ظهر مصطلح "الأفواه المكسّرة" (Gueules cassées) في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى للإشارة إلى الجنود الذين تعرّضوا لإصابات في وجوههم أفقدتهم أجزاء منها.
فمع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، عاش العالم على وقع نزاع غير مسبوق في تاريخ البشرية بسبب تطوّر الأسلحة وتوسّع رقعة العمليات القتالية وامتدادها إلى المستعمرات. وعلى مدى أكثر من أربع سنوات، قُتل وفق التقديرات أكثر من 12 مليون شخص، فيما أصيب نحو 20 مليون شخص آخرين.
وبعد أشهر قليلة من بداية النزاع، تمركزت المعارك في الخنادق. ورغم أن هذه الخنادق وفّرت بعض الحماية لأجساد الجنود من الرصاص والقذائف، فإن رؤوسهم ظلّت مكشوفة أثناء تبادل إطلاق النار. وفي عام 1915، شهدت الخوذات العسكرية تطوّراً كبيراً ساهم في حماية جزء من الرأس وقلّل من عدد الوفيات. لكن في المقابل، ارتفع عدد الجنود الذين أصيبوا بتشوّهات وجهية خطيرة.
ومع نهاية الحرب، قُدّر عدد "الأفواه المكسّرة" في أوروبا بنحو 300 ألف جندي، أصيبوا إصابات مباشرة في الوجه جعلتهم مشوّهين. وقد واجه هؤلاء صعوبة في التأقلم مع حياتهم بعد الحرب، إذ تعرّضوا في كثير من الأحيان لمضايقات من الناس، وحصلوا غالباً على تعويضات بسيطة مقابل خدمتهم العسكرية.
وشهدت تلك الفترة تقدّماً علمياً مهماً أعاد الأمل لهؤلاء الجنود، فقد سجّلت جراحة تجميل الوجه منذ سنوات الحرب تقدّماً غير مسبوق، خاصة في فرنسا بفضل جهود أطباء مثل بول تيسييه وهيبوليت موريستان. كما برز في باريس مستشفى "فال دي غراس" الذي تخصّص في إجراء عمليات التجميل للمصابين.
لكن، على الرغم من هذه التطورات، ظلّ الكثير من أصحاب "الأفواه المكسّرة" يعانون من صدمات نفسية حادّة عند رؤية وجوههم، حتى إن بعض المستشفيات لجأت إلى إخفاء المرايا منعاً لإحباطهم أو دفعهم للانتحار.
ووسط هذه المعاناة، برزت مبادرة إنسانية للنحاتة الأميركية آنا كولمان لاد. فبعد انتقالها مع زوجها إلى فرنسا عام 1917 ضمن بعثة للصليب الأحمر، حصلت على ترخيص للعمل في باريس لمساعدة أصحاب "الأفواه المكسّرة" بفنّها.
ثم ابتكرت آنا طريقة فريدة، حيث نحتت قوالب من الجص للأجزاء المفقودة من الوجوه، ثم صنعت أقنعة من النحاس تُثبّت على وجه المصاب لتغطية المناطق المشوّهة، قبل أن تقوم بطلائها بدقّة لتتناسب مع لون البشرة.
وبفضل هذه التقنية، ساعدت آنا كولمان لاد عدداً كبيراً من الجنود على استعادة حياتهم الاجتماعية، ونالت لاحقاً وسام جوقة الشرف الفرنسي تقديراً لجهودها.