لطالما شكّل السؤال عن وجود حياة على المريخ هاجساً للعلماء والباحثين حول العالم، إذ يُنظر إلى الكوكب الأحمر باعتباره أقرب المرشحين لاحتضان أشكال من الحياة خارج الأرض.
ومنذ عقود، تسعى وكالات الفضاء وعلى رأسها ناسا إلى جمع الأدلة والإشارات التي قد تثبت أن المريخ لم يكن يوماً كوكباً قاحلاً تماماً، بل عرف بيئات وظروفاً قد تكون صالحة للحياة في مراحل مختلفة من تاريخه.
وفي تطور جديد، كشفت مركبة وكالة ناسا الجوالة على المريخ عن أدلة تشير إلى أنّ الكوكب الأحمر شهد عدة فترات من تدفق المياه، مما خلق ظروفاً قد تكون دعمت الحياة، وفقا لتقرير نشرته " ديلي ميل" البريطانية.
وحدّد العلماء ما يقرب من عشرين نوعاً من المعادن التي تُظهر تاريخاً ديناميكياً للصخور البركانية التي تغيّرت نتيجة تفاعلاتها مع المياه السائلة في فوهة جيزيرو.
وقالوا إن هذا يشير إلى أن فوهة البركان استضافت بيئات صالحة للحياة في أكثر من مناسبة.
فيما غيّرت المياه التركيب الكيميائي للصخور إلى أملاح ومعادن طينية، كاشفة عن ثلاث مراحل مميزة من النشاط السائل:
• الأولى تضمنت مياهاً حمضية عالية الحرارة في مواقع محدودة، وكانت قاسية وأقل ملاءمة للحياة.
• الثانية تشكّلت في ظروف معتدلة وحيادية، مما وفّر بيئات أكثر ملاءمة على مساحة أوسع.
• الثالثة خلقت ظروفاً قلوية منخفضة الحرارة واسعة الانتشار، اعتُبرت شديدة الملاءمة للحياة.
بدورها أوضحت إلينور مورلاند، طالبة الدراسات العليا في جامعة رايس وقائدة الدراسة أن "المعادن التي نجدها في جيزيرو تدعم وجود عدة فترات زمنية متميزة من التغير بفعل السوائل".
وأضافت أن "هذا يشير إلى أنّه كانت هناك عدة مرات في تاريخ المريخ تفاعلت فيها هذه الصخور البركانية مع المياه السائلة، وبالتالي أكثر من وقت واحد كان فيه هذا الموقع يستضيف بيئات ربما تكون صالحة للحياة."
والمجموعة الأولى من المعادن، مثل غريناليت وهيسينغيريت وفيروألومينوسيلا دونيت، تشكّلت في مياه ساخنة حمضية محصورة في أرضية الفوهة.
أما المجموعة الثانية من المعادن تشكّلت في مياه معتدلة وقريبة من الحيادية، مما خلق ظروفا أكثر ملاءمة للحياة وغطّت مساحة أكبر من الفوهة.
فقد وُجد معدن مينيسوتايت، وهو معدن طيني، على أرضية الفوهة وكذلك في منطقة المروحة العليا، في حين ظهر معدن كلينوبتيلوليت، وهو معدن زيوليت، فقط في أرضية الفوهة.
أما المجموعة الثالثة فقد تشكّلت في ظروف قلوية منخفضة الحرارة، والتي تُعتبر شديدة الصلاحية للحياة من منظور أرضي.
فمعدن سيبيوليت، وهو معدن تغييري شائع على الأرض، تشكّل في ظروف معتدلة الحرارة وقلوية، وكان واسع الانتشار في جميع المناطق المستكشفة.
وتشير وفرة هذا المعدن إلى فترة واسعة من وجود المياه السائلة التي خلقت ظروفاً صالحة للحياة وملأت الرواسب عبر فوهة جيزيرو.
وتُعد فوهة جيزيرو، وهي منطقة بعرض 28 ميلاً على سطح المريخ، ميداناً لاستكشاف مركبة بيرسيفيرنس التابعة لناسا منذ هبوطها في فبراير 2021، في إطار البحث عن دلائل على وجود حياة قديمة.
وأكدت الأدلة التي جمعتها المركبة أن الفوهة كانت في السابق موطناً لبحيرة قديمة ودلتا نهرية، مع اكتشافات شملت تكوينات صخرية غير مألوفة وجزيئات عضوية.
وأشارت الأبحاث الأخيرة إلى أن الظروف المناسبة للحياة ربما حدثت عدة مرات عبر تاريخ المريخ.
كما أثبتت النتائج أن جيزيرو، التي كانت في السابق موقعاً لبحيرة قديمة، شهدت تاريخاً معقداً وديناميكياً من النشاط المائي.
وكل اكتشاف جديد للمعادن لا يقرّب العلماء فقط من فهم ما إذا كان المريخ قد دعم الحياة يوماً ما، بل يوجّه أيضاً مركبة بيرسيفيرنس في اختيار العينات التي ينبغي جمعها لاحتمال إعادتها إلى الأرض.