ينتظر الجميع تفاصيل الخطة المصرية العربية المشتركة التي تعكف عليها مصر وعدة دول عربية لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه دون تهجير، وذلك ردا على طروحات الرئيس الأمريكي بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن وربما دول أخرى، وامتلاك غزة وتحويلها لما سماه "ريفيرا الشرق الأوسط".
بحسب المصادر التي تحدثت بي بي سي إليهم، أوشكت القاهرة على إنهاء التفاصيل الفنية من الخطة والتي تعنى بإزالة الركام وإعادة بناء غزة وتحديد طريقة معيشة الفلسطينيين في تلك الأثناء ولكن مازالت بعض النقاط السياسية غير مكتملة من بينها مستقبل الحركات المسلحة في القطاع.
وتتشاور مصر مع دول عربية من بينها الأردن والسعودية في تفاصيل الخطة. ومن المفترض أن يعقد اجتماع عربي خماسي في الرياض الأسبوع القادم، يليها قمة عربية طارئة في نهاية الشهر الجاري لبحث التطورات في الأراضي الفلسطينية في ظل أفكار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأعلنت مصر أن الخطة ستكون بالتعاون مع الإدارة الأمريكية من أجل التوصل "لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية تراعي حقوق شعوب المنطقة"، كما تقول مصادر مصرية إنه سيكون هناك دور للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
يقول مصدر مصري مطلع لـبي بي سي إن هناك مشاورات عربية قد بدأت بالفعل لإعداد مؤتمر لإعمار غزة بمشاركة أوروبية واسعة، والبدء في أول مراحل إعمار غزة عقب القمة العربية الطارئة المقررة في القاهرة في 27 فبراير شباط الجاري.
ويضيف المصدر أن الخطة العربية ترتكز بشكل أساسي على إعادة إعمار غزة بوجود سكانها من خلال تقسيم القطاع إلى ثلاث مناطق إنسانية يكون لكل منها مخيم كبير يقيم فيه السكان مع توفير وسائل الإعاشة من ماء وكهرباء وغيرها.
وبحسب الخطة، سيجري إدخال آلاف المنازل المتنقلة والخيام التي تشبه المنازل إلى مناطق آمنة للإقامة لمدة ستة أشهر بالتوازي مع رفع الركام الناتج عن الحرب خلال نفس المدة، وهذا أمر لا يسمح به الإسرائيليون حالياً في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.
كما ستؤكد الخطة على ضرورة دخول الكم الكافي من البضائع إلى غزة مثلما كان قبل الحرب، مع الوقود وآليات إعادة الإعمار.
وتتضمن ملامح الخطة المصرية العربية أن تجري العملية بتمويل من قبل المملكة العربية السعودية وقطر ودول خليجية، بمشاركة نحو 24 شركة متعددة الجنسيات متخصصة في مجالات التشييد والبناء والتخطيط لبناء وحدات سكنية آمنة خلال عام ونصف العام في مناطق القطاع الثلاث.
يقول الدكتور طارق النبراوي نقيب المهندسين المصريين لبي بي سي إن النقابة شكلت الثلاثاء لجنة استشارية تتولى خلال أسبوعين وضع استراتيجية فنية لإعادة إعمار قطاع غزة على أعلى مستوى هندسي دون تهجير أهله، وذلك بالتعاون مع اتحاد المهندسين العرب.
ويوضح النبراوي أن تنفيذ الخطة بشكل كامل ونهائي قد يستغرق من 3 إلى 5 سنوات إذا ما لاقت دعماً كبيراً، لأنها تحتاج مشاركة مئات الشركات والمكاتب الهندسية والتحالفات مصرياً وعربياً ودولياً بسبب حجم الدمار الشديد للغاية في القطاع.
وعن المراحل الفنية لهذه الخطوة، يشرح النبراوي الحاجة أولاً إلى إزالة الركام وإعادة تدويره كجزء من الخرسانة للبناء أو كجزء من الأرضيات أثناء عملية البناء، والبدء ثانياً في مد البنية التحتية من خطوط المياه والصرف الصحي والكهرباء ومحطات تحلية المياه وخطوط الاتصالات، وأخيراً تخطيط القطاع عمرانياً ثم بناء الوحدات السكنية والخدمات التعليمية والصحية والثقافية المختلفة.
ويرى المصدر المصري المطلع في حديثه لبي بي سي أنّ أبرز نقطة لم يتم بعد مناقشتها بشكل واضح هي مسألة وضع منتسبي حركة حماس وتسليح الحركة والحركات المسلحة الأخرى داخل القطاع.
ويوضح المصدر أن هناك اقتراح يبرز استعداد ما سماها "المقاومة الفلسطينية" لنزع سلاحها بمجرد إعلان إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع إنشاء منطقة عازلة لطمأنة إسرائيل بعدم وجود تهديدات قادمة من قطاع غزة.
يقول الدكتور مبارك آل عاتي أستاذ العلوم السياسية السعودي إن الخطة العربية يجب أن تتضمن إنهاء حكم حماس المنفرد لقطاع غزة، مضيفاً أنها فصيل لا يمكن استبعاده بشكل كلي.
ويضيف آل عاتي أنه يجب الضغط على الجانبين حماس والسلطة الفلسطينية لتحقيق المصالحة الفلسطينية وتوحيد الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة.
يؤكد المصدر المصري المطلع أن الدول العربية وفقاً للخطة التي يتم بلورتها سوف تدعم السلطة الفلسطينية بكل ما يلزم لتدريب أفرادها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.
ويرى آل عاتي أن حل الدولتين هو الرادع الحقيقي لتحقيق السلام في المنطقة خاصة مع الرفض الإسرائيلي من قبل الكنيست وتصويته ضد فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، ووفقاً لمبادرة السلام العربية 2002، ويضيف: يجب أن تتمسك الدول العربية في خطتها بحل الدولتين خاصة إذا تخلى الشعب الإسرائيلي عن دعمه لحكومة نتنياهو اليمينية.
مراراّ وتكراراّ، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، تارة بحجة امتلاكها كأرض للاستثمار السياحي، وتارة من أجل الفلسطينيين أنفسهم الذين يحتاجون إلى العيش في أرض غير مدمرة مثل قطاع غزة، ملوّحاً بإمكانية وقف المساعدات لمصر والأردن إذا لم يستقبلا الفلسطينيين، ثم متراجعاً عن فكرة استخدام المال كتهديد.
يرى دان بيري، محرر شؤون الشرق الأوسط السابق في القاهرة ومحرر شؤون أوروبا وأفريقيا في وكالة أسوشيتد برس في لندن في مقال له بصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة "حبراً على ورق"، وأن هدفها الحقيقي هو إجبار الدول العربية والفلسطينيين في غزة على الضغط على حماس وتنحيتها عن حكم القطاع، وتوقف دعم الحركة مالياً من قبل الدول العربية خاصة قطر، وعرض الخروج النهائي من غزة على قادة حماس.
خلال لقاء في واشنطن جمع الثلاثاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وملك الأردن عبد الله الثاني، قال العاهل الأردني للصحفيين إنه "ينتظر خطة مصر بشأن كيفية العمل مع ترامب فيما يتعلق بتحديات غزة، "مضيفاً "أن العرب سوف يقدمون رداً على خطة ترامب، وأنه يعتزم إجراء مشاورات في السعودية في هذا الشأن".
ثم صرحت مساء الأربعاء المتحدثة باسم الرئيس الأمريكي كارولاين ليفيت بأن العاهل الأردني عبد الله الثاني قد أوضح لترامب أنه يفضل بقاء الفلسطينيين في غزة أثناء عملية الإعمار، بينما مازال يعتقد الرئيس الأمريكي أن إخراجهم أفضل وأكثر أمانا لهم.
ويعتقد بيري أن ترامب قد يوافق على رفض العرب لتهجير الفلسطينيين من غزة في مقابل تقديم عشرات مليارات الدولارات لإعمار غزة، وموافقتهم على تنحي حماس.
الأهداف الخفية لخطة ترامب مقابل الرفض العربي لتهجير الفلسطينيين من غزة، قد تتضمن أيضا بحسب بيري إنشاء حكومة مدنية من التكنوقراط في غزة، ترتبط بالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتتعاون مع مصر ودول الخليج.
من جهته، يرى الدكتور حسن منيمنة المحلل السياسي من واشنطن خطة ترامب رغبة حقيقية ليس لها أي أهداف خفية، لأنه يدرك أن صورته ستكون مهددة إذا تراجع عما يقول، فهو يريد تهجير الفلسطينيين من غزة من أجل إهدائها إلى إسرائيل، ويضيف: "الكرة في ملعب العرب، ينصاعون لترامب أم لا".
يقول الدكتور مبارك آل عاتي أستاذ العلوم السياسية السعودي إن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً لكن لديها مصالح كبيرة في المنطقة لاسيما في السعودية ومصر، ولابد أن ترامب سيراعي ذلك في النهاية، مضيفاً أن العلاقات الشخصية بين حكام مصر والولايات المتحدة والسعودية ستمكنهم من إيجاد أرضية مشتركة للتوافق، لاسيما في ظل الزيارة المزمعة لترامب إلى السعودية والتي سترسم العلاقات العربية الأمريكية في قادم الأيام.
من جهته يرى الدكتور حسن منيمنة المحلل السياسي من واشنطن وجوب تعامل العرب بندية مع خطة ترامب من خلال إعلانهم إدانتها قبل مجرد رفضهم تهجير الفلسطينيين من غزة، لأن ترامب يستخدم منطق القوة في قراراته، وإذا رأى من أمامه يفاوض ويقايض، فسوف يستنتج أنه طرف ضعيف راضخ.
ويضيف منيمنة أنه إذا قطع ترامب المساعدات العسكرية والاقتصادية عن مصر والأردن رفضاً للخطة العربية، فيجب أن يحظى البلدان بدعم عربي في المقابل، وأن تمنع الرياض استثماراتها في الولايات المتحدة، وأن تفتح الدول العربية باب تواصل اقتصادي مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
ويلفت آل عاتي النظر إلى قوة ورقة تطبيع السعودية علاقاتها مع إسرائيل والتلويح بها، حيث أعلنت الرياض رداً على ترامب ربطها التطبيع مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية بحدود 1967، ويضيف آل عاتي أن وزن السعودية السياسي والديني والاقتصادي "يحتم عليها مراعاة مصالحها تجاه القضية الفلسطينية، وهو السيف الوحيد المتبقي لدى العرب للزود به دفاعاً عنها".
ويرى المصدر المصري الذي رفض تسميته أن تلويح القاهرة بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل (كامب ديفيد) الموقعة عام 1979 ورقة قوية في وجه واشنطن في حالة رفض ترامب الخطة العربية.