تشير دراسة عُرضت في وقت سابق من هذا العام أمام الجمعية البريطانية لأمراض القلب إلى أن موسم الأعياد يرتبط سنويًا بارتفاع ملحوظ في المخاطر القلبية مقارنة ببقية أيام السنة، نتيجة تداخل مجموعة من العوامل السلوكية والفيزيولوجية.
يربط الخبراء هذا الارتفاع بتغيّرات سلوكية ترافق مواسم الأعياد، أبرزها زيادة استهلاك الكحول، وارتفاع مستويات التوتر، وتغيّرات مفاجئة في النظام الغذائي، ولا سيما الإفراط في تناول الملح. هذه العوامل، مجتمعة أو منفردة، تزيد من احتمالات حدوث اضطرابات قد تكون عابرة في بدايتها، لكنها تحمل مخاطر جسيمة إذا أُهملت.
يُعدّ الكحول من أبرز المسببات لاضطرابات نظم القلب، وخصوصًا فيما يتعلّق بظهور الرجفان الأذيني، فالارتفاع المفاجئ في استهلاك المشروبات الكحولية خلال الاحتفالات يُربك النشاط الكهربائي الطبيعي للقلب، ويؤدي إلى انقباض غير متناسق، ما يجعل ضرباته سريعة وغير منتظمة.
وفي محاولة للتعويض، يسرّع القلب وتيرة النبض للحفاظ على ضخ الدم، إلا أن ذلك يتم على حساب كفاءته الوظيفية. ومع استمرار هذا الخلل، يتباطأ تدفق الدم داخل حجرات القلب، ما يخلق بيئة ملائمة لتكوّن خثرات دموية قد تنتقل إلى الدماغ، مسببة سكتات دماغية خطيرة.
ولا تكمن خطورة الرجفان الأذيني في حدوثه المفاجئ فحسب، بل في استمراره أيضًا. فكلما طال أمده، زادت احتمالات تحوّله من حالة عابرة إلى اضطراب مزمن يخلّف آثارًا دائمة على عضلة القلب، مثل ضعف القدرة على الضخ. في المقابل، يتيح التدخل المبكر عند رصد هذه الاضطرابات فرصًا كبيرة للحد من مضاعفاتها وتجنّب نتائجها الأكثر خطورة.
قد يظهر الرجفان الأذيني من خلال تسارع في النبض، أو خفقان قوي وغير منتظم، أو شعور بالدوار وعدم الاتزان. لكن في حالات كثيرة، تمرّ هذه الاضطرابات من دون أعراض واضحة، ما يجعل اكتشافها أكثر تعقيدًا.
هنا، قد تساهم بعض التقنيات في رصد اختلالات نظم القلب غير المحسوسة، وقد تشكّل في بعض الحالات المؤشر الأول، وربما الوحيد، على وجود خلل غير مُشخّص. وتُسجّل معدلات أعلى للإصابة بهذه الحالة لدى من تجاوزوا الخامسة والستين، أو لدى من لديهم تاريخ عائلي مع الاضطرابات القلبية.
ولا يقتصر ظهور الرجفان الأذيني على الكحول وحده، إذ تتداخل عوامل أخرى خلال الأعياد، مثل ارتفاع الضغط النفسي، والإفراط في تناول الملح، واضطرابات النوم، والتبدلات الحادة في النشاط البدني، أو عدم الالتزام المنتظم بالعلاج الدوائي. كما قد يظهر هذا الاضطراب كأحد المضاعفات اللاحقة لنوبة قلبية، ما يضاعف المخاطر لدى الفئات الأكثر هشاشة صحيًا.
تشير المعطيات الطبية إلى زيادة تقارب 15% في خطر الإصابة بنوبة قلبية خلال هذه الفترة، مع قفزة تصل إلى نحو 37 في المئة في ليلة عيد الميلاد تحديدًا. وبين عيد الميلاد ورأس السنة، تُسجَّل أعلى معدلات الوفيات الناتجة عن النوبات القلبية على مدار العام، مع بلوغ الذروة في 25 ديسمبر، يليه 26 ديسمبر ثم الأول من يناير.
ويعود هذا الارتفاع إلى تشابك أسباب النوبات القلبية مع تلك المرتبطة باضطرابات النظم، فانسداد الشرايين الذي يحدّ من تدفق الدم إلى عضلة القلب لا يسبب تلف الأنسجة فحسب، بل قد يخلّ أيضًا بالإيقاع الكهربائي للقلب، ممهّدًا لاضطرابات مثل الرجفان الأذيني. وفي المقابل، تسهم عوامل التوتر وتبدلات نمط الحياة في رفع خطر النوبات القلبية، ما يجعل الحالتين متداخلتين من حيث الأسباب والنتائج.
تظهر النوبة القلبية عادة عبر ألم أو ضغط في الصدر، أو انزعاج يمتد إلى الذراعين أو الظهر أو الرقبة أو الفك أو المعدة، إضافة إلى ضيق في التنفس، وقد ترافقها أعراض مثل الغثيان، والدوار، والتعرق البارد.
لدى النساء، قد تتخذ النوبة أشكالًا أقل نمطية، مثل الغثيان أو آلام الظهر والفك من دون ألم صدري واضح.
أما الرجفان الأذيني، فيتجلّى بتسارع أو عدم انتظام ضربات القلب، وخفقان قوي أو متقطّع، وقد يترافق مع تعب شديد، أو دوار، أو ضيق تنفس، أو فقدان وعي. وفي جميع الحالات، يبقى التدخل الطبي العاجل عنصرًا حاسمًا، إذ إن أي تأخير في طلب المساعدة قد يؤدي إلى أضرار دائمة أو إلى الوفاة.
للحد من هذه المخاطر، ينصح الأطباء بالحفاظ على نمط حياة متوازن خلال الأعياد، عبر تجنّب الإفراط في الطعام والشراب، والحفاظ على نوم منتظم، والاستمرار في ممارسة الرياضة من دون إجهاد.
كما يُعدّ التخطيط المسبق للسفر أمرًا ضروريًا، ولا سيما عبر تأمين الأدوية التي قد تحتاجها، مع كميات إضافية تحسّبًا لأي طارئ. وإلى جانب ذلك، يساهم تنظيم الحياة اليومية واعتماد حدود واقعية للالتزامات في تقليل الضغط البدني والنفسي، وحماية القلب في أكثر فترات السنة إرهاقًا.
المصدر:
يورو نيوز
مصدر الصورة
مصدر الصورة