أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة حرب حقيقية، تدور فيها معارك طاحنة، عبر التعليقات المسيئة والجارحة، وصور ومقاطع فيديو ساخرة من ضحايا يسقطون بالآلاف، دون مراعاة للاختلاف ولا للتنوع.
فقد بدأت ظاهرة "التنمر الرقمي" تتوسع يوما بعد آخر في المغرب، ما دفع المختصين للمطالبة بتجريمها. إليكم التفاصيل:
"نعم تعرضت للتنمر".. بهذه الجملة، بدأت مريم عيش، فنانة وصانعة محتوى، حديثها مع العربية.نت، محاولة إخفاء مرارة تجربتها مع التنمر الإلكتروني، وراء ابتسامة. وقالت: "منذ وصلت للمغرب، وأنا أتعرض للتنمر بسبب لوني، وشكلي، وشعري، في المدرسة وفي الشارع، وكطفلة، كنت أبكي بحرقة، لكن عندما كبرت، فهمت أني مختلفة، في بادئ الأمر كان الأمر أشبه بغصة في قلبي، ولكن بعد ذلك، وبما أني صانعة محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، واجهت موجات من التنمر الرقمي، غير أنها لم تعد تؤثر في نفسيتي، لأنني اكتسبت نوعا من الحصانة بسبب مواجهتي للتنمر وجها لوجه، كما أني، ومنذ قررت الدخول إلى عالم صناعة المحتوى، أعددت نفسي جيدا لهذا العالم، لأني كنت واعية أن أي منشور لي سيظهر لأشخاص مختلفين، تختلف درجات وعيهم".
كما أضافت أن التعليق المسيء لم يعد يؤثر فيها، لكنها لا يمكن أن تنساه.
بدوره، أقر محسن القطبي، صانع محتوى، أنه تعرض للتنمر الرقمي بسبب وزنه الزائد، والقضايا التي يدافع عنها في إطار التقبل الإيجابي للجسم. وأضاف في حديثه مع العربية نت، أنه منذ ولوجه عالم صناعة المحتوى قبل أربع سنوات، تفاجأ بالكم الهائل من التعليقات العنيفة والمسيئة والمتنمرة التي تعرض لها، والتي تحمل حقدا وكراهية صادمة، ما دفعه للإصرار على تقديم محتوى إيجابي لمواجهة الكم الهائل من السلبية المجانية في التعليقات في وقت يعتبره المتنمرون مجرد تسلية وملئا للفراغ.
من جانبها، أكدت حفصة رميش، متخصصة ومستشارة في الجندرية والفن، في اتصال مع العربية نت "إننا نعيش في فترة تعرف ارتفاعا لوتيرة استهلاك المحتوى الذي ينشر على منصات مواقع التواصل بشكل كبير، حيث أصبحت هذه المنصات تشغل حيزا مهما في حياتنا اليومية الداخلية، لاسيما لدى فئة اليافعين والشباب، والفئات الحساسة الذين يعتبرون هدفا سهلا للتأثير".
كما اعتبرت حفصة، أن الشاشات أصبحت اليوم بمثابة مرايا، أو خشبات العروض، وأحيانا كذلك تتحول إلى ساحات تدور فيها معارك رقمية، حيث ينتقل التحرش والتنمر الرقمي من أبواب المدارس، ويجتاز الحدود الواقعية نحو العالم الرقمي.
كذلك أردفت أن التنمر الرقمي يخلف تأثيرا عميقا على الصحة النفسية، فهو يعرض الضحية لإهانة دائمة، ويجعل منها شخصية منبوذة ومحط سخرية واستهزاء من لدن مجموعة من الأشخاص، ومن قبل الضحية نفسها أحيانا. ورأت أن "هذه السلوكات تخلف عددا من الأعراض، مثل القلق، والاضطراب العاطفي الدائم، ومشاكل مرتبطة بالنوم، إلى جانب ميل ضحية التنمر للانعزال عن العالم الخارجي بسبب شعورها العميق بالعار".
كما أوضحت أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن إحساسا بأنهم يستحقون ما يتعرضون له من عنف وتنمر، يتولد لدى الضحايا، وهو ما يفاقم إحساسهم بتدني تقدير ذواتهم، وفقدانهم للثقة في أنفسهم. فيما قد تأخذ الصدمة لدى بعض الضحايا منحى نحو الصمت المدمر والذي يخلف ندوبا نفسية دائمة.
بدورها، دخلت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة على خط انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، معبرة عن أسفها للارتفاع المستمر والمتنامي لهذا الوضع. ووصفت رئيسة الجمعية، بشرى عبدو، الظاهرة كواحدة من أشكال الجرائم الرقمية المتعددة، الممارسة بالفضاءات والوسائط الرقمية، والتي تحولت في الأشهر الأخيرة إلى أحد أبرز الممارسات غير المستنكرة والمطبع معها من قبل أغلب رواد فضاءات التواصل الرقمية.
وقالت عبدو في اتصال مع العربية نت إن "ارتباط ارتكاب هذه الأفعال الخطيرة، وغير المجرمة إلى حدود اليوم، بتعرض ضحاياه، لاسيما النساء والفتيات لأمراض نفسية وعضوية كنتيجة مباشرة لهذا التنمر الرقمي الذي يستهدفهن أو يستهدف أحد أفراد أسرهن، وهو الأمر الذي دفع بعدد من الحالات إلى محاولة وضع حد لحياتهن من خلال الانتحار وعرض حالات أخرى لاكتئاب حاد، كأقصى ما يمكن أن يجيب به المرء على الظلم الذي تعرض له".
كما شددت على أن الوقت قد حان لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الظاهرة لأنها تمس بالسلامة النفسية والعقلية والصحية للضحايا، معتبرة أن التنمر لا يتوقف عند كونه كلاما عابرا، ولكنه سب وشتم وإهانة، وقد يصل إلى تعميم صور أو مقاطع فيديو للضحايا، ومس بأجسادهم. وأكدت أنه "لا بد للقانون أن يأخذ مجراه ويعتبره جرما مع معاقبة المعتدين".
وسجلت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة التي أطلقت حملة لتجريم التنمر، في بيان لها قبل أيام للدعوة إلى تجريم هذه السلوكات، أن ما يفاقم معاناة الضحايا هو غياب التأطير القانوني لأفعال التنمر الرقمي، مضيفة أن سلوكيات من قبيل نشر صور أو فيديوهات للمواطنات والمواطنين مرفقة بتعليقات مسيئة، لا يرقى إلى جريمة السب أو القذف، ويظل خارج نطاق تطبيق القانون الجنائي، ما يمنح للفاعلين شرعية الاستمرار في ممارسة هذه السلوكيات والإفلات من العقاب.
كذلك دعت إلى تبني مقترح قانون خاص بالعنف الرقمي ضد النساء والفتيات بالفضاء الرقمي، ملتمسة من السلطة التنفيذية الإسراع بتحيين النصوص القانونية ذات الصلة من خلال تجريم التنمر الرقمي، إلى جانب مختلف الجرائم الممارسة بالوسائط الرقمية، إلى جانب تبني سياسات عمومية رامية إلى توعية المواطنات والمواطنين بمخاطر هذه الظاهرة المرفوضة.