة من لائحة عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، بهدف تحسين ساعات العمل وظروفه. ولكن منظمة العفو تقول إنه مع غياب نظام فعال للمراقبة والتفتيش وتنفيذ القانون، تظل هذه اللوائح في كثير من الأحيان بلا جدوى على أرض الواقع.
وفي حين أن الإطار الجديد يضع معايير أكثر صرامة فيما يتعلق بساعات عمل عاملات المنازل، وأوقات راحتهن، ودفع أجورهن، ويفرض عقوبات أشد على أصحاب العمل الذين يخالفون أحكام اللائحة، إلا أن هناك "أوجه قصور خطيرة، مما يجعل هذه المعايير غير كافية للتعامل مع طبيعة وشدة الانتهاكات التي يتعرض لها البعض،" بحسب نايت. إضافة إلى انتشار "ثقافة الإفلات من العقاب لأصحاب العمل المسيئين."
حاولت بي بي سي التواصل مع الحكومة السعودية للتعليق على هذه الانتقادات لكن لم تحصل على رد حتى موعد نشر هذا التقرير.
وطالبت المنظمة السلطات السعودية والكينية أن تصغي لأصوات هؤلاء النساء؛ فعملهنّ هو ما يعيل أسرهنّ، كما دعت السلطات السعودية ل"إخضاع عاملات المنازل لحماية قانون العمل لضمان تمتعهن بحماية متساوية.