قضايا الهجرة والبحث عن الهوية عبر قوارب الموت التي تبحر في أعماق المتوسط وتلاقي مصير الموت، مازالت تشغل ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وتعددت الأساليب التي تعالجها السينما وموضوعها الهجرة من شواطئ شمال إفريقيا وما هي المعالجة الدرامية وشكل الصورة الحزينة التي تريدها السينما الأوروبية من أجل دعم مشاريع أفلام الهجرة.
فهناك العديد من الأسباب المختلفة التي تدعو للهجرة، على سبيل المثال، اضطرار اللاجئين إلى مغادرة وطنهم بسبب الحرب أوالاضطهاد، بالإضافة إلى أنهم غالبًا ما يكونون قد شهدوا بالفعل العديد من الأمور الصعبة وعاشوا مواقف مؤلمة في بلادهم، وهذا ما سنتعرف عليه من خلال الفيلم التونسي "نوار عشيّة " للمخرجة خديجة لمكشر، التي تأخذنا في قوارب الموت إلى شاطئ السعادة المفقودة والموت المحتوم لشباب يبحث عن ذاته ورغم أن الرحلة إلى أوروبا قد تكون طويلة وشاقة وربما تنتهي بالموت في عرض البحر ، وسينما الهجرة واللجوء إلى أوروبا تحولت ظاهرة بالغة الأهمية طوال العقد الماضي، خصوصاً بُعيد ما سمي الربيع العربي، لذلك لم يكن ممكناً صرف النظر عن واحدة من أكبر المآسي التي عصفت بمطلع القرن الحالي الهجرة إلى مناطق أكثر أمناً بحثاً عن وطن جديد.
و"نوار عشية" نوع من الزهور التي تنبت في العشية "المساء" وتموت في" الفجر" في الأحياء العشوائية، في إسقاط على أرواح الشباب التي تزهق في بيئة فاسدة والموت في سبيل تحقيق حلم الهجرة.
فيلم "نوار عشية" روائي تدور أحداثه حول شخصية "دجو " وهو مدير صالة ملاكمة في حي "هلال" الفقير قرب تونس العاصمة يبحث عن بطل يتدرب في صالته القديمة، ويعثر على الشاب "يحيى" الذي يُظهر مهارات فطرية في الملاكمة، لكن "يحيى" يبحث عن حلم آخر ومشغول مع أبناء جيله بالبحث عن طريقة عبور البحر من دون علم عائلته الرافضة لهذه المغامرة، وهي الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والفيلم الذي يسلط الضوء على حياة طبقة مهمة من الشعب التونسي وهي الشباب الباحث عن العمل والمستقبل في بلاد مدخولاتها لا تكفي استيعاب أعداد الشباب الذي أنهى دراسته ولم يجد عملا فكيف بالشباب الذي ترك دراسته وأصبح بالشارع من دون أي أمل لهؤلاء الشريحة الأهم في المجتمع التونسي.
مشاهد البحث في القمامة عن بقايا المؤكولات ومنظر البيوت المهترئة وكأنها تعطي الضوء الأخضر للشباب بالبحث عن وطن بديل يؤمن لهم مستقبلهم ومع نجاح المدرب دجو من الوصول عبر تدريبات شاقة للملاكم "يحيى" بالحصول على بطولات محلية تنتهي ببطولة تونس للملاكمة حيث يحصد بطل الفيلم الجائزة الأولى ويصبح بطل تونس القومي للملاكمة، وهنا نتوقف كيف يصل بطل قومي إلى هذه المرحلة ويغامر بالهجرة ثم يموت في عرض البحر وكان أولى به أن يطلب من الحكومة الفرنسية أو أي دولة أوروبية لتسهيل سفره وتوفير كل احتياجته لحصد المزيد من البطولات، ثم إن مواضيع الهجرة المأساوية لها شروطها في الغرب فهو يسعى لإيجاد الدراما الحزينة لرحلة هؤلاء الشباب لأنه لايرحب بالهجرة غير النظامية ويفضل الغرب باختيار المهن والخبرة لكل من يصل إلى حدودها كما حصل مع هجرة الشباب الأوكراني الذي وجد كل الترحاب من توفير السكن والعمل فور وصولهم إلى أوروبا.
من أجمل مايميز الفيلم تلك اللقطات داخل الماء بما فيها موت "يحيى" من عدة زوايا إضافة إلى اللقطات الجوية، للمدينة تونس وإظهار البيوت الفقيرة عبورا إلى اللقطات الجميلة لطبيعة شاطئ البحر الذي ابتلع مئات الشباب بحثا عن الحرية كما أظهر الفيلم جمالية عالية في نقاء الصورة واستخدام الضوء لقصة مؤثرة عن موت أحلام الشباب من قلب تونس الخضراء.
وتقول المخرجة التونسية "خديجة لمكشر" للعربية.نت في هذا الصدد: "بداية عملي كانت إنتاج أفلام قصيرة وهذه هي تجرتي الأولى لإنتاج فيلم روائي طويل، لذلك واجهت الكثير من العقبات والتحديات، بداية الفيلم كانت عن طريق الإحساس بالمشكلات التي يواجهها الشباب من خلال متابعتها لمواقع التواصل الاجتماعي"، مشيرة إلى أن قصة الفيلم كانت من وحي الخيال، ولكنها مستلهمة من الأحداث يعيشها الشباب حاليا.
ولفتت إلى أن فيلم "نوار عشية" دعم لبعض الرياضات المختلفة ومنها انتشار "الملاكمة" لأنها رياضة منتشرة وسط شباب تونس القاطنين في الأحياء الشعبية، ولأنها نوع من أنواع الدفاع عن النفس.
وأضافت مخرجة الفيلم "أردت استبدال مشاهد الغرق ومشاهد الموت والذي جعل من البحر مقبرة وذهاب العائلات إليه لقراءة الفاتحة على من فقدوه في عرض البحر إلى حالة رومانسية لطبيعة البحر وشواطئه الخلابة كملاذ آمن للعائلات والاستمتاع بجمال البحر بألوانه اللازاوردية وممارسة السباحة ومختلف الرياضات البحرية".