آخر الأخبار

تجارب التحدي البشري.. هل تجرؤ على أن تصبح "فأرًا" من أجل العلم؟

شارك الخبر

في صباح أحد أيام أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دخل طالب الطب عاما ألكسندر لورينسون البالغ من العمر 26 إلى غرفة صغيرة بيضاء داخل كلية الطب بجامعة ميريلاند الأميركية، للمشاركة في تجربة تحدي بشري لاختبار علاج جديد يعتقد العلماء أنه قد يمنع انتقال الملاريا، ذلك المرض الذي يحصد أرواح أكثر من 600 ألف شخص سنويا، وفقا لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

تم تجهيز كل شيء بعناية في الغرفة التي ستجرى فيها التجربة لضمان عدم هروب البعوض المحمل بالملاريا. ووُضعت مصائد كهربائية للحشرات على الجدران، وتم تزويد الباحثين بمضارب كهربائية كإجراء احترازي إضافي في حال استطاعت بعوضة الهرب. انتظر أكثر من 20 متطوعا دورهم في أن يكونوا فريسة لهذه الحشرات الصغيرة، والبقاء بعد ذلك تحت المراقبة الطبية الدقيقة.

تلقى جزء من المتطوعين جرعات متفاوتة من العلاج الوقائي التجريبي بعد انتهاء المرحلة الأولى من التجربة، بينما لم يتلقَّ المشاركون في المجموعة الضابطة العلاج فورا، إذ كان عليهم التعامل مع آثار العدوى أولا قبل تلقي الدواء في مراحل لاحقة من الدراسة، وذلك لدراسة تأثير الكائن الطفيلي الذي يسبب المرض في غياب الوقاية منه.

أوضحت الدكتورة كيرستن لايك، المشرفة على الدراسة، للمتطوعين أن الأعراض لن تظهر فورا، بل قد تستغرق أسبوعا على الأقل لتتطور. في البداية، بدا كل شيء على ما يرام بالنسبة للورينسون، لكن في اليوم الحادي عشر، بدأ الصداع يتسلل إلى رأسه، ثم ازدادت حدة الأعراض بسرعة، ليشعر بغثيان شديد أعقبه تقيؤ. عندها، كان متأكدا من أنه أُصيب بالملاريا.

إعلان

لكنه تفاجأ عندما كشفت الفحوصات أنه لم يكن مصابا به، بل كان يعاني فقط من فيروس معوي عادي، مما يعني أن العلاج التجريبي كان ناجحا في حمايته من الإصابة.

في الشهر نفسه، قرر أوسكار ديلاني، مساعد باحث في الذكاء الاصطناعي من جامعة أكسفورد البريطانية، المشاركة في تجربة مماثلة، لكن بدلا من التعرض للدغات البعوض، تم حقن الكائن الطفيلي المسبب للملاريا مباشرة في دمه.

بعد 9 أيام، أصيب ديلاني بنوبات حادة من التعرّق والقشعريرة، وأصبح بالكاد قادرا على تناول الطعام أو النهوض من سريره، حتى تم إعطاؤه أقراصا لعلاج الملاريا، وتعافى تدريجيا بعد ذلك.

ديلاني ولورينسون ليسا المتطوعين الوحيدين، فهناك العشرات من المتطوعين حول العالم الذين يخوضون تجارب مماثلة، ضمن أبحاث تُعرف باسم "تجارب التحدي البشري".

فما هذه التجارب، ولماذا تُجرى رغم الجدل المثار حولها؟

ما تجارب التحدي البشري؟

تُعرف تجارب التحدي البشري بأنها دراسات بحثية يتم فيها تعريض متطوعين أصحاء عمدا لمسببات الأمراض، بهدف دراسة الاستجابات المناعية للأشخاص المشاركين، ومراقبة كيفية انتقال العدوى بين الأفراد، واختبار فعالية العلاجات واللقاحات، وذلك تحت إشراف طبي دقيق.

وتُعد هذه التجارب سريعة نسبيا، حيث يمكن أن تستغرق بضعة أشهر فقط، مقارنة بالتجارب التقليدية التي قد تمتد سنوات، نظرا لاعتمادها على إصابة الآلاف من المشاركين بالمرض بشكل طبيعي.

تاريخ حافل بالجدل العلمي والأخلاقي

رغم أن هذه التجارب أسهمت في تطوير لقاحات لأمراض قاتلة مثل الجدري والكوليرا والتيفوئيد، فإن تاريخها يحمل صفحات مظلمة من الانتهاكات الأخلاقية.

نشأ أول لقاح في التاريخ من تجربة تحدٍّ بشري، عندما تساءل العالم الإنجليزي إدوارد جينر عمّا إذا كان جدري البقر، وهو مرض بسيط، قد يمنح مناعة ضد الجدري، الذي كان مرضا قاتلا آنذاك. لاختبار ذلك، قام جينر في عام 1796 بتلقيح صبي صغير بفيروس جدري البقر، ثم عرّضه لاحقا وبشكل متعمد لفيروس الجدري. لم يُصب الصبي بالمرض، مما أثبت فعالية اللقاح ومهّد الطريق لثورة في علم التطعيم.

إعلان

وقد نشأ عدد من تجارب التحدي في القرنين التاليين، وكان العديد منها ينطوي على إصابة مجموعات ضعيفة مثل السجناء أو الجنود دون موافقتهم أو حتى علمهم بالمخاطر. وخلال الحرب العالمية الثانية، قام "الباحثون في الأنظمة الحربية لألمانيا النازية والإمبراطورية اليابانية بنقل عدوى الجمرة الخبيثة والكلاميديا والكوليرا وغيرها للسجناء"، وفقا لنيويورك تايمز.

وفي الولايات المتحدة، حرمت السلطات الصحية آلاف الرجال السود في ألاباما من الحصول على علاج لمرض الزهري حتى يتمكن الباحثون من دراسة المرض. هذه الانتهاكات الأخلاقية كانت الدافع وراء تأسيس مجال أخلاقيات البحث الطبي.

كيف تطورت أخلاقيات التجارب على البشر؟

في أوائل القرن العشرين، بدأ العلماء يدركون أهمية حماية حقوق المشاركين في التجارب السريرية. كان الطبيب العسكري الأميركي والتر ريد من أوائل من وضعوا قواعد أخلاقية للأبحاث في عام 1900، حيث مُنح المشاركون في دراسة الحمى الصفراء في كوبا عقودا واضحة تشرح كافة المخاطر، إلى جانب تعويض مالي.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت الموافقة الطوعية والضوابط الأخلاقية جزءًا أساسيًّا من جميع الدراسات السريرية الحديثة، بما في ذلك إطلاعهم على كل المخاطر المحتملة، وكذلك تأكيد توفر علاجات الإنقاذ.

ورغم أن هذا الجدل لم ينتهِ، فإن تطور المعايير الأخلاقية جعل هذه التجارب أكثر قبولًا في المجتمع العلمي، خاصة مع الأزمات الصحية المتزايدة التي تتطلب استجابات أسرع وأكثر دقة.

استثمارات جديدة في تجارب التحدي البشري

مع ازدياد الاهتمام بهذه الأبحاث، يجري حاليًا تطوير منشآت بحثية متخصصة لدعم هذه التجارب. ففي أستراليا، افتتحت جامعة ملبورن مؤخرا أول منشأة مخصصة لتجارب التحدي البشري في نصف الكرة الجنوبي، ويعمل الباحثون هناك على لقاح جديد للبكتيريا العقدية إيه (A) وهي أحد الأسباب الرئيسية للعدوى البكتيرية القاتلة.

إعلان

وفي بلجيكا، تم الانتهاء من منشأة بها 30 سريرا كجزء من مشروع بقيمة 57 مليون دولار لتطوير الجيل التالي من لقاحات "كوفيد-19" من خلال تجارب التحدي البشري.

بين الضرورة العلمية والتساؤلات الأخلاقية

وجد بعض المتطوعين التجربة أصعب مما توقعوا، وشعر آخرون أنهم لم يكونوا مستعدين بالكامل أو مدركين تماما لما قد يمرون به أثناء التجربة.

ولم يكن الدافع لدى جميع المشاركين علميا أو إنسانيا فقط، إذ كان التعويض المالي عاملا مؤثرا لدى البعض، خاصة أولئك الذين يسعون لكسب دخل إضافي. وهذا ما يثير تساؤلات أخلاقية، مثل:


* هل يمكن ضمان سلامة المتطوعين بشكل كامل؟ حتى مع توفر علاجات فعالة، يبقى هناك خطر من آثار جانبية غير متوقعة، أو استجابات غير متوقعة من الجسم للمرض.
* هل يدرك المتطوعون تماما ما قد يمرون به؟ فرغم أن موافقة المتطوعين شرط أساسي، فإن البعض لا يستوعبون مدى صعوبة التجربة حتى يخوضوها فعليا.
* هل من الأخلاقي تعريض أشخاص أصحاء عمدا للمرض، حتى لو كان ذلك من أجل البحث العلمي؟ هذا السؤال هو جوهر الجدل الدائر حول تجارب التحدي البشري. فبينما يرى البعض أنها ضرورة لتسريع الاكتشافات الطبية، يعتقد آخرون أن البحث عن بدائل أكثر أمانا يجب أن يكون الأولوية.

تقول الدكتورة سيما شاه، أخصائية الأخلاقيات الحيوية في مستشفى لوري للأطفال في شيكاغو وأستاذة في جامعة نورث وسترن، والمتخصصة في دراسة تجارب التحدي البشري: "الكثير من الناس يتساءلون: ألا يتعارض هذا مع قسم أبقراط؟ كيف يمكن للطبيب أن يُعرّض شخصا سليما للمرض عمدا؟!".

بالنسبة لك، لو سنحت لك الفرصة للانضمام إلى تجربة بحثية مماثلة، فهل ستفعل؟

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل دونالد ترامب مصر

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا