انتخب المجمع بسرعة مدهشة الكاردينال روبرت بريفوست (69 عامًا) البابا الـ 267، وهو من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أيضًا من بيرو، وقضى هناك سنوات عديدة في شمال البلاد. إنه مواطن عالمي يتقن العديد من اللغات.
كان التركيز حتى الآن على أول خطاب قصير للبابا ليو بعد انعقاد المجمع المقدس. وللمرة الأولى تحدث البابا ليس فقط باللغة الإيطالية، ولكن أيضًا بلغة حديثة أخرى: لقد تحدث بضع جمل باللغة الإسبانية من أجل "أبرشيته العزيزة تشيكلايو في البيرو".
استخدم البابا ليو الرابع عشر كلمة "سلام" عشر مرات ولم يستخدم أي اسم آخر أكثر من ذلك. وفي معظم المرات بدت الكلمة مُتَضمنة في الكتاب المقدس. ولكن في المرة الأخيرة عندما تحدّث عن سلام المسيح القائم من بين الأموات بأنه "سلام غير مسلّح وسلام متواضع ومثابر" أصبحت الإشارات إلى الحاضر واضحة. "لن يسود الشر! نحن جميعًا بين يدي الله". وأعقب ذلك صورة الجسر، صورة بناء الجسر.
ليو الرابع عشر في أول قداس له كبابا جديد للفاتيكان في 9 مايو/ أيار في كنيسة سيستيناصورة من: Simone Risoluti/Vatican Media/HandoutREUTERSكان خطاب ليو الأول قصيرًا ومع ذلك فقد أوضح عددًا من الأمور. فقد أشار الكاردينال راينهارد ماركس (71 عامًا) من ميونيخ، والذي شارك في الانتخابات البابوية، (أشار) إلى اللغة التي اختارها البابا في خطابه. ووفقًا لماركس فقد اعتبره "قرارًا واعيا" من جانب ليو بعدم التحدث باللغة الإنجليزية هناك "والإشارة مرة أخرى إلى الولايات المتحدة بشكل خاص". وتابع ماركس: "لقد أخبرني الأساقفة الأمريكيون: نحن ننظر إليه هنا على أنه أمريكي لاتيني".
ربما يكون هذا هو أعظم انقلاب في هذا الانتخاب البابوي: القائم على أمر أكثر من 1.4 مليار عضو في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية أصبح فجأة أمريكيًا. وهذا يعني أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يعتبر نفسه أقوى رجل في العالم على الأقل، يعارضه رجل ربما أكثر قوة منه ولديه شبكة عالمية.
كيف ستكون العلاقة بين الرئيس دونالد ترامب والبابا ليو ؟ كان لدى ماركس أيضًا تقييم لهذا الأمر. فالتصريحات التي أدلى بها الكاردينال بريفوست السابق "لم تكن كلها من النوع الذي يرضي الرئيس في كل مرة". وبصفته البابا، فإنه "بالتأكيد لن يرغب في الاستفزاز الآن". هذا يعتمد على ما يفعله الرئيس. سيكون ليو حرًا في كل الأحوال. "إنه بالتأكيد لن يقول الآن: أنا قادم من الولايات المتحدة وبالتالي فلن أتخذ أيضًا موقفًا حرًا وواضحًا".
وقد فعل البابا الحالي ذلك بالفعل عندما كان كاردينالاً. وعلى النقيض من معظم الأساقفة والكرادلة الأمريكيين، فقد عارض علنًا ترامب ونائبه جي دي فانس في منشوراته القليلة على شبكة إكس.
على هامش جنازة البابا فرنسيس (26 أبريل) التقى الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي لإجراء محادثات في كاتدرائية القديس بطرسصورة من: Ukrainian Presidential Press Service/Handout via REUTERSودافع بريفوست في عدة مناسبات عن مواقف البابا فرنسيس والكنيسة الكاثوليكية بشأن سياسة الهجرة ومكافحة التغير المناخي والمسؤولية عن الخلق. وأوصى صراحةً بأن يقرأ ترامب الذي يحب أن يضع مثل هذه الاعتراضات في زاوية "اليسار الراديكالي" كتاب البابا ”Laudato Si“ حول المسؤولية البيئية الذي نُشر في عام 2015.
وقبل بضعة أسابيع فقط أدلى بشهادة عن نائب الرئيس فانس، الذي يريد نهجًا مختلفًا في التعامل مع اللاجئين والعزلة فقال: "جي دي فانس مخطئ". وهذا أمر مثير للاهتمام لأن فانس الذي أصبح كاثوليكيًا قبل بضع سنوات أراد أن يشرح للكنيسة كيف تفهم محبة الغير.
سيكون يوم الأحد 18 مايو/ أيار يوما مثيرًا. لقد حدد الفاتيكان موعد قداس التنصيب الرسمي للبابا ليو في وقت متأخر جدًا. من المتوقع أن يحضره أكثر من 200,000 مؤمن بالإضافة إلى عشرات من ممثلي الدول وكبار السياسيين من جميع أنحاء العالم. ويقال في روما إن دونالد ترامب سيسافر بالتأكيد. ومن ثم سيكون ليو بالتأكيد البابا القادم من أمريكا اللاتينية لمواجهة مواطنه الأمريكي. يمكن تخمين شيء واحد: سيحكم ليو (69 عامًا) لفترة أطول من ترامب (78 عامًا).
كما توضح تغريدات بريفوست أيضًا أنه لن يكون هناك تغيير في المسار بشأن القضايا السياسية الرئيسية مثل الهجرة ومكافحة تغير المناخ والمسؤولية الاجتماعية العالمية. ولكن فيما يتعلق بالحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا يتوقع الدبلوماسيون أن يتخذ الفاتيكان خطًا أكثر وضوحًا مما كان عليه في أيام البابا فرانسيس. وعلى مدى أشهر عديدة، كانت تصريحاته التي لم يُذكر فيها بوضوح المسؤولية عن الموت والمعاناة في أوكرانيا وأدوار الجاني والضحية مثيرة للغضب.
لم يكن أحد قرارات البابا الجديد المتعلقة بالموظفين مفاجئًا، لكنه قرار مهم. فمع وفاة كل بابا تنتهي تقريبا فترة ولاية جميع الوظائف المهمة في "الكوريا" أي جهاز الفاتيكان. قام البابا ليو بتثبيتهم جميعًا في مناصبهم في الوقت الحالي، بما في ذلك النساء الراهبات على رأس وزارتين عينهنّ البابا السابق في وقت متأخر.
الكاردينال بريفوست في الأيام الأخيرة قبل انعقاد المجمع المقدس (26/4/2025)صورة من: Franco Origlia/Getty Imagesوينطبق هذا أيضًا على الرجل الثاني في الفاتيكان، أمين سر الفاتيكان، الكاردينال الإيطالي بيترو بارولين (70 عامًا)، و"وزير خارجية الفاتيكان"، البريطاني بول ريتشارد غالاغر (71 عامًا).
وعلى عكس سلفه فإن ليو الذي يشغل أحد أهم المناصب في الكوريا منذ عام 2023، يعرف بالفعل جميع الأشخاص والوجوه (وربما أيضًا نقاط الضعف). إن صورة "بناء الجسور" من خطابه الأول تحيل ليو قبل كل شيء إلى وحدة الكنيسة.
هناك جانب آخر سيكون أكثر أهمية بالنسبة للبابا ليو ويرتبط أيضًا باختياره للاسم. فقد نقلت مراسلة الفاتيكان المطلعة إينيس سان مارتن عن الكاردينال التشيلي فرناندو تشومالي أن ليو قال له في عشاء الكرادلة بعد انتخابه البابوي إنه "كان قلقًا جدًا بشأن التغيرات الثقافية التي نمر بها، وهي في الحقيقة ثورة كوبرنيكية الذكاء الاصطناعي والروبوتات والعلاقات الإنسانية". ومثلما أطلق البابا ليو الثالث عشر (1878-1903) "حوارًا مهمًا بين الكنيسة والعالم الحديث" في خضم الثورة الصناعية، يجب أن تلعب الكنيسة دورًا مهمًا في لحظة "الحيرة" الحالية. يقول تشومالي: "هناك ثورة تحدث، ويجب التعامل معها بجدية".
كثيرون ينتظرون بفارغ الصبر خطط السفر الأولى للبابا ليو الرابع عشر، والآن وقد عاد ممثل أمريكا اللاتينية ليقود الكنيسة من جديد، فمن المؤكد أنه سيتوجه قريبًا إلى أفريقيا أو آسيا أو أوروبا الشرقية. إذا سألت الراهبات الفلبينيات أو الكهنة الأفارقة الشباب في ساحة القديس بطرس في المساء التالي للقرار عما إذا كانوا حزينين بعض الشيء على الرغم من كل الفرح، يمكنك أن تشعر بذلك، خاصة بين الفلبينيات. لقد جاء مرشحان جادان من بلادهما.
الكاردينال فرناندو ناتاليو تشومالي غاريب، رئيس أساقفة سانتياغو دي شيلي (صورة من الأرشيف - الفاتيكان: 6/12/2024)صورة من: Remo Casilli/REUTERSربما ستتضح الرحلة الأولى بمجرد أن يتم التنصيب. لأنه مرة أخرى كما حدث في جنازة البابا فرنسيس ، سيأتي رئيس شرف الكنيسة الأرثوذكسية البطريرك بارثلوميوس (85 عامًا) إلى روما. وفي إعلانه عن رحلة الفاتيكان، كرر البطريرك المسكوني البالغ من العمر 85 عامًا أمله أو توقعه بأن يرى ليو مرة أخرى في تركيا. تقترب الذكرى السنوية الـ1700 لبداية مجمع نيقية الأول في نهاية مايو/ أيار، في نيقية (إزنيق) بجنوب شرق إسطنبول. ذكرى لا تعني شيئًا لكثير من الناس في الغرب، ولكنها ذات أهمية كبيرة للحركة المسكونية.
منذ يوم الخميس الماضي، تقف العديد من الجهات الفاعلة أمام البابا الجديد في قضية واحدة. في نهاية شهر مارس/ آذار قدمت المنظمة الدولية "شبكة الناجين من أولئك الذين اعتدى عليهم القساوسة" ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية شكوى لدى الفاتيكان ضد بريفوست وخمسة كرادلة آخرين بتهمة التستر. وبعد الانتخابات كررت المنظمة انتقادها.
فرانسيس وبارثولوميو في إسطنبول في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014صورة من: picture alliance/dpa/epa/T. Bozogluاشتبه خبير حماية الطفل في الفاتيكان هانس تسولنر، الذي يعمل في جميع أنحاء العالم، في أن الجماعة الكاثوليكية الرجعية "سوداليسيوم دي فيدا كريستيانا" كانت وراء الاتهامات يوم الجمعة. وقد اتخذ البابا فرنسيس وبريفوست خلال فترة وجوده في بيرو إجراءات حاسمة ضد هذه الجماعة. تم حظرها من قبل فرانسيس في بداية عام 2025 أيضًا بسبب العديد من حالات الانتهاكات.
أما منظمة الضحايا العالمية المسماة "إنهاء إساءة معاملة رجال الدين العالمية" فقد دعت ليو إلى مواصلة عملية التعامل مع الإساءة وإشراك المتضررين. ويعزز المثال الحالي المطالب بالشفافية والتحقيقات المستقلة وإشراك الناجين. "يواجه البابا ليو الرابع عشر الآن خيارًا حاسمًا: الإبقاء على نظام معطوب أو قيادة الكنيسة إلى مستقبل قائم على المساءلة والإصلاح الذي يقوده الناجون". لا يزال هذا التحدي طويلًا.
أعده للعربية: م.أ.م/ تحرير: صلاح شرارة