أثار رفع السلطات الجزائرية تحفظها عن الفقرة الرابعة من المادة 15 لاتفاقية "سيداو"، جدلا واسعا بين الجزائريين، بترحيب من الحركات النسوية والحقوقيين، ومعارضة من المحافظين.
جاء هذا مباشرة بعد صدور مرسوم رئاسي في العدد الأخير من الجريدة الرسمية قبل أيام، حول المادة 15 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" لعام 1979، التي تتيح منح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل في حرية التنقل واختيار محل السكن والإقامة.
فيما أوضح المحامي المعتمد لدى محكمة الجزائر فريد صابري، في تصريح للعربية.نت، نص المادة، قائلا إن "الجدل القانوني الذي وقع هو تعارض محتمل بين اتفاقية سيداو، وبين قانون الأسرة الجزائري، الذي تستمد نصوصه من الشريعة الإسلامية، بمعنى أن نص المادة 15 يقول إن الرجل والمرأة يمنحان نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتعلق بحركة الأشخاص، وحرية اختيار محل إقامتهما ومحل سكنهما".
ما يعني بالتالي، حسب صبري، أن "المرأة بمجرد بلوغ سن الرشد القانونية 18 سنة تملك حقوقا متساوية مع الرجل في حرية التنقل والسكن، ولا يشترط إذن الأب أو الولي، كذلك يمكن للمرأة المتزوجة اختيار مسكنها أو تغيير مكان إقامتها بدون موافقة الزوج".
وتابع قائلا إنه "بالمقارنة مع القانون الجزائري، فإن البنت غير المتزوجة حتى لو بلغت 18 سنة، يعطي قانون الأسرة الجزائري للأب (أو الولي) سلطة على مكان سكنها في إطار "الولاية" حتى الزواج، ونفس الأمر بالنسبة للزوجة، إذ إن قانون الأسرة (بنص المادة 39 وما بعدها) يلزم الزوجة" بطاعة زوجها في حدود الشرع والقانون، ومن بينها الإقامة إلزاما في بيت الزوج".
وللتوضيح أكثر، قال المتحدث: "لو خرجت المتزوجة إلى مسكن آخر بدون سبب مشروع (مثلا ضرر، سوء معاملة، غياب النفقة)، تُعتبر في حالة نشوز وتسقط عنها النفقة، لكن بما أن دستور 2020 نص على أن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها تسمو على القوانين الوطنية عند التعارض، فإن البنت عند بلوغ 18 سنة سيكون بإمكانها قانونا أن تستقل في السكن دون اعتبار لسلطة الولي، وكذا الزوجة سيكون لها الحق أن تغيّر مكان سكنها أو ترفض بيت الزوجية إذا أرادت، دون أن تُعتبر ناشزا".
من جهتها، أوضحت الناشطة النسوية والحقوقية ضحى عمراني، أن "رفع التحفظ هو نقطة تحول محورية في مسيرة تعزيز حقوق المرأة بالجزائر". كما رأت "أن هذا الإجراء يجعل الجزائر من بين الدول الملتزمة بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان".
وأضافت المتحدثة قائلة للعربية.نت "أرى أن هذا القرار جاء ليحفظ حق المرأة الكامل في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها الأسرية، ويعيد النظر في كل الأدوار التقليدية التي فرضتها القيود المجتمعية والعادات الخ..".
رغم ذلك، أردفت أن "رفع التحفظ يبقى بداية التحدي، ولا يكفي وحده لتحقيق مبدأ المساواة بل يجب تحويله إلى واقع ملموس والقيام بإصلاحات جذرية لقانون الأسرة حتى يتماشى مع هذا الالتزام الجديد الذي يعتبر حجر الأساس في تعزيز المساواة بين الجنسين، والقضاء على التمييز القائم على النوع الاجتماعي".
هذا وشارك في الجدل أحزاب سياسية، وحقوقيون ومتابعون للشأن السياسي والاجتماعي، ما دفع الجزائر، وعبر بيان لوكالة الأنباء صدر مساء أمس الأحد للتوضيح، حيث ذكرت أن "الأمر يتعلق بمجرد إجراء تقني أملاه زوال السبب الذي أدى إلى تحفظ البلاد على نص المادة 15 الفقرة 4 بمناسبة مصادقتها على الاتفاقية سنة 1996، حيث كانت الجزائر قد تحفظت آنذاك على خمسة أحكام لتعارضها مع القوانين الوطنية، لاسيما قانون الأسرة وقانون الجنسية". وأضاف البيان "إن إلغاء أحكام المادة 37 من قانون الأسرة سنة 2005، جعل التحفظ يفقد علة وجوده ولم يعد يستند إلى أي أساس قانوني في التشريع الوطني".