وجّه الخبير المالي بول ديفيس، مؤسس شركة "بانك سلايت" وعضو مجلس فوربس المالي، انتقادات مباشرة لأداء مؤسسي شركات التكنولوجيا المالية (فينتك) خلال تقديم عروضهم للبنوك، في مقال تحليلي نشرته مجلة فوربس.
ويستند ديفيس في مقاله إلى سنوات من العمل الاستشاري مع مؤسسات مصرفية وشركات ناشئة ومستثمرين، محذرا من أن كثيرا من هذه العروض تفشل، لأنها تبني على رؤية مبهرة، ولكنها لا تمسّ الاحتياجات الفعلية للمؤسسة المصرفية.
ويقول ديفيس إن "البنوك لا تبحث عن قصة ملهمة بقدر ما تبحث عن حل قابل للتنفيذ يُقلل من التكاليف، أو يُدرّ دخلا، أو يحمي النظام من الاحتيال". ويضيف أن "الشغف وحده لا يكفي، والامتثال التنظيمي وحده لا يُقنع، والصفقة لا تتم إلا عندما يلتقي الشعور بالحاجة مع الكفاءة التقنية".
تبدأ الشراكات المؤثرة فعلا حين تروي حكايتك بلغة الطرف الآخر، وتربط رؤيتك بألمه، وتقدّم حلا يُنفّذ، لا يُتخَيَّل
ويحذّر ديفيس من الميل إلى سرديات مشبعة بالحماس والطموح دون تقديم إجابات واضحة عن "لماذا يهم هذا المنتج الآن؟"، مؤكدا أن "الرسالة يجب أن تجمع بين العمق التقني والسياق العملي".
ويقول إن "مؤسسين كثيرين يقعون في خطأ بناء عرض تقديمي يبدو رائعا على الورق، لكنه لا يجيب عن السؤال الذي يشغل عقل المصرفي: كيف سيساعدني هذا المنتج في تحقيق أهدافي الأربعة؟"، في إشارة إلى:
ويتابع ديفيس: "لا أحد يهتم بالبنية التحتية السحابية أو الترميز المشفر إذا لم تكن هناك قصة تربط كل ذلك بالحاجة المؤسسية الفعلية. التقنية بلا حافز عملي تُقابل بالصمت".
ويرى ديفيس أن المؤسس الذكي لا يُصاب بالإحباط عند الرفض، بل يُصغي لما وراءه. ويقول: "كل ‘لا’ تحمل في طيّاتها بيانات قيّمة، قد تشير إلى خلل في توقيت العرض، أو في الملاءمة الإستراتيجية، أو في تسعير لا يعكس القيمة المتوقعة".
ويضيف أن "من لا يقرأ الرفض على أنه رأي السوق، سيتكرر رفضه".
لا تفرض على المؤسسات رؤيتك، بل أعِد تشكيلها بما يناسب ألمها وميزانيتها وأولوياتها
ويُشدّد على أهمية التواضع الفكري: "أحيانا، يكون الحل الذي تعتقد أنه عبقري، لا يعني شيئا للبنك، بل قد يُعدّ عائقا. لا تفرض على المؤسسات رؤيتك، بل أعِد تشكيلها بما يناسب ألمها وميزانيتها وأولوياتها".
ويختم هذا الجزء بعبارة لافتة: "كلما قلّ غرورك، زادت فرص قبولك".
وينبّه ديفيس إلى خطأ شائع بين مؤسسي شركات التكنولوجيا المالية، وهو افتراض أن العرض مُوجّه إلى شخص واحد داخل البنك.
ويقول: "أنت لا تبيع فكرة لشخص، بل تبيع حلا لمنظومة معقدة"، مشيرا إلى أن الديناميكيات الداخلية في البنوك قد تُفشل العرض حتى لو حظي بالموافقة المبدئية.
وينصح باستخدام خريطة النفوذ، وهي أداة بصرية تُبيّن من يملك القرار، ومن يملك التأثير، ومن يملك الميزانية، ومن قد يُعرقل المشروع عند تغيّر موقعه أو خروجه من المؤسسة.
ويضيف: "عليك أن تعرف مَن هو ‘نصيرك’ داخل البنك، وماذا سيحدث لو غادر، ومن يحتاج إلى الإقناع حتى يتم التوقيع. الشركات التي تفهم هذه الشبكات لا تبدأ من الصفر كل مرة".
ويرى ديفيس أن نضوج قطاع التكنولوجيا المالية جعل الابتكار شرطا ضروريا لكنه غير كافٍ. ويقول: "المصارف اليوم لا تُخدع بسهولة. لقد أصبح لديها وعي أعلى بقدراتها، ولا تقفز على أي منتج يحمل كلمة سحرية".
ويضيف أن "المستثمرين أيضا باتوا أكثر انتقائية. إنهم يريدون رؤية نموذج يُثبت كيف سينمو، لا فقط لماذا هو مختلف".
ويختم مقاله في فوربس بتأكيد أن مؤسسي التكنولوجيا المالية مطالبون اليوم بأن يكونوا إستراتيجيين بقدر ما هم مبتكرون، وأن يتقنوا التوازن بين الرؤية الجذابة والتنفيذ المتقن.
ويقول: "هكذا تبدأ الشراكات المؤثرة فعلا: حين تروي حكايتك بلغة الطرف الآخر، وتربط رؤيتك بألمه، وتقدّم حلًّا يُنفَّذ، لا يُتَخَيَّل."