آخر الأخبار

يوم خرج الأمريكيون من بيوتهم خوفاً من غزو أهل المريخ

شارك
مصدر الصورة

في عام 1938، أثارت نسخة إذاعية من رواية خيال علمي حالة من الذعر بين المستمعين، حتى باتت واحدة من أكثر البرامج الإذاعية سيئة السمعة في التاريخ.

كان الشاب أورسون ويلز، البالغ من العمر 23 عاماً، وراء ما حدث. وبعد ثلاث سنوات شارك في كتابة وإخراج فيلم "المواطن كين" والتمثيل فيه، وهو الفيلم الذي يُعد على نطاق واسع أحد أكثر الأعمال السينمائية تأثيراً.

بُثّت الحلقة الإذاعية في الليلة السابقة لعيد الهالوين، وبعد شهر واحد فقط من غزو ألمانيا النازية لتشيكوسلوفاكيا؛ الدولة التي تأسست عام 1918 واحتلتها قوات هتلر عام 1938، ثم تم حلّها عام 1993. كانت فترة يطغى عليها صعود الفاشية وتهديد الحرب.

قدّم برنامج "مسرح ميركوري على الهواء" عرضاً إذاعياً لرواية "حرب العوالم" للكاتب إتش جي ويلز، التي تتناول غزواً مريخياً للأرض.

استمع ما يصل إلى ستة ملايين شخص للبرنامج، وكثيرون منهم لم يدركوا أن ما يسمعونه خيال. وكانت النتيجة مشاهد من الذعر الجماعي.

استمع ما يصل إلى ستة ملايين شخص للبرنامج، وكثيرون منهم لم يدركوا أن ما يسمعونه خيال. وكانت النتيجة مشاهد من الذعر الجماعي.

وقال أورسون ويلز لبي بي سي عام 1970: "بدأ الجميع فجأة يقودون سياراتهم بسرعة 125 ميلاً في الساعة"، متذكراً كيف فرّ الناس إلى التلال هرباً مما اعتقدوا أنه غزو فضائي حقيقي.

نسخة "مثيرة"

مصدر الصورة

في رواية إتش جي ويلز، التي نشرت لأول مرة عام 1897، تسقط أسطوانات معدنية من المريخ على الأرض في ريف مقاطعة سري في المملكة المتحدة. يستدعى الجيش البريطاني للتصدي لآلات قتالية ضخمة ثلاثية القوائم ومسلحة بأشعة قاتلة.

في عام 1938، كان الكاتب الشاب هوارد كوتش يعمل على تحويل القصة إلى نسخة إذاعية. وقال لاحقاً لبي بي سي إن ما بقي من رواية ويلز لم يتعد وصف المخلوقات وأسلحتها، إلى جانب الفكرة العامة عن وقوع غزو.

ولتعزيز الطابع الدرامي، قرر فريق الإنتاج تحديث الأحداث وجعل المريخيين يهبطون في نيوجيرسي بالولايات المتحدة بدلاً من المملكة المتحدة.

استعاد كوتش تلك اللحظة قائلاً إنه خطط للمشهد "كجنرالٍ مل" في سباق مع الوقت، ففرد خريطة، وأغمض عينيه، ووضع قلم الرصاص عليها، فاستقر على بلدة غروفرز ميل.

أصبحت تلك البلدة الصغيرة في نيوجيرسي موقع الهبوط المريخي في البث الإذاعي.

مصدر الصورة

ليلة البث، اجتمع الممثلون في استوديو إذاعي في نيويورك، وبدأ أورسون ويلز في سرد القصة. وبعد أربع دقائق من انطلاق الحلقة، انضم مستمعون جدد كانوا يتابعون برنامجاً آخر انتهى للتو، ما جعلهم يفوتون المقدمة ويسمعون مباشرة موسيقى تعزفها فرقة أوركسترا.

لكن تلك الموسيقى كانت تقطع مراراً بوشرات إخبارية تتحدث عن "وضع يتطور". وعندما سئل أورسون ويلز عمّا أخاف المستمعين تحديداً، قال إنه لا يعرف. وأضاف: "ربما كانت هناك عوامل كثيرة".

وربما كان صوت الرئيس الأمريكي آنذاك، فرانكلين د. روزفلت، أحد أبرز هذه العوامل. فقد روى ويلز أن فرقة العمل ضمّت ممثلاً "أجاد تقليد صوت روزفلت بشكل رهيب".

وفي إحدى اللحظات، ظهر الممثل مخاطباً الأمة بعبارة: "يا مواطني الأمة، لن أحاول إخفاء خطورة الوضع الذي تواجهه البلاد".

مصدر الصورة

يعتقد ويلز أن هذه كانت اللحظة التي انفجر فيها الذعر. قال: "أظن أن هذا هو الوقت الذي هربوا فيه إلى الشوارع".

استخدم فريق الإنتاج حِيلاً مدروسة لجعل الدراما واقعية قدر الإمكان. كان هناك هاوٍ يحاول الحديث مع أشخاص آخرين عن "شيء مريع يحدث"، ثم ظهر صحافي إذاعي يصف وصول المريخيين بتفاصيل مكثفة: "الغابات تتحول إلى ألسنة لهب… تنتشر في كل مكان… إنها تقترب الآن".

بعد ذلك جاءت اللحظة الأكثر إرباكاً: الصمت.

قال ويلز: "كانت الخدعة الحقيقية هي الحفاظ على صمت تام في الشبكة بأكملها، بلا أي صوت. ثم تسمع صوت الميكروفون يقع… ثم يعود الصمت".

وفي النهاية، جاء صوت منفرد يسأل: "هل هناك أحد على الهواء؟".

استعاد ويلز الموقف ضاحكاً: "حينها وضع الناس المناشف على رؤوسهم وهربوا. لا أعرف لماذا فعلوا ذلك، لكنهم فعلوه".

فوضى وجرحى "بسبب المريخيين"

كانت ليلة أحد، ورجال شرطة المرور على دراجاتهم النارية في حيرة، إذ تجاوزت السيارات المسرعة عتبة 200 كيلومتر في الساعة. روى ويلز لبي بي سي أن الشرطيين كانوا يأمرون السائقين بالتوقف، فيجيبون: "لا… سنذهب إلى التلال".

لكن سكان غروفرز ميل لم يجدوا في الأمر ما يضحك.

قال أحدهم في مقابلة مع بي بي سي عام 1988: "واصلوا سرد قصة هبوط المريخيين، وكانت الأمور تزداد سوءاً. فقررنا المغادرة. ركبنا السيارة، وأتذكر أنني حملت مصباح الكيروسين لانقطاع الكهرباء وخفّضت إضاءته. وأكثر ما علق في ذهني أنني نظرت إلى المكان وقلت لنفسي: لست متأكداً إن كنت سأعود. وتساءلت إن كانت جمعية للآثار ستأتي يوماً ما وتنظر إلى هذا المكان وتقول: هؤلاء الناس رحلوا بسبب المريخيين".

وقال آخر إنهم خرجوا بأسلحتهم "مستعدين لإطلاق النار على أي شيء". وأضاف: "وصلنا إلى بحيرة غروفرز ميل، ولم نجد سوى حشود من الناس. لا مخلوقات فضائية بطول مئة قدم، ولا أي شيء. تساءلنا: إلى أين ذهبوا؟ لا أعرف كم بقينا، لكننا عدنا في النهاية، وكان الجميع غاضباً".

أحدث البث الإذاعي سيئ السمعة فوضى واسعة وعدداً من الإصابات الطفيفة من دون وفيات، وفقاً لأحد المنتجين. وأدى ذلك إلى تحرك المشرعين الفيدراليين لمنع التقارير الكاذبة عن الجرائم أو الكوارث على الهواء.

أما فريق العمل فصنع تاريخاً. أصبح أورسون ويلز أحد أبرز مخرجي السينما بفضل "المواطن كين"، بينما شارك هوارد كوتش لاحقاً في كتابة سيناريو الفيلم الكلاسيكي "كازابلانكا".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار