منذ القدم، راود البشر حلم الطيران، فسعى كثيرون إلى ابتكار وسيلة تتيح لهم التحليق مع الطيور. وعلى مدار التاريخ، برز علماء ومخترعون مثل عباس بن فرناس وليوناردو دافينتشي بمحاولاتهم الرائدة. لكن القفزة الحقيقية تحققت بين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حين شهد مجال الطيران تقدمًا هائلًا وتجارب ناجحة باستخدام طائرات محلية الصنع.
وفي عام 1914، كان العالم على موعد مع حدث فريد، حيث شهد انطلاق أول رحلة جوية تجارية لنقل الركاب بين مدينتين.
فقد صمّم المهندس والمخترع الأميركي توماس بينواست عام 1913، طائرته المعروفة باسم "بينواست 14" (Benoist XIV). لتحلق لأول مرة بنجاح في العام نفسه. وكانت طائرة مائية تقليدية، مزوّدة بمروحة ثنائية الشفرات وعوامات في أطرافها، فيما جلس الطيار والراكب معًا في قمرة قيادة مفتوحة.
وعُرف النموذج الأول باسم "لارك أوف دولوث" (Lark of Duluth) وحلّق انطلاقًا من ميناء دولوث بولاية مينيسوتا الأميركية، مثيرًا دهشة الحاضرين. غير أن الطائرة تحطمت لاحقًا بعد أن شغّلها أحد أصدقاء بينواست بطريقة خاطئة.
ثم في العام نفسه، أقنع رجل الأعمال الأميركي بيرسيفال فانسلير المصمم بينواست بإطلاق خط جوي تجاري يربط بين مدينتي تامبا وسانت بطرسبرغ في ولاية فلوريدا، فكانت النواة الأولى لـ"خط سانت بطرسبرغ – تامبا للقوارب المائية"
وفي العاشرة من صباح يوم 1 يناير 1914، قاد الطيار توني جانوس الطائرة "بينواست 14" في أول رحلة تجارية بالتاريخ، ناقلًا عمدة مدينة سانت بطرسبرغ عبر خليج تامبا لمسافة 34 كيلومترًا.
فيما استغرقت الرحلة 23 دقيقة، حلّقت خلالها الطائرة بسرعة بلغت 100 كيلومتر في الساعة، مدعومة بمحرك قوته 75 حصانًا. وقد دفع العمدة 400 دولار ثمن أول تذكرة، قبل أن يُحدد سعر الرحلة لاحقًا بـ5 دولارات فقط.
وخلال بضعة أشهر من تشغيلها، تمكنت "بينواست 14" من نقل أكثر من 1200 مسافر، لتسجل بذلك صفحة مشرقة في تاريخ الطيران التجاري رغم عمرها القصير.