في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في أمسية شعرية حملت عنوان "تحية حب إلى أمجد ناصر" نظمتها مؤسسة شومان في العاصمة الأردنية عمّان؛ نثر شعراء قصائدهم في حضرة غياب الراحل امتنانا وحبا لشاعر بادلهم حبا بحب.
الأمسية لم يتقصد منظموها أن تكون "رثاء وتعدادا لمناقب الراحل بل هي احتفاء متجدد بحضور أمجد ناصر الممتد في نصوصنا الأدبية وذاكراتنا أيضا" بحسب مقدم الأمسية القاص والناشر جعفر العقيلي الذي قال إن الأمسية "احتفاء بالشاعر الذي وسّع ضفاف اللغة، وسعى لتكون القصيدة وطنا حين تضيق الجغرافيا على أحبّتها".
استهل الشاعر يوسف عبد العزيز الأمسية بقصيدة رسائل سوداء تعاين اللحظة الراهنة رد فيها على دعاة الاستسلام واستعاد ذاكرة المقاومة وانحيازه لها وتلا:
رسائل سوداء
هل نُسقِطُ الرّاية
في آخر المشوار؟
هل نخلعُ الدّمَ والتُّراب وننحني
حتى يمرَّ الميّتونَ إلى خريف السّلمِ؟
هل نمضي إلى أعدائنا؟
هل ننتحر؟
فيما مضى
كنّا نشدّ النّارْ
من خصرها
ونُعلِّمُ الصّخر المودَّةَ والغناء
كان المخيّمُ جملةَ الشّعراء
وكتابنا الأرضيَّ للصَّنمِ
المعلَّقِ في السّماء.
كنّا وكان القلبُ مشمشةً
تنقِّرُها الطّيورُ
وكان بيتُ الشّعرِ أزرقَ كالمياهِ
نشدُّهُ ما بيننا
فنعانقُ الشّجر البعيدَ
وكنتَ أجملَ من نبيٍّ
تقضم الصّوّانَ حتى لا تجوعَ
تُرى
مَن أطفأكْ
في الأرضِ يا نايَ الرُّعاةِ؟
وحوَّلَكْ
لتصير صوتًا ضائعًا
في هذه الصَّحراءْ؟
فالنّهرُ يمشي في البلادِ
ولا يُبَدِّلُ ضفّتيه
والنَّسرُ لا يحتاجُ طائرَةً
ليبلغَ آخرَ الدّنيا
التقينا كالعصافير اليتيمةِ
وافترقنا للأبدْ
ما كانَ يجمعنا سوى وطنٍ أحد
وطنٍ تمزَّقَ بالرَّصاصِ
وجاء صوب بيوتنا
فتركتَهُ
وانحزتَ للطرف المقابل
حيث التّماسيحُ الكثيرةُ
والسّماسرةُ الأوائل.
ما كنتُ أعرفُ أنّ تحتَ السّترةِ الخضراءِ
يختبئُ المقاول
ما كنتُ أعرفُ أنَّ في بستاننا الثَّوريِّ
نملًا هائلًا يحبو على أشجارنا
ويجرُّنا لمقابر السِّلم النّبيلِ
وأنَّ هذي المرحلة
وجهٌ من الأصباغِ
ينقصُهُ رثاءٌ عاجلٌ وحذاءُ
ما كنتُ أعرفُ…
أيّ فوضى تنهبُ الأزهار من شرفاتها
وتتوّجُ الصّنم القديم
ربًّا ليعبدَ ظلَّهُ الشُّهداءُ
ما كنتُ أعرفُ
أنني الظبي الشّقيُّ
وجدتُ شعر الأرضِ
مشدودًا إلى الإسطبل
والثُّوّارَ محترقين في المنفى
يوزِّعُهُم لصوصٌ (طيّبونَ)
تقاسموا جسدي
كما شاء الكتاب الأميركيُّ
وشاؤوا
فقبضتُ جرحي واشتعلتُ
أنا الدّمُ الثّوريُّ يزربُ
من جرار الحربِ
والأيّامُ قربي زهرةٌ حمراءُ.
ندمًا سأبكي؟
أنا سوف أحملُ جمرتي
حتى النّهاية
وأقبّلُ العشبَ الذي يغتالني
إنْ بعتُهُ أو خنتُهُ يومًا
ولكنّي سأختتمُ الحكاية
بشوارعٍ منسيّةٍ تبكي عليكْ
خلّفتَها ثكلى
يلائم هذه الأحزانَ ما بيني وبينَكَ
يا دمي المسروق دمعٌ ساخنٌ
ورسائلٌ سوداءُ.
الشاعر حسين جلعاد الذي خصص قراءته في الأمسية لقصائد عن غزة لفت إلى علاقة أمجد ناصر بالشباب الشعراء وحميميته في العلاقة معهم وقال: إن "أمجد قال للمخرجة التلفزيونية الراحلة فيكتوريا عميش لا داعي لإجراء مقابلة معي يمكنك أن تجري مقابلة مع صاروخ صاعد في الشعر الأردني هو حسين جلعاد"، وقرأ صاحب "العالي يصلب دائما":
1
"ملائكتي تقترب
أراها دائما خلف الطائرات
عما قليل سأركب العربة المجنحة
ولن أنظر للخلف أبدا.
بعد القصف
تكنس الملائكة الغبار
لن يراها أحد سواي.
وسيكون الله
في انتظاري.
2
صوتكِ له طعم الشكولاتة الداكنة
لا يُنسى
ولا يمكن تجاهله.
بقي من العائلة رِجْلٌ واحدة ممدودة في خيمة النازحين
ورجلي الأخرى ذهبت معكِ
قال لي عامل الإسعاف: "البقية في حياتك"
والبقية رِجْلٌ واحدة.
خمسة أطفال وزوجتي الشكولاتة الداكنة
حملهم عزرائيل في عربة واحدة.
أما الشاعر زهير أبو شايب عددا منها " القوافل" و" الخطى الصافنات" و"ليل غزة" ومنها:
"على حاله
جالس يتفرج منذ الصباح على الليل
لم يستطع أن ينام
ولم يستطع أن يموت قليلا كأطفال غزة
ما من شهيد سيأتي ليأخذه معه
في الطريق إلى الأبدية
والشهداء يجيئون في كل معركة
ليزوروا الحياة وأبناءها،
ويقولوا لهم لم نمت قط.
نحن هنا في الحياة
ولو أغمض الناس عيونهم لرأونا!
على حاله
ليس يفعل شيئا سوى أنه طيلة الليل
ينظر نحو السماء القليلة
لكنه لا يرى
ليس يفعل شيئا
سوى أنه كلما ناحت الطائرات تصدع كالبيت
وانهار
والتصقت روحه بالثرى
ليس يفعل شيئا سوى الصمت
خشية أن يوقظ الشهداء ويزعج أرواحهم
ليس يفعل شيئا
سوى أنه ليس يفعل شيئا
وإذ يعبر الشهداء خفافا مضائين قي ليل غزة
تعود السماء إلى الأرض ثانية
وتعود الحياة إلى بيتها
مثل أرملة زوجها مات منذ عشرات السنين
وظل يموت من الصمت في كل يوم ويلعن عجزه".
الشاعرة مها العتوم -التي وصفها الراحل أمجد ناصر بأنها "تعد من أبرز الأصوات الشعرية النسائية العربية، لقصيدتها خرير الماء في جدول مصقول بطبيعتها. وتلمع مثل نجمة أو ينبوع لا تشكل اللقطة عالمها معتمدة على مفارقات، بل على كشف عميق لشعرية تسكن كلمتها التي تأتي دون عنت أو انفعال"- فقرأت عددا من قصائدها ومنها:
"شاعرة عبرت من هنا
أعرف تلك الطريق
التي ضعت فيها
وما زلت أسلكها وأضيع
أمر إليها من الليل
عزلاء
أنسى الرصاص الذي
ثقب النوم
أنسى الشتاء
الذي يجعل العاشقين
نبيين أو شعراء
ولا أتذكر إلا حروف الهجاء
سأرسم خطا يشير إلى البيت
بيتي الكلام
الذي عشت فيه كأشجاره
أتسلى وأعلو
ونعست شمس الظهيرة فيه
ونمت على بابه
مثل أرجوحة
سوف يصبح بيتي كلامي
ويفرغ حين أموت
ويسكنه الغرباء
سأرسم خطين
يعبر بينهما العمر
كالنهر
خيط رفيع من الماء
ألظم فيه الحصى
ويصير طريقا لشاعرة عبرت من هنا
الحصى خطواتي
وتلك الخطوط على الماء
ما ظل مني
ومن كلماتي".
الشاعرة وفاء جعبور أهدت قصيدتها إلى أمجد ناصر وتلت:
"يراود عينيك كحل المنافي
ويسأل عنك طريق
يزاحمه الشوق
عاما
فعام
وأنت الفتى الأبجدي
تراهن أن الخسارات
ليست سوى
وجهنا في مرايا الكلام
تبدل هذا الطريق
نسير إلى أول الحزن فيك
ونسأل عن غيمة
وتهدي إليك السلام
فيا من نعانقه
حين نبكي خساراتنا
ونطيل التأمل في وجهه
كلما شق قلب
ودقت على البال أنثى الحمام
سلام عليك
لأجلك أمجد يهدى السلام".
الشاعر السوري نوري الجراح ختم الأمسية بعدد من قصائده ونختار منها:
"أكتب قلبي
تنويمة لأجل طفل
نم يا حبيبي نم
رجع الجناة من السماء..
وتُركتْ لي
وترا تقطَّع في قيثارةٍ،
ونغم
نم يا حبيبي نم
رشْح دمٍ في معصمي،
وفي خرير الماء..
نم في المغارة
لا تخف صمت المساء..
نم يا حبيبي نم،
ماتت مخيلتي وأهدتني السماء،
عدوةً،
والنهرّ مسموما..
الصياد رجع بقرن الغزال
نم
نم في حفيف ملابس الخالات،
رحن، وجئن،
في نومك،
نم..
نم في نزول الرعد،
وانفلاق الكمأة،
نم
نم يا حبيبي نم..
الجنود شطروا بالسكين ضوء القمر
والأمهات رمين أغطية على الصلوات
نم
نم في خريف البيت
الراجعون من الظلال
دفنوك في أسمائهم،
نم
في جناح الطائر المكسور
ونم في الصور
الأزهار، في جنبات البيت، تتوحش
نم
الرطوبة تعض العتبات
نم
الحجر يكشر للحجر واليرقات التائهة ترتطم باليرقات
نم
الهواء يخبط النوافذ والعاصفة تأكل الأبواب
نم
نم يا حبيبي نم.
نم في نزيف النهر،
وفي عراء الأرض.
نم في العطش،
ونم في وردة البيت
اليتيمة،
وتذكر..
كلمات الأغنية..
(تنوح الصبيات في المقبرة
هنا عندليب
هنا قبرة.
هنا دفنت طفلةٌ طفلةً…
وصبيٌّ صبيًا
وبكى
حجر
على
حجر
نم يا حبيبي نم).
الكمائن نصبت، والصياد أوقع الطائر،
نم،
نم في خيال الحور، في ساقية البيت
ونم في فضة القمر،
نم في المطر،
نم في هيام الظل، خلف الباب،
نم في أسى الوديان
نم في القمح
محترقا
ونم
في فضة النوم..
نم يا حبيبي نم
نم في حديث الجن، في كهف الحكاية، في كلام النهر للتفاح…
ونم
في خمرة الرمان.
نم يا حبيبي نم..
في عامك الأول زارتنا السنونو،
في عامك الثاني انشغلت بسنك الأولى،
وفي أعوامك العشرين…أعطيت فؤادي للأرق…
نم في هوى الفتيان،
طاشوا عند باب الكهف
نم في كسور الشمس.
نم يا حبيبي نم
المساء تحطم في إناء البيت
والطائر بلل منقاره
في قطرة
المطر
الرعد فجّ الصبحَ،
وانهمرت على قدميك حبات البرد
نم في أقاصي النوم.
نم يا حبيبي نم
العندليب رآك في الظل وحيدا،
نم في بهيم الليل،
ونم في رجفة العندليب
نم يا حبيبي نم
نم في خيام الشام
فبلاد الشام من عكا إلى حلب خيام..
نم في ضمير العالم الميت،
وانزع يديك من الصليب،
وقم،
فأنت الحيُّ
نم يا حبيبي نم
نم وتذكر حائط الذكرى،
وشمس الأمنية.
نم
نم عند سفح الجبل
نم
وترقب
نجمة الزمن الجديد".