يتعرض عدداً من الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر إلى التحرش والاعتداءات الجنسية، وهي الفئات التي تكون أكثر عرضة من غيرها لمختلف صيغ الإساءة الجنسية بسبب عدم قدرتهم على التصدي لها أو تفهمها والإبلاغ عنها، وهي الأسباب التي دفعت هايدي كارم، وهي أم لطفل من ذوي الهمم لإطلاق مبادرة "بوند" بهدف دعم الأمهات وتمكين هؤلاء الأطفال من مواجهة التحرش والدفاع عن أنفسهم وتبليغ أهاليهم.
أكدت هايدي كارم، صاحبة مبادرة "باوند" لـ DW أن الأسباب التي دفعتها لتأسيس المبادرة هي مشاعر الخوف التي انتابتها مع تقدم ابنها في السن على المستوى الجسدي والنفسي. وتابعت "كنت أشعر بخوف في البداية من عدم تقبل الأهالي لهذه الفكرة وعندما بدأت البرنامج التدريبي، جاءت التعليقات بداية من أنني أبالغ في تقديراتي لمسألة التحرش والاعتداءات الجنسية فيما أنكرت أمهات أخرى وجود انتهاكات ضد الأطفال".
هايدي كارم، مؤسسة مبادرة "بوند" لمناهضة التحرش الجنسي ضد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في مصرصورة من: Reham El Sayedويستهدف البرنامج تعليم الأطفال كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بأمان والتثقيف عن جسدهم و"التربية الجنسية والحماية" باستخدام صور تعليمية وأغاني وتعليمهم كيفية التصرف في المواقف الخاصة بمحاولات التحرش والانتهاكات على غرار الهروب والإبلاغ. كما تقوم بتثقيفهم عن حدود جسدهم ودائرة العلاقات الآمنة، إذ يُعتقد أن التحرش يأتي في أغلب الأوقات من المقربين مثل الشيخ أو مدرس أو السائق الخاص بهم. وتستعين في هذه البرامج على خبراء نفسيين للحديث مع أمهات وأطباء متخصصين.
لا تقدم المدارس في مصر جلسات توعوية للأطفال للحماية من التحرش والانتهاكات الجسدية بسبب الخوف المجتمعي من التطرق إلى الموضوعات الخاصة بالجنس، رغم انتشار عدة وقائع لاعتداءات جنسية على أطفال في مصر.
وفسًرت كارم غياب التوعية في المدارس لخوفهم من سوء الفهم بأن المدرسة أصبحت بيئة غير آمنة. وترى أن المطلوب هو التوعية لأمهات ذوي الإعاقة وأهمية وجود كاميرات مراقبة في أي مكان يتواجد فيه الطفل وكذلك تغليظ العقوبات على المتحرشين .
وأكدت كارم أن أغلب التعليقات الإيجابية من الأمهات هي أنها ساعدتهم من تخفيف الضغط عليهم في التعامل مع التغيرات التي تطرأ على أطفالهم.
مبادرة ضد التحرش الجنسي بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة - 2025صفاد محمود (اسم مستعار) هي أم مصرية لطفلة تبلغ 9 سنوات، تعرضت ابنتها التي تعاني من متلازمة داون للتحرش الجنسي من المدرس الذي كان يدرسها اللغة العربية، ولكنها لم تكن تعلم عن تلك الحادثة إلا بعدما تغيًر سلوك طفلتها بعد أن أصبحت أكثر عصبية وانطوائية بالإضافة إلى معاناتها من اضطرابات في النوم، كما أنها كانت ترفض مذاكرة اللغة العربية. وأشارت لـ DW "رفضت الحديث معي عن أسباب تغيًر سلوكها إلا أن قلقها وتوترها عندما يأتي المدرس لها جعلني أشك في أمره، ودفعني لمراقبته من بعيد أثناء الدرس".
وأضافت "تجمًدت عندما رأيته يلمس جسدها وشعرت وكأنني سأفقد الوعي، ولكنني تماسكت نفسي وقمت بطرده خارج المنزل". لكنها تشعر بالندم لأنها لم تبلغ الشرطة ولم تفضحه خوفاً على الوصمة المجتمعية التي قد تلاحق ابنتها. وأشارت إلى أنها تحاول علاج ابنتها من هذه الصدمة وتوعيتها بخطورة السكوت في حالة تعرضت لأي أذى.
فالوصمة المجتمعية والشعور بالخزي وصلة القرابة التي قد تربط بين المعتدي والضحية قد تكون من الدوافع وراء غياب التقديرات الرسمية لأعداد الأطفال الذين تعرضوا للتحرش والانتهاكات الجنسية .
مصر، القاهرة 2025 | مبادرة ضد التحرش الجنسي بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصةصورة من: photo of Haidy Karem , founder of "bond" initiative Haidy Karemواعتبرت هبة الصباحي، مستشار الصحة النفسية ورئيس مجلس أمناء نبت لرعاية النشء وتنمية المجتمع لـ DW عربية، أن الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة "يتعرضون للتحرش بنسبة أربعة أضعاف مقارنة بغيرهم".
وفسًرت ذلك "باستسهال المعتدي لضحاياه وضمان سكوتهم"، خاصة وأن بعضهم قد يواجه صعوبة في التعبير عن ما يتعرض له، في ظل "غياب قلة البرامج التوعوية الموجهة لهذه الفئة، والتي تجعلهم غير مدركين لحقوقهم أو كيفية حماية أنفسهم".
بالإضافة إلى "فجوة الوعي المجتمعي، فالكثير من الناس لا يدركون أن التحرش قد يحصل داخل البيت أو المدرسة أو مركز الرعاية، حتى أن بعض الأهل يرفضون التحدث عن حالات التحرش أو الاعتداءات الجنسية خوفًا من "الفضيحة"، فيفضلوا دفن القصة"، على حد قول الصباحي.
وترى الصباحي أهمية تنظيم "حملات توعوية تستهدف الأطفال والأهل والمعلمين حول كيفية التعرف على التحرش وطرق الوقاية منه، وتأهيل المعلمين والمشرفين والعاملين في المؤسسات التي تقدم خدمات لذوي الاحتياجات الخاصة للتعامل مع هذه القضايا بحساسية وفعالية".
كما شددت مستشار الصحة النفسية على إدراج "برامج تعليمية مبسطة حول الخصوصية والسلامة الشخصية في مناهج ذوي الاحتياجات الخاصة بطريقة تناسب مجتمعنا ولا تخدش حياء المجتمع، ولكنها تربي الوعي للحماية فقط. وكذلك توفير وسائل آمنة وسرية للإبلاغ عن حالات التحرش ، مع ضمان حماية المبلغين.
وأصبحت وقائع التحرش وهتك العرض التي وقعت مؤخراً بحق الأطفال حديث الشارع المصري، خاصة مع تغليظ القضاء المصري عقوبة رجل قام بهتك عرض طفل داخل مدرسة في الخامسة من عمره والسجن بالمؤبد بعد أن تحولت إلى قضية رأي عام في مصر، ولكن هناك قضايا عديدة لا تصل للرأي العام ولا ترقى لنفس الحكم القضائي، في الوقت نفسه مازال عدد كبير من الأهالي يرفضون الإبلاغ عن تلك الحالات، ما يثير مخاوف من أن تصبح هذه الظاهرة متجذًرة في المجتمع المصري ويصعب معالجتها.