تطرح العمارة المعاصرة أجوبة على تحديات العالم المعاصر من أزمة المناخ إلى التفاوت الاجتماعي والتوسع الحضري المتسارع، ليس بالحجر والخرسانة فحسب، بل بالرؤى الإنسانية العميقة.
وأعلنت لجنة التحكيم العليا المستقلة للدورة الـ16 من جائزة الآغا خان للعمارة (2023-2025) من قرغيزستان بآسيا الوسطى، عن أسماء سبعة مشاريع فائزة، تم اختيارها بعناية بعد دراسة مستفيضة للمراجعات الميدانية التي أجريت للمشاريع المدرجة في القائمة القصيرة.
تستكشف المشاريع الفائزة لهذا العام قدرة العمارة على أن تكون عاملا محفزا للتعددية ومرونة المجتمع، والتحول الاجتماعي والحوار الثقافي، والتصميم المستجيب للمناخ. وستتقاسم هذه المشاريع المتميزة جائزة مالية بقيمة مليون دولار أميركي، وهي من بين أكبر الجوائز في مجال العمارة على مستوى العالم، في احتفالية ستقام في قاعة الفيلهارمونية الوطنية القيرغيزية بالعاصمة بشكيك في 15 سبتمبر/أيلول الجاري.
ترسم قائمة الفائزين لعام 2025 خريطة للإبداع تمتد عبر آسيا والشرق الأوسط، حيث يقدم كل مشروع حلا فريدا لسياقه المحلي، مع رسالة عالمية مشتركة:
مشروع "خودي باري" (Khudi Bari)، مواقع مختلفة: هذا الحل المبتكر الذي صممته شركة "مارينا تبسم للهندسة المعمارية"، هو استجابة مباشرة لمعاناة المجتمعات النازحة المتأثرة بالتغيرات المناخية.
ويتكون المأوى من الخيزران والفولاذ، وهو قابل للتكرار بسهولة ومنخفض التكلفة. أشادت لجنة التحكيم بالإطار البيئي العميق للمشروع وبإسهامه في تعزيز الاستخدام العالمي للخيزران كمادة بناء مستدامة وفعالة.
مركز قرية ووست ووسوتو المجتمعي، هوهوت: باستخدام الطوب المعاد تدويره، شيدت شركة منغوليا الداخلية الكبرى للتصميم المعماري مركزا يوفر فضاءات اجتماعية وثقافية للسكان والفنانين. يراعي التصميم الاحتياجات الثقافية للمجتمع المحلي متعدد الأعراق، بما في ذلك مسلمو قومية الهوي. أشارت لجنة التحكيم إلى أن المشروع يمثل نموذجا مصغرا وشاملا للحياة المجتمعية، ينسج علاقات إنسانية متينة في بيئة ريفية.
إعادة إحياء مدينة إسنا التاريخية: تصدى هذا المشروع، الذي نفذته "تكوين للتنمية المجتمعية المتكاملة"، لتحديات السياحة الثقافية عبر تدخلات مادية ومبادرات اجتماعية واقتصادية وإستراتيجيات حضرية مبتكرة. نجح المشروع في تحويل موقع مهمل إلى مدينة تاريخية مزدهرة تنبض بالحياة.
أقرت لجنة التحكيم بالسبل التي اعتمدها المشروع في تحفيز ما أسمته "الأيض الحضري التاريخي" -الدورة الحيوية للعمران- مما يمكن المدينة من مواجهة تحديات الحاضر وتحسين جودة الحياة لسكانها.
مجمع مجرة وإعادة تطوير المجتمع، جزيرة هرمز: هذا المجمع الملون، الذي صممته شركة "زاف للعمارة"، تعكس قبابه المتعددة الألوان تربة الجزيرة الغنية بالمغرة، ويوفر إقامة مستدامة للسياح. وصفته لجنة التحكيم بأنه "أرخبيل نابض بالحياة ببرامجه المتنوعة"، يسهم تدريجيا في بناء اقتصاد سياحي بديل ومستدام لأهالي الجزيرة.
ميدان مترو جهاد – طهران: حول أستوديو "كيه إيه للعمارة" محطة مترو متداعية إلى عقدة حضرية نابضة بالحياة للمشاة. شددت لجنة التحكيم على أن استخدام الطوب التقليدي المصنوع يدويا يعزز الصلة بالتراث المعماري الإيراني الغني، في حين يؤكد نسيجه الدافئ والهادئ مكانة المحطة كنصب حضري جديد يحتفي بالمشاة والمجتمع.
رؤية باكستان: يقع الموقع على جانب طريق مزدحم، وقد تم اختياره نظرا لسهولة الوصول إليه باستخدام وسائل النقل العام. أراد العميل التأكد من أن جميع الطلاب القادمين إلى المدرسة سيتمكنون من الوصول إليها بوسائلهم الخاصة (الآغا خان)رؤية باكستان – إسلام آباد: يتميز هذا المرفق متعدد الطوابق، الذي صممته "أستوديوهات دي بي"، بواجهات مبهجة مستوحاة من الحرف الباكستانية والعربية. يحتضن المبنى جمعية خيرية تهدف إلى تمكين الشباب المحرومين عبر التدريب المهني. أشارت لجنة التحكيم إلى أن المبنى لا يوفر فقط نوعا جديدا من التعليم، بل يتميز أيضا بفيض من الضوء، وتنظيم فراغي مشوق، وكفاءة اقتصادية عالية.
الواجهة الغربية لمجلس العجب عند شروق الشمس. تتميز بعناصر زخرفية بسيطة، تقتصر أساسا على أحرف دوّارة مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، موضوعة على السطح لتعمل كمؤشر للرياح (الآغا خان)مجلس العجب – بيت لحم: هذه المساحة غير الربحية، التي صممتها شركة "أ أ يو أنسطاس"، شيدت بمساهمة من الحرفيين والمقاولين المحليين لتصبح محورا أساسيا للحرف والتصميم والابتكار والتعلم. رأت لجنة التحكيم أن المبنى يقدم نموذجا لـ"عمارة الوصل"، المتجذرة في التعبيرات المعاصرة عن الهوية الوطنية، والمؤكدة على أهمية الإنتاج الثقافي كشكل من أشكال المقاومة والصمود.
تأسست جائزة الآغا خان للعمارة عام 1977 من قبل الأمير الراحل كريم آغا خان الرابع بهدف تحديد وتشجيع المفاهيم المعمارية التي تلبي بنجاح احتياجات وتطلعات المجتمعات التي يتمتع فيها المسلمون بحضور كبير. وعلى مدى 16 دورة، تم تكريم 136 مشروعا وتوثيق ما يقرب من 10 آلاف مشروع بناء.
يقول رئيس اللجنة التوجيهية للجائزة الأمير رحيم آغا خان الخامس "يعد إلهام الأجيال الشابة للبناء بعناية بيئية ومعرفة وتعاطف من بين أعظم أهداف هذه الجائزة. ينبغي على العمارة اليوم أن تتعامل مع أزمة المناخ، وأن تعزز التعليم، وتغذي إنسانيتنا المشتركة. فمن خلالها نزرع بذور التفاؤل وأعمال صمود هادئة تنمو لتصبح مساحات للانتماء، حيث يمكن للمستقبل أن يزدهر بكرامة وأمل".
من جانبه، صرح مدير الجائزة فرخ درخشاني "يمكن للعمارة ويجب عليها أن تكون محفزا للأمل، فهي لا تشكل الفضاءات التي نعيش فيها فحسب، بل تصوغ أيضا المستقبل الذي نتخيله. تحتفي جائزة الآغا خان للعمارة بمشاريع تدمج بين المجتمع والاستدامة والتعددية، لتمكين عالم أكثر انسجاما وقدرة على الصمود".
وتتميز الجائزة بأنها لا تقتصر على تكريم المعماريين فحسب، بل تشمل أيضا البلديات والبنّائين والجهات المالكة والحرفيين المتمرسين، والمهندسين الذين أدوا أدوارا محورية في إنجاز هذه المشاريع الاستثنائية.
وفي حوار سابق مع الدكتور لويس مونريال، المدير العام لمؤسسة الآغا خان للثقافة وأحد الأسماء البارزة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي في العالم، تحدث للجزيرة نت عن طبيعة العمل في البيئات الهشة التي مزقتها الحروب مثل سوريا وأفغانستان، مشيرا إلى أن التراث الثقافي هو مورد اقتصادي واجتماعي يسهم في بناء المستقبل وخلق فرص عمل. كما سلط الضوء على مشاريع بارزة كموقع "ميس عيناك" في أفغانستان، وحديقة الأزهر في القاهرة، وسوق حلب التاريخي وغيرها.