في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
ريو دي جانيرو- تستضيف مدينة ريو دي جانيرو، يومي السادس والسابع من يوليو/تموز الجاري، قمة مجموعة دول " بريكس "، حيث يناقش القادة والمسؤولون ملفات اقتصادية وسياسية، بينها تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، وتوسيع استخدام العملات المحلية، والتكامل في مجالات الطاقة والتنمية المستدامة.
وتشهد القمة حضورا موسعا من الدول الشريكة، بينما يغيب بعض الزعماء لأسباب مختلفة، مما يضفي طابعا خاصا على الحدث.
ويقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة الكاثوليكية بساوباولو، لايرتي أبوليناريو جونيور، للجزيرة نت، إن الكتلة توسعت من 5 أعضاء إلى 11 عضوا بمشاركة دول عدة كشركاء وأعضاء، وهو ما يعكس تنامي الطموحات لدى دول الجنوب العالمي، إلا أنه يُضيف أيضا تباينا يُعقد التوافق.
واقتصاديا -يرى جونيور- أن مجموعة بريكس تُسرّع جهودها لتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي ، ورغم أن إصدار عملة بريكس الموحدة ليست أمرا وشيكا، فإن هناك زخما قويا نحو زيادة استخدام العملات الوطنية وتطوير بنية تحتية للمدفوعات الرقمية تتمحور حول بريكس بهدف إنهاء "الدولرة".
أما عسكريا، يضيف المتحدث ذاته، فإن المؤتمر يُعقد في ظلّ وضع دولي بالغ التعقيد، مع تزايد التوترات بين بعض أعضاء بريكس، وخاصة روسيا وإيران ، والدول الغربية، ومع ذلك، فإن بريكس ليس تحالفا دفاعيا، و البرازيل تحديدا، لا ترغب بأن يُنظر للمجموعة وكأنها منظمة معادية لحلف الناتو ، متوقعا تصريحات عامة من الحكومة البرازيلية حول هذه القضية قريبا.
من جهته، يقول الباحث في العلاقات الدولية بجامعة ريو دي جانيرو الاتحادية جوزيه غوميس هاتا، للجزيرة نت، إن السياق الدولي الذي تُعقد فيه قمة بريكس 17 في ريو يُشكّل تحديا كبيرا، إذ سيختبر القدرات الاقتصادية والدبلوماسية لأعضائها، إضافة لمتانة علاقاتهم.
ويُمثِّل أعضاء بريكس حاليا، حسب هاتا، أكبر الاقتصادات نموا من حيث الناتج المحلي الإجمالي في العالم، ويمتلكون أكبر سوق من حيث الكثافة السكانية. وبمعنى آخر، "نحن نتحدث عن نمو في الهند يُعادل 3 أضعاف نمو أميركا، أما من حيث عدد السكان، فعند إضافة مواطني الدول الأعضاء، لدينا ما يقارب 3.6 مليار نسمة".
ويتابع، أنه وبالنسبة لكوكب يسكنه 8.9 مليارات نسمة، تبلغ حصة دول بريكس 40%، وهي أرقام مهمة بالنظر إلى فرص السوق.
ويعتبر هاتا، أن من المهم الحفاظ على تسلسل هذه الأرقام، لأن الوضع الحالي، الذي يتسم بتصاعد طبول الحرب قد يؤدي لانقطاع هذه الدورة، وخاصة بالنسبة للصين، التي تنشط تجاريا واقتصاديا بكل مكان، مستدلا كمثال، بالعدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، الذي كان سيؤثر على 80% من النفط الإيراني المُتجه للصين إذا ما أُغلق مضيق هرمز .
وتناقش قمة بريكس قضايا أهمها:
وبينما تسعى البرازيل جاهدة لتحقيق نتائج عملية تعكس أولويات دول الجنوب العالمي، يضيف جونيور أن القمة ستعزز انضمام إندونيسيا، وستقوم بتقييم طلبات الانضمام المقدمة من عدة دول تتبع حاليا مسار الشراكة، في حين أبدت البرازيل موقفا حذرا، مفضلة اتخاذ القرارات على أساس كل حالة لوحدها، بدلا من التوسع المفرط حفاظا على التماسك والفعالية.
وحول المبادرة التي تقودها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والإمارات، كإستراتيجية رئيسية لإعادة تشكيل تسوية التجارة الدولية وتعزيز السيادة المالية، يقول جونيور، إن المبادرة تهدف لإعادة تشكيل الحوكمة المالية العالمية وتعزيز السيادة الاقتصادية لدول الجنوب العالمي.
وتعكس هذه الجهود، وخاصة الدفع نحو إلغاء الدولرة، محاولة واضحة لتقليل الاعتماد على الأنظمة المالية التي يهيمن عليها الغرب.
وأبدى جونيور حذرا حول تأثير مبادرات بريكس على الدولار الأميركي، بالوقت القريب، واستبعد أن تُضعف مكانته الدولار كعملة احتياطية بشكل كبير.
لكن في الأمد البعيد، إذا استطاعت بريكس تعزيز آليات العملات المحلية، وبناء بنية تحتية مالية موثوقة، وتعميق التجارة البينية بين دولها، فقد تتراجع الهيمنة النسبية للدولار تدريجيا، لا سيما في دول الجنوب العالمي، وهذا سيعتمد على قدرة الكتلة على ترجمة هذه الطموحات إلى تماسك عملي واستجابة الولايات المتحدة لهذه المسألة.
أما الباحث هاتا، فيرى أنه من المهم إدراك أن هذا الهيكل المالي للبريكس ليس جديدا تماما، ولكنه تلقى دفعة قوية في قازان خلال القمة الـ16 العام الماضي.
وعندما تأسست مجموعة بريكس في 2009، هدفت أولا لتعزيز عالم متعدد الأقطاب، لأن الدول الأعضاء أدركت أن هذه عملية لا رجعة فيها وأن هناك حاجة لترسيخ هذا المبدأ.
ويضيف هاتا أن جميع أعضاء بريكس ملتزمون بهذا المبدأ، لكنهم يدركون أن تطبيقه يتطلب نظاما ماليا مختلفا عن الأنظمة المهيمنة الحالية.
وأوضح أن أحد أسباب ظهور بريكس كمجموعة هو أن هذه الدول الخمس كانت بمقدمة الخارجين عن هيمنة الغرب، والتي طالبت بمزيد من السلطة في نظام "بريتون وودز" (اتفاقية نقدية دولية تم التوصل إليها في يوليو/تموز 1944 بمشارك ممثلين عن 44 دولة، لإعادة بناء النظام المالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية )، والذي حُرمت منه مرارا وتكرارا.
وحسب هاتا، يقف البنك وصندوق النقد الدوليان ضد هذه الدول في الجنوب العالمي. ويتابع، في 2014، أُنشئ بنك التنمية الجديد، وأصبحت جميع الدول المؤسسة مساهمة فيه، برأس مال مبدئي قدره 50 مليار دولار، ثم 100 مليار دولار. مع ذلك، لم يكن هذا البنك، منذ البداية، بديلا كاملا، فهو جزء من النظام الرأسمالي العالمي، ولكنه يعمل بشكل مختلف.
ويقول "بالتزامن مع إنشاء هذا البنك وهيكلة نظام بديل، بدأت هذه الدول إجراء معاملات تجارية ثنائية بعملاتها المحلية، ونمت بسرعة، لأن الشكل السائد للتجارة سابقا كان الدولار، و كان على كل من يرغب بشراء النفط أن يفعل ذلك بالدولار فقط، أي البترودولار (نتيجة اتفاقية عام 1974 بين أميركا والسعودية)".
وهذا يعني أن كل معاملة تُفيد بنكا أميركيا، لأنها تمر عبره، وفي النهاية، يدفع ضعف المبلغ، أولا للشراء، ثم لإعادة التحويل لعملة أخرى.
ويعتبر هاتا أنه من المزايا الأخرى لهذا البنك أنه يسمح للدول بالتحرر من قيود صندوق النقد أو البنك الدوليين، والذي تتبعه تعديلات هيكلية، مما يسحب الاستثمارات من القطاعات الاجتماعية، ويؤدي غالبا إلى عمليات خصخصة وزيادة الضرائب.
ويختم بأن الشرط الوحيد لبنك بريكس، أن يتوافق المشروع الذي يموله مع أهداف التنمية المستدامة، ويكون صديقا للبيئة، لأن العديد من القروض مخصصة للتقنيات الخضراء، ومن الضروري أن يدعم أهداف الشمول والمساواة بين الجنسين.