ومنذ اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023، تتزايد أعداد السودانيين الذين يسقطون تحت طائلة العوز الغذائي بعد فقدان أكثر من 60 في المئة من السودانيين مصادر دخلهم، وتراجع القدرة الشرائية بأكثر من 70 في المئة في ظل تآكل الجنيه، والارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية، وصعوبة الحصول عليها في العديد من المناطق بسبب الظروف الأمنية.

ويقول صديق لموقع سكاي نيوز عربية "لم نعد قادرين على إطعام أسرنا (...) التضخم يبتلع كل شيء والأجر الشهري المتقطع أصبح لا يكفي لتغطية نفقات وجبة واحدة في اليوم (...) أصبحنا نعتمد على المطابخ الخيرية، لكن الكثير منها يغلق أبوابه بسبب نقص التمويل وارتفاع أسعار السلع الأساسية".

ويضيف "لقد غيرت الحرب وجه المجتمع السوداني (...) أصبح من المعتاد أن ترى موظفين كبار أو سكان الأحياء العريقة في طوابير الوجبات الخيرية".

 

تداعيات اجتماعية
وفقا للباحثة الاجتماعية أسماء جمعة، فإن أزمة الغذاء الحالية أفرزت تداعيات اجتماعية خطيرة إذ أثرت على مقدرات السكان العقلية والجسمانية والنفسية، وأصابت المجتمع بحالة من الهلع والعجز والخوف والترقب واليأس، خصوصا في ظل غياب أي بادرة لوقف قريب للحرب التي كانت سببا مباشرا في زيادة معدلات الجوع.

وأوضحت "بسبب أزمة الغذاء والخوف من القادم، انتشرت حالة من الهلع التي أدت لانتشار ظواهر كتيره مثل العنف الأسري والسرقة والاحتيال واستغلال الناس لبعضهم، وهذ يبدو واضحا في غلاء الأسعار".

 وتقول أسماء جمعة لموقع سكاي نيوز عربية "اتسعت رقعة الجوع خلال الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، فبسبب ارتفاع الأسعار تآكلت مدخرات السكان، وتزايدت أعداد العاجزين عن شراء السلع الغذائية، وتقلصت حتى فرص الدعم والمساعدة من الاهل والاقرباء".

وأضافت "عطلت الحرب قطاعات الانتاج خصوصا الزراعة التي يعتمد عليها بشكل رئيسي معظم المجتمع السوداني، مما زاد من معدلات العطالة".

وتشير جمعة للتأثيرات الصحية الكبيرة للأزمة، وتقول "زادت أزمة الجوع معاناة المرضى خاصة أصحاب الأمراض التي لها علاقة مباشرة بالتغذية مثل الضغط والسكري وغيرها، كما أن ارتفاع معدلات الجوع سيؤدي إلى انتشار سوء التغذية الحاد واثاره الخطيرة خاصة على الأطفال".

عوامل اقتصادية
وفقا للخبير الاقتصادي وائل فهمي، فإن هناك عدد من العوامل المهمة التي أدت إلى تفاقم الأزمة الغذائية واتساع رقعة الجوع من بينها التدهور الاقتصادي المريع الناجم عن الحرب، وفقدان نسبة كبيرة من السودانيين مصادر دخلهم، والتراجع الكبير للجنيه السوداني إذ يتم تداول الدولار الواحد حاليا بنحو 2700 جنيه مقارنة بأقل من 600 جنيها قبل اندلاع الحرب، إضافة إلى الأوضاع الأمنية التي أدت إلى تجفيف الكثير من الأسواق في مناطق القتال.

ويقول فهمي لموقع سكاي نيوز عربية "نظرا للأسباب السابقة، فمن الطبيعي أن يكون هناك تزايد في الباحثين عن المساعدات الغذائية سواء في مناطق الاشتباكات المستمرة، أو المتقطعة أو حتى الآمنة، بما في ذلك الأسر التي تعتمد على تحويلات أقاربها في الخارج، أو الذين يتلقون أجور شهرية فقدت معظم قدرتها الشرائية بسبب تدهور قيمة الجنيه حيث أصبحت الأجور العليا تكفي بالكاد لتغطية نفقات وجبة واحدة في اليوم لأسرة متوسطة".

 ويحذر فهمي من الاتساع المتزايد لدائرة الجوع، مع تراجع بند "الأمن الغذائي" في أجندة الإنفاق الحكومي لصالح تغطية منصرفات الحرب العالية، في ظل انكماش الإيرادات بأكثر من 80 في المئة وتوقف أكثر من 70 في المئة من المصانع والمؤسسات الإنتاجية.

تعثر الجهود الدولية
يعزي نيكولاس كريستوف المتخصص في الأزمات الأفريقية تزايد المجاعة إلى فشل المجتمع الدولي في ممارسة الضغوط الكافية على طرفي الحرب، وعدم وتوفير الموارد الكافية لمعالجة الأزمة.

ويوضح في مقال نشره في صحيفة نيويورك تايمز "توجه اهتمام المجتمع الدولي بشكل أكبر إلى الصراعات في غزة وأوكرانيا، ورغم أن هذا أمر مفهوم، فإن النتيجة هي أن الأطفال يموتون بلا داع في السودان".

وينبه كريستوف إلى ‏ضرورة أن تجد الانتهاكات الإنسانية والمجاعة في السودان مكاناً على رأس الأجندة الدولية، والتعامل بحزم مع طرفي القتال. ويضيف "إذا لم تستمع الأطراف المتحاربة، فيجب استخدام كل الأدوات الدبلوماسية والعسكرية لإجبارهم على السماح بوصول المساعدات الإنسانية".