تجاوز سوق السندات الخضراء الصينية منافسيها الغربيين لأول مرة هذا العام، مع تبّني بكين شكلا من أشكال التمويل المستدام، في ظل ضغوط متزايدة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي عام 2025 أصدرت الصين رقما قياسيا قدره 70.3 مليار دولار من السندات، سواء المعتمدة أو المتوافقة مع مبادرة سندات المناخ، وهي منظمة دولية، وفقا لحسابات "فايننشال تايمز" المستندة إلى بيانات مجموعة بورصات لندن .
وساعد هذا الصين على التفوق في مجال التحول بمجال الطاقة على الدول الأخرى، إذ تواجه حركة الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (إي إس جي) -التمويل والاستثمار لدعم البيئة والاستدامة والحوكمة الرشيدة- رد فعل عنيفا بقيادة الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب .
واستحوذت الصين على أكثر من 17% من إصدارات السندات الخضراء العالمية هذا العام، في حين شكلت الولايات المتحدة 3%.
ونقلت "فايننشال تايمز" عن أليسيا غارسيا هيريرو كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادي في "ناتيكسيس" قولها "لم تعد الولايات المتحدة موجودة، وأوروبا تعاني، ثمة نوع من الإرهاق في سوق الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية الأوروبية".
والسندات الخضراء هي شكل من أشكال الديون التي تصدرها الشركات، وأحيانا الحكومات، وتُخصص عائداتها للإنفاق على المشاريع البيئية، وقد اكتسبت شعبية، -ولا سيما في أوروبا- على مدى العقد الماضي، إذ سعى مديرو الأصول الحريصون على صقل مصداقيتهم في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية إلى التركيز على إستراتيجيات الاستثمار المستدامة، مكافئين في بعض الأحيان الاقتراض "الأخضر" بتكاليف تمويل أقل.
لكن هذا الاتجاه اتخذ مسارا معاكسا، إذ خفف موقف ترامب من حماس القطاع المالي تجاه الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، بما في ذلك في أوروبا.
وقالت كريستال غينغ رئيسة أبحاث الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في آسيا لدى "بي إن بي باريبا لإدارة الأصول" إنه "من الواضح أن الصين هي المنطقة الوحيدة التي لا تزال تكثف جهودها".
والتزمت بكين ببلوغ ذروة انبعاثات الكربون في عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
وتبني الصين نحو 3 أرباع مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية العالمية، وهي الرائدة عالميا في مجال الطاقة الكهرومائية، وتخزين ونقل الطاقة المتجددة، ومرافق الهيدروجين الأخضر، ولديها أكبر عدد من محطات الطاقة النووية قيد الإنشاء بفارق كبير.
ويتحول هذا الاستثمار إلى مصدر مهم للنمو الاقتصادي، في الوقت الذي تواجه فيه الصين تباطؤا اقتصاديا ناجما عن انهيار قطاعها العقاري.
ولا تمول معظم المشاريع المستدامة الكبيرة في الصين بالسندات الخضراء، وحسب بنك الشعب الصيني، يبلغ إجمالي القروض الخضراء القائمة في البلاد 43.51 تريليون يوان (6.1 تريليونات دولار) مقارنة بنحو تريليوني يوان (280.5 مليار دولار) من السندات الخضراء القائمة.
وأحد الأسباب هو أن العديد من المقترضين للمشاريع الخضراء هم من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذه الشركات ليست لديها تصنيفات ائتمانية ولا يمكنها الاستفادة من سوق السندات الخضراء.
ومع ذلك، يتوقع الخبراء أن تزيد الصين إصدارها للأدوات المالية الخضراء لتلبية احتياجات التمويل اللازمة للتحول في مجال الطاقة، فعلى سبيل المثال تحتاج البلاد إلى إضافة ما يُقدّر بـ6 آلاف غيغاواط من سعة الطاقة على مدى السنوات الـ25 المقبلة، بتكلفة تتراوح بين 12 و14 تريليون دولار، وفقا لروبرت جيلهولي كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في أبردين.
وقالت غارسيا هيريرو إن من المرجح أن ينمو إصدار الصين السندات الخضراء منخفضة التكلفة نسبيا نظرا للتقلص السريع في الأرباح التي تحققها العديد من الصناعات، مثل الألواح الشمسية، مضيفة "ليس لديها مصادر تمويل عضوية، مما يعني أنها بحاجة للتوجه إلى السوق أكثر من أي وقت مضى".
وأطلق بنك الشعب الصيني سوق السندات الخضراء في الصين قبل عقد من الزمن، وأوضح ما جون كبير الاقتصاديين السابق في بنك الشعب الصيني مؤسس ورئيس معهد التمويل والاستدامة في بكين أن العديد من المشاريع -خاصة مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق- تتطلب تمويلا طويل الأجل، لكن البنوك كانت مترددة في الإقراض في مثل هذه الفترات الزمنية.
وأضاف "قررنا إنشاء سوق للسندات الخضراء، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى مشكلة عدم تطابق آجال الاستحقاق في النظام المصرفي".
وقال الأستاذ المساعد في كلية إيسيك للأعمال في سيرجي بفرنسا آلان نيف إن التمويل الرخيص يعني أن المشاريع الخضراء في الصين يجب ألا تكون مربحة مثل المشاريع التقليدية أو مثل المشاريع الخضراء في دول أخرى.
وأشار إلى أن السلطات الغربية لم تتمكن من تقديم الدعم نفسه، لأن التمويل الأخضر يُنظر إليه على أنه قضية سياسية، ويجب اعتبار البنوك المركزية محايدة للسوق.
وأضاف نيف "في الصين، لا يوجد شيء من هذا القبيل، يمكن للبنك المركزي دعم مثل هذه المشاريع علنا".
ولطالما سعت الصين إلى جذب رأس المال الأجنبي للاستثمار في سنداتها الخضراء، لكن المستثمرين الأجانب كانوا حذرين بشأن هذه الفئة من الأصول نظرا للمخاطر المتصورة المتعلقة بالترويج لمنتجات صديقة للبيئة، ومخاوفهم من عدم قدرتهم على بيع السندات في الأسواق الثانوية.
وقالت أنغيلا تشنغ رئيسة قسم الأبحاث وكبيرة إستراتيجيي الاقتصاد الكلي في شركة "سي جي إس الدولية للأوراق المالية" إن معظم المستثمرين في سوق السندات الخضراء الصينية هم مؤسسات محلية.
وأضافت "هم في الأغلب بنوك تجارية وشركات تأمين ومديرو أصول".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة