آخر الأخبار

حكاية رسالتين تحكمان علاقة البنوك العاملة بفلسطين مع إسرائيل

شارك





رام الله – يرتبط الاقتصاد الفلسطيني ارتباطا وثيقا بنظيره الإسرائيلي، لا سيما أن الأراضي المحتلة ثاني أكبر سوق للسلع الإسرائيلية، ومن هنا نشأت علاقة مصرفية قوية وحذرة بين البنوك العاملة في فلسطين، وطنية ووافدة، ونظيرتها الإسرائيلية.

ومع تلويح وزير المالية الإسرائيل بتسلئيل سموتريتش قبل أيام بتجميد ما يسمى "كتاب الضمان" للبنوك الإسرائيلية، والذي سنأتي على ذكره، تطفو كثير من التساؤلات عن شكل وطبيعة العلاقة وصلاحية وزير المالية الإسرائيلي، وما إذا كان قراره سيؤدي إلى انهيار النظام المصرفي الفلسطيني أم لا.

في حديثهما للجزيرة نت، يحاول خبيران الإجابة عن تلك التساؤلات.

مصدر الصورة سموتريتش وجه بإنهاء حصانة بنوك إسرائيلية تتعامل مع أخرى فلسطينية ردا على عقوبات أوروبية بحقه (الأناضول)

ما الجديد؟

في 11 يونيو/حزيران الجاري قال سموتريتش، إنه وجه بإنهاء حصانة بنوك إسرائيلية تتعامل مع أخرى فلسطينية ردا على عقوبات أوروبية فرضت عليه.

ويوم أمس الأول الثلاثاء، أعلنت وزارة المالية الفلسطينية عدم تحويل أموال "المقاصة" عن شهر أبريل/نيسان الماضي، وهي عائدات ضرائب على البضائع الواردة إلى أراضي السلطة تجبيها إسرائيل في المنافذ التي تسيطر عيلها، ما جعلها عاجزة عن دفع رواتب موظفيها عن ذلك الشهر.

في تعليقه على إعلان سموتريتش، يوضح مدير عام جمعية البنوك في فلسطين بشار ياسين، إن العلاقة بين البنوك العاملة بفلسطين والبنوك الإسرائيلية تقُوم على رسالتين أو خطابين أساسيين يوجهان من الحكومة الإسرائيلية دوريا إلى بنكين مراسلين تتعامل معهما البنوك في فلسطين، وهما "ديسكونت" و"هبوعليم".

يضيف ياسين، أن إحدى الرسالتين تصدر عن وزارة العدل الإسرائيلية، تضمنها الدفاع عن البنوك، في حال رفعت عليها قضايا تتهمها بالتعاون مع بنوك فلسطينية موسومة بدعم الإرهاب، أما الرسالة الثانية فهي رسالة "ضمان وتعويض" تصدر عن وزارة المالية الإسرائيلية، فحواها أن الوزارة على استعداد لأن تعوض البنوك الإسرائيلية التي تعمل مع البنوك العاملة بفلسطين في حال رفعت عليها قضايا خارج إسرائيل.

إعلان

يشير مدير عام جمعية البنوك الفلسطينية إلى علاقة قوية بين البنوك في الجانبين، موضحا أن العادة جرت منذ عام 2016 أن تجدد الرسالتان تلقائيا لعام أو عامين، وبقي الأمر كذلك حتى جاء سموتريتش وحولهما إلى ورقة ضغط يبتز بهما السلطة الفلسطينية، وهدد مرارا وتكرارا بقطع العلاقة مع القطاع المصرفي الفلسطيني.

يقول ياسين، إن صلاحية الرسالتين حاليا مدتها عام وتنتهي آخر نوفمبر/تشرين الثاني، معتبرا أن "تصريح سموتريتش الأخير إعلامي أكثر منه إجراء نافذا" مشيرا إلى التواصل بمحامين وجهات دولية لمنع تحوله إلى خطوات عملية.

مصدر الصورة ياسين: ليس بإمكان سموتريتش اتخاذ قرار منفرد بقطع العلاقة بين البنوك العاملة بفلسطين والبنوك الإسرائيلية (الجزيرة)

إجراءات طويلة

يوضح الخبير الفلسطيني أنه "ليس من صلاحيات وزير المالية الإسرائيلي قطع العلاقة مع البنوك الفلسطينية، لأن العلاقة تمر بإجراءات طويلة، منها مصادقة المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" وإعطاء مهلة تسمى "فترة سماح" حتى تكون نافذة.

ويبدو أنه لو تمكن سموتريتش من الحصول على قرار من الكابينت بوقف إصدار الرسالتين، يشير مدير عام جمعية البنوك إلى "مخاطر مشتركة على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي وليس على القطاع المصرفي الفلسطيني خاصة".

وأضاف "سيتضرر المجتمع الفلسطيني والقطاع التجاري في حال انقطعت العلاقة، كما أن الجانب الإسرائيلي سيتضرر أيضا".

وكمثال ذكر أن فلسطين تستورد من إسرائيل وقودا وكهرباء وماء بمليارات الدولارات سنويا، متسائلا: كيف ستدفع أثمانها إذا تم تجميد العلاقة بين البنوك؟

لكنه يوضح أن قطع العلاقة مع الجانب الإسرائيلي -إن حصل- ليس نهاية الطريق، إذ إن العلاقة المصرفية للبنوك العاملة في فلسطين مع البنوك المراسلة في الخارج لا تتأثر وتبقى كما هي سواء في مجال التجارة أم الحوالات.

مصدر الصورة عفانة: قرار سموتريتش بإلغاء كتاب التفويض قفزة في الهواء، لا قيمة عالية له إجرائيا (الجزيرة)

أدوات ابتزاز

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة، إن تلويح الوزير الإسرائيلي جاء بعد قرار دول أوروبية، ومنها فرنسا وبريطانيا بالتوجه نحو فرض عقوبات عليه.

ويرى أن إعلان سموتريتش "جاء من طرف واحد دون أن يرجع للكابينت، حيث أعلن أنه بعث برسالة للمحاسب العام للدولة، أي وزارة مالية التي هو مسؤول عنها بوقف كتاب التفويض، كما أعلن أنه لن يحوّل المقاصة ردا على مزاعم بوجود تحريض فلسطيني.

يوضح عفانة أن الإجراءين اللذين أعلن عنهما سموتريتش مختلفان، فتجميد المقاصة من صلاحياته، أما كتابي الضمان فمن صلاحيات المجلس الوزاري.

يشير عفانة إلى أن صدور كتابي الضمان، جاء بعد طلب البنكين المراسليْن الحماية من الحكومة لعلاقتهما بالمصارفة العاملة في فلسطين، خشية تعرضها لملاحقات قضائية بتهمة تمويل الإرهاب من خلال تلك العلاقة.

وبينما يطلق على كتاب وزارة العدل "حماية ودعم" قضائيا، يطلق على كتاب وزارة المالية "كتاب تفويض" وبموجبه تفوض وزارة المالية الإسرائيلية البنكين بالتعامل مع البنوك الفلسطينية وتتكفل بتعويضها لو تعرضت لضرر أو خسائر نتيجة هذه العلاقة" يضيف الخبير الاقتصادي.

وأضاف أن الكتابين ظلا يجددان تلقائيا حتى وصول سموتريتش إلى الحكومة أواخر 2023 حيث بدأ يتوقّف عندها، وبدل أن يصدرهما كل عام أو عامين، أصبح يصدرهما بشكل ربع سنوي ثم شهري بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن ضغوطات سياسية ومفاوضات خلال أكتوبر 2024 أعادتها سنوية لتنتهي هذا العام مع نهاية نوفمبر.

إعلان

قفزة في الهواء

يرى عفانة أن قرار سموتريتش بإلغاء كتاب التفويض الصادر عن وزارته "قفزة في الهواء، لا قيمة عالية له إجرائيا، إنما يلوّح بورقة ليست بيده من باب الضغط، لأن الإلغاء بحاجة لقرار الكابينت، يلغي القرار الصادر عنه العام الماضي بتمديد التفويض حتى نهاية نوفمبر".

وبما أنه لا شيء مستغرب، يقول الخبير الاقتصادي الفلسطيني، إن سموتريتش يستطيع ابتزاز نتنياهو واستصدار قرار من الكابينت وعدم تمديد التفويض الحالي، وفي هذه الحالة، يمكن الحديث في الأضرار على الجانبين، خاصة وأن الأراضي المحتلة ثاني أكبر سوق لإسرائيل.

وأوضح أن فلسطين ومن خلال سلطة النقد والبنوك في فلسطين تتعامل مع 400 بنك مراسل في العالم، لكنّ البنكين الإسرائيليين لهما أهمية قصوى لأن جل التعامل المالي في القطاع التجاري خاصة الكهرباء والبترول والسلع يتم فيهما.

مع ذلك يشير الخبير الفلسطيني إلى بدائل منها استخدام بنك من خارج فلسطين لإتمام التعاملات المالية بما فيها تحويل المقاصة، لكن هذا الخيار يحمل في طياته مزيدا من التكلفة والوقت الذي سيدفع ثمنه المستهلك الفلسطيني.

لا انهيار للمصارف

وفي بيان -بعد مزاعم إعلام عبري عن احتمال انهيار القطاع المصرفي بعد قرار سموتريتش- نفت سلطة النقد الفلسطينية (بمثابة البنك المركزي ) "صحة الادعاءات بانهيار المصارف الفلسطينية عقب قرار إنهاء رسائل الضمان".

وأضافت أنها تتابع "ردود الأفعال على التهديدات الإسرائيلية بقطع العلاقة المصرفية المراسلة مع البنوك الفلسطينية" محذرة من أن "قطع العلاقة ينذر بوقف توريد السلع الأساسية إلى السوق الفلسطينية".

وقالت إنها تعمل منذ فترة مع المستوى السياسي وأطراف دولية عديدة للحفاظ على العلاقة المصرفية المراسلة لضمان عمليات التبادل التجاري وتسديد أثمان السلع والخدمات، وعلى رأسها المواد الغذائية والكهرباء والماء والمحروقات، موضحة أن المصارف الفلسطينية تعمل وسيطا ماليا في تنفيذ عملية شراء تلك السلع والخدمات.

وأكدت سلطة النقد، أن أموال المودعين لدى الجهاز المصرفي الفلسطيني محفوظة بأمان، وبأن المصارف تتمتع بملاءة مالية عالية وفقاً للمعايير الدولية ذات العلاقة. وأن الجهاز المصرفي الفلسطيني سيبقى متصلاً بالعالم الخارجي من خلال شبكة واسعة من البنوك في العالم ويقدم الخدمات للمواطنين محليا وعالمياً.

ووفق معطيات سلطة النقد الفلسطينية نهاية 2023، بلغ إجمالي الودائع في القطاع المصرفي نحو 12.7 مليار دولار، مشيرة إلى أن 13 مصرفا مرخصا، منها خمسة مصارف وافدة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار