مع اقتراب انطلاق البطولة الأوسع تاريخياً لكأس العالم للأندية لكرة القدم، يتشوق المتابعون لمسابقة "ستجلب سحر مونديال المنتخبات" لكنها أثارت موجة انتقادات من دوريات محلية ولاعبين بارزين.
فبعد انتهاء الموسم الكروي في أغلب دول العالم، لن تحصل الفرق، خصوصاً الأوروبية، على قدر كاف من الراحة، بل سيشارك عدد منها في المسابقة وهو ما "يعرض صحة لاعبيها للخطر".
ويخشى كثيرون من عواقب ازدحام المباريات وتأثيرها السلبي على لاعبين يخوضون عشرات المباريات خلال الموسم بين بطولات محلية وأخرى قارية، بالإضافة إلى المباريات الدولية مع منتخبات بلادهم.
لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، منظم المسابقة، دافع عن قرار إقامة المنافسات، وقال إنها "تبشر بعصر جديد لكرة القدم العالمية".
وستضم النسخة الأولى للبطولة، التي ستقام مرة كل أربع سنوات، 32 فريقاً من مختلف القارات، وستحتضن منافساتها الولايات المتحدة في الفترة من 15 يونيو/حزيران إلى 13 يوليو/تموز المقبلين.
وتقدمت هيئات كبرى تمثّل لاعبي كرة القدم والأندية في أوروبا بشكوى إلى المفوضية الأوروبية تتهم فيها الفيفا بإساءة استخدام موقعه، على خلفية تغييرات طرأت على جدول المباريات الدولية وتوسيع البطولات.
وحجة هذه الهيئات أن العديد من اللاعبين البارزين سيضطرون إلى المشاركة في وقت كان من الممكن أن يحصلوا فيه على فترة راحة طويلة، قبل الموسم الجديد الذي يسبق أيضاً كأس العالم الموسعة المكونة من 48 منتخباً عوضاً عن 32 والمقررة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك صيف 2026.
واتهم تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين (فيفبرو)، الفيفا بتعريض صحة اللاعبين للخطر بسبب الروزنامة المزدحمة.
وكان خافيير تيباس، رئيس رابطة الدوري الإسباني، أبرز منتقدي كأس العالم للأندية، قد ناشد رئيس الفيفا جاني إنفانتينو، بضرورة إلغاء البطولة.
وأعرب المدير التنفيذي للدوري الإنجليزي لكرة القدم، ريتشارد ماسترز، عن قلقه من أن تشكّل كأس العالم للأندية "صعوبة بالغة" بالنسبة لمانشستر سيتي وتشيلسي، اللذين يشاركان في البطولة قبل انطلاق الموسم الكروي المقبل.
وقال ماسترز لشبكة سكاي سبورتس: "الدوريات وروابط اللاعبين غير راضية عن القرارات التي يتم اتخاذها على المستوى العالمي".
وتابع "لقد رأينا إدراج كأس العالم للأندية، ومن الواضح أن هذا سيكون له تأثير على الدوري الإنجليزي الممتاز".
وأضاف: "إذا وصل مانشستر سيتي أو تشيلسي إلى نهائي المسابقة، يبدأ الدوري الإنجليزي بعد أربعة أسابيع، ومن المفترض أن يحصل اللاعبون على إجازة لثلاثة أسابيع كجزء من الالتزام التعاقدي، فكيف سيحدث ذلك؟"
ويبلغ عدد المباريات التي تلعبها الأندية الإنجليزية، التي تتنافس على أكثر من بطولة، في الموسم الواحد نحو 50 مباراة، وقد يرتفع هذا العدد إلى 65 مباراة.
وتحدث الطبيب نضال الخطيب، استشاري جراحة العظام والطب الرياضي، عن "تأثير سلبي" على صحة اللاعبين البدنية والنفسية بسبب ضغط المباريات المتزايد، مشيراً إلى أن ذلك يؤدي إلى "زيادة خطر الإصابات" خصوصاً العضلية والوترية.
قال الخطيب لبي بي سي، إن ضغط المباريات له "تأثيرات فسيولوجية سلبية، حيث يؤدي الضغط والإرهاق إلى ارتفاع مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، مما قد يؤثر على النوم وعلى عملية الاستشفاء".
وأضاف: "كثرة الإصابات والإرهاق المتراكم يمكن أن يجبرا اللاعبين على الاعتزال مبكراً".
كما يمكن أن "يؤدي الضغط المستمر إلى الإرهاق العقلي والقلق والاكتئاب وفقدان الشغف باللعبة"، حسب الخطيب.
لكن الفيفا أصرّ على أن جدول أعماله حظي بموافقة مجلس الفيفا، بعد التشاور مع جميع القارات بما في ذلك أوروبا وكذلك الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين وروابط الدوري.
كما انتقد الفيفا بطولات الدوري في أوروبا التي عارضت البطولة، واتهمها بـ "التصرف بمصالح تجارية ذاتية ونفاق". وأضاف: "يبدو أن هذه الدوريات تفضّل روزنامة مليئة بالمباريات الودية والجولات الصيفية التي غالباً ما تنطوي على سفر مكثّف حول العالم".
ورأى المحلل المتخصص في كرة القدم، طلحة أحمد، أن الجماهير "متشوقة" للبطولة، وقال إنها "قد تغطي" على منافسات أخرى ذائعة الصيت.
وقال أحمد لبي بي سي، إن "البطولة ستتيح لأندية من قارات مختلفة التنافس على مستوى عالمي وهو شيء غير موجود بشكل دائم، خصوصاً في آسيا وإفريقيا وأوقيانوسيا".
وأشار إلى أن المداخيل المالية والتسويق للأندية المشاركة "سيكون ممتازاً".
وبالفعل، خصص الفيفا حوافز مالية تصل إلى مليار دولار أمريكي للفرق الـ 32 المشاركة، علماً بأن الفائر بالمسابقة سينال جائزة ضخمة تصل إلى 125 مليون دولار.
وقال أحمد إن البطولة تشكل "فرصة لانتشار الأندية من خارج قارة أوروبا، إضافة إلى فرصة لتسويق اللاعبين الذين سيكونون محط أنظار أندية كبرى".
وأعرب أكثر من لاعب بارز عن إحباطهم من جدول المباريات المزدحم الذي لا يترك لهم فرصة للخلود إلى الراحة في نهاية الموسم.
نجم مانشستر سيتي الإنجليزي ومنتخب إسبانيا، رودري، الفائز بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، كان قد حذر من أن اللاعبين "على وشك" الإضراب، مشيراً إلى المتطلبات التي فرضتها مسابقة دوري أبطال أوروبا الموسعة هذا الموسم، تليها كأس العالم للأندية، قائلاً: "إذا استمر الأمر على هذا النحو فلن يكون لدينا خيار آخر (غير الإضراب). إنه أمر يقلقنا".
رودري، الذي تعرض لتمزق في الرباط الصليبي الأمامي لركبته في سبتمبر/ أيلول الماضي أبعدته عن غالبية الموسم الكروي الحالي، حذر في وقت سابق من أن اللاعبين البارزين قد يضربون بسبب عدد المباريات التي يُطلب منهم خوضها.
وحذر الطبيب نضال الخطيب من "تبعات كبيرة" على اللاعبين جراء زيادة عدد المباريات، تتمثل في "انخفاض الأداء البدني" وهو ما يؤثر على مستوى اللاعبين داخل الملعب، إضافة إلى "تأثير على الجودة الفنية والتكتيكية، فالإرهاق الذهني والجسدي يؤثر على التركيز واتخاذ القرارات".
وقد يصاب لاعبو كرة القدم بأنواع مختلفة من الإصابات نتيجة الضغط والإرهاق، مثل الإصابات العضلية كتمزقات العضلات خصوصاً في أوتار الركبة والفخذ، والإجهاد العضلي، وفق الخطيب، إلى جانب إصابات الأوتار مثل التهاب الأوتار والتمزقات الجزئية أو الكاملة، وإصابات المفاصل مثل التواءات الكاحل والركبة، وإصابات الغضاريف، و"كسور الإجهاد" الناتجة عن التحميل المتكرر على العظام.
وقال الحارس البرازيلي لليفربول، أليسون بيكر، إن سلطات اللعبة لم تمنح اللاعبين صوتاً للتعبير عن مخاوفهم.
وقال النجم البلجيكي المخضرم، كيفن دي بروين، إن القائمين على الجدول المزدحم لمباريات كرة القدم الدولية يهتمون بالمال أكثر من اللاعبين.
وعمّا إذا كان يشعر بالقلق من زيادة عدد المباريات، قال دي بروين: "المشكلة الحقيقية ستظهر بعد كأس العالم للأندية. سيكون هناك ثلاثة أسابيع فقط بين نهائي مونديال الأندية وأول مباراة في الدوري الإنجليزي. لذا لدينا ثلاثة أسابيع فقط للراحة والتحضير لثمانين مباراة أخرى".
لكن رئيس الفيفا، إنفانتينو، أصر على أن إطلاق بطولة الأندية الموسعة يبشر بعصر جديد لكرة القدم العالمية، وقال "ستجلب كأس العالم للأندية سحر كأس العالم للمنتخبات إلى عالم كرة القدم للأندية، وستكون هذه البطولة بداية لشيء تاريخي، شيء سيغير رياضتنا نحو الأفضل، وهي من أجل الأجيال القادمة التي ستحبها بقدر ما نحبها".
أما المدير الفني الإسباني، تشابي ألونسو، فأشار إلى "تفهّم رودري واللاعبين الآخرين"، وتابع "يجب أن يكون للاعبين المحترفين دور في هذه القرارات، لأننا نريد أن نشاهد كرة قدم جيدة. الجدول الزمني مزدحم للغاية. يجب الاستماع إليهم".
ووصف الإسباني لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان الفرنسي، بطولة كأس العالم للأندية الموسّعة، بأنها "منافسة شيّقة"، مقراً بالحاجة إلى الحد من عبء المباريات على اللاعبين.
وانضم البلجيكي فنسان كومباني، مدرب بايرن ميونخ، إلى الأصوات المتزايدة التي تطالب باتخاذ إجراءات بشأن عبء المباريات الزائد على اللاعبين. وقال كومباني إنه يجب وضع حد أقصى لعدد المباريات التي يمكن للاعب المشاركة فيها كل عام.
وأضيف إلى النظام الجديد للمسابقات الأوروبية المخصصة للأندية، أبرزها دوري أبطال أوروبا، عدد مباريات إضافي، وتضم النسخة الجديدة من أعرق المسابقات الأوروبية 36 نادياً، إذ لعب كل فريق ثماني مباريات، بعد تجميع الفرق في دوري واحد كبير بدلاً من تقسيمها إلى مجموعات.
وكشف الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين (فيفبرو)، أن بعض اللاعبين يحصلون على 12 في المئة فقط من الراحة خلال السنة، نتيجة عدم منح منظمي المسابقات أولوية لصحة اللاعبين.
وقال الطبيب نضال الخطيب إن مدة الراحة المطلوبة للاعب تعتمد على عدد المباريات وشدتها والجهد البدني المبذول بها، إضافة إلى الحالة البدنية والنفسية والفردية للاعب.
لكنه أوضح لبي بي سي، أنه "يوصى بفترة راحة تتراوح بين 4 إلى 6 أسابيع بعد نهاية الموسم"، وقال إن فترة الراحة تعتبر "جزءاً أساسياً من عملية الاستشفاء والتكيف بعد فترات التدريب والمنافسة المكثفة".
وأضاف الخطيب: "تسمح فترة الراحة للجسم باستعادة مخزون الطاقة وإصلاح الأنسجة التالفة وتقليل خطر الإصابات في الموسم التالي".
لكن تقريراً صادراً عن المركز الدولي للدراسات الرياضية ذكر أنه لا يوجد دليل واضح على ارتفاع حجم العمل لدى لاعبي النخبة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بحسب وكالة فرانس برس.
وقال المحلل المختص في كرة القدم، طلحة أحمد، إن ضغط جدول المباريات المزدحم "أهم عامل سلبي"، في بطولة كأس العالم للأندية، مشيراً إلى أن توقيتها "سيء" بالنسبة للأندية بعد نهاية الموسم و"سيزيد من إرهاق اللاعبين المرهقين أصلاً من البطولات التي خاضوها مسبقاً".
ولفت أحمد في حديثه لبي بي سي، أن البطولة "أضرّت بالبطولات المحلية، حيث شاهدنا ضغط المباريات إضافة إلى ضغط المباريات في دوري أبطال أوروبا والدوري الاسباني والإنجليزي. أصبحت الأندية لا تستطيع التنفس مع زيادة عدد الإصابات بين اللاعبين داخل الفريق الواحد، كريال مدريد على سبيل المثال".
وتعرض غالبية لاعبي فريق ريال مدريد الإسباني، أكثر الفرق تتويجاً بكأس العالم للأندية، لإصابات متفاوتة خلال الموسم الحالي.
وقال أحمد إنه "ضغط كبير جداً على الأندية التي تنافس على أكثر من مسابقة (خلال الموسم)، وهو ما سيؤثر على أداء اللاعبين في بطولة كأس العالم للأندية". وتساءل: "هل سنشاهد اللاعبين بنفس النسق في مباريات (كأس العالم للأندية)؟"
ويُتَهم الفيفا "بالاستمرار في اتخاذ قرارات أحادية تفيد مسابقاته ومصالحه التجارية، بينما تؤثر سلباً على الدوريات الوطنية واللاعبين".
ويردّ فيفا على ذلك بأنه سيضمن رفاهية وسلامة اللاعبين من خلال روزنامته "المتناغمة".
وبموازاة ذلك، يفتح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) فترة انتقالات استثنائية من الأول إلى العاشر من يونيو/حزيران للسماح للفرق المشاركة في كأس العالم للأندية بالتعاقد مع لاعبين جدد.
وسيحظى الدوري الإنجليزي لكرة القدم بفترتين للانتقالات هذا الصيف بهدف السماح لمانشستر سيتي وتشيلسي بتسجيل لاعبين جدد بهدف المشاركة في كأس العالم للأندية.
تهدف هذه الفترة الثالثة من الانتقالات، بالإضافة إلى فترتي الانتقالات الشتوية والصيفية، إلى تمكين الأندية المشاركة في المونديال من تعزيز صفوفها قبل بدء البطولة.
كما تهدف إلى تنسيق الجداول الزمنية لجميع الاتحادات التي تشارك أنديتها في المونديال "من منطلق العدالة"، بحسب الفيفا.
وأوضح مجلس اتحاد اللعبة بعض النقاط المتعلقة باللاعبين الذين تنتهي عقودهم مع أنديتهم المشاركة في المونديال. وسيمنح الفيفا الفرصة للاعب الذي ينتهي عقده مع ناديه في 30 يونيو/حزيران، لإكمال البطولة مع ناديه أو مغادرته مبكراً للمشاركة في المنافسة مع ناديه الجديد.
وحاول الفيفا معالجة أي تعارض محتمل بين مواعيد مباريات كأس العالم للأندية والمباريات الدولية، إذ أن بطولة الكأس الذهبية، التي تجمع منتخبات أمريكا الشمالية، ستقام بالتزامن مع كأس العالم للأندية.
وفي حال كان هناك لاعب ناديه يشارك في كأس العالم للأندية ومنتخب بلاده يشارك في الكأس الذهبية، سيكون له حرية اختيار البطولة التي يرغب في المشاركة فيها دون أن يكون ملزماً بالاستجابة لاستدعاء منتخب بلاده.