كل فترة، تتسابق الصناديق الاستثمارية لضخ الأموال في شركات وادي السيليكون، وبينما يكون هذا السباق في العادة على نوع جديد من البرمجيات، مثل روبوتات الذكاء الاصطناعي أو حتى منتجات فيزيائية وعتاد مثل المعالجات والبطاقات الرسومية، إلا أن موجة الاستثمار الأحدث توجهت إلى شركة مجهولة تسعى لتطوير ذكاء اصطناعي خارق آمن.
ويضم موقع هذه الشركة صفحة واحدة بها 220 كلمة فقط، كما أن فريق التطوير الخاص بها يتكون من 20 شخصًا بالتقريب، بمن فيهم المؤسس، ولكن هذا لم يمنع صناديق الاستثمار الضخمة مثل "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital) و"أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz) من ضخ العديد من الأموال في الشركة لتضاعف قيمتها 6 مرات في أقل من 6 أشهر وتصل إلى 30 مليار دولار بعد أن كانت 5 مليارات في سبتمبر/أيلول الماضي.
وعلى عكس " أوبن إيه آي " وبقية شركات الذكاء الاصطناعي، فإن "سيف سوبر إنتليجنس" (Safe Superintelligence) أو كما تعرف اختصارًا باسم "إس إس آي" (SSI) لا تحاول أبدًا الظهور في الإعلام وجذب الأضواء إليها أو مؤسسها إيليا سوتسكيفر الذي كان أحد العقول المدبرة وراء " شات جي بي تي " فما قصة هذه الشركة؟
عبر موقع ذي واجهة بسيطة وعدد كلمات قليل، ومن خلال تعليمات صارمة بالحفاظ على سريّة الشركة ومهمتها والأفكار التي تعمل عليها، يأتي إيليا سوتسكيفر محذرًا كل العاملين من كتابة وظائفهم على "لينكد إن" فضلًا عن استخدام آليات توظيف عتيقة تعتمد بشكل أساسي على المقابلات المباشرة والترشيحات بدلًا من الإعلانات العامة عبر الإنترنت.
ويسعى سوتسكيفر للحفاظ على سرية شركته والأبحاث التي يعمل عليها قدر الإمكان، ورغم أنه يعمل على تطوير ذكاء اصطناعي خارق مثل بقية شركات الذكاء الاصطناعي فإنه يرفض الترويج لمنتجاته أو حتى طرحها للأسواق.
وعندما يسعفك الحظ وتفوز بمقابلة عمل في "إس إس آي" فإنك تتجه إلى مبنى مؤمن بالكامل، ويطلب منك قبل أن تدخل وضع هاتفك بصندوق "فارادي" المصمت ليمنع وصول إشارات "واي فاي" والشبكات الخلوية إلى الهاتف بشكل كامل.
وفي حال نجحت في المقابلة وتجاوزتها، يُطلب منك ألا تذكر شيئًا متعلقًا بالشركة في أيٍ من منصات التواصل أو حتى الحديث مع أي شخص عن وظيفتك داخل الشركة وما تقوم به، وهذا لأن "إس إس آي" ومن خلفها سوتسكيفر يقدران الخصوصية بشكل كبير، ومن ضمن مزايا العمل لديهم أنك تعمل مباشرةً مع أحد العقول المدبرة وراء "شات جي بي تي" وأحد أبرز علماء الذكاء الاصطناعي في عصرنا الحالي.
ولد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1986 في رحاب الاتحاد السوفياتي السابق ليتنقل بعد تفكيكه في أكثر من دولة وتبدأ رحلته مع الذكاء الاصطناعي في كندا، حيث ساهم أثناء دراسته في كتابة بحث عن التعلم العميق والذكاء الاصطناعي وخوارزمياته المميزة، وتحديدًا خوارزمية التسلق (Scaling) التي تجعل الذكاء الاصطناعي أذكى عبر التعامل مع كميات ضخمة من البيانات.
ولاحقًا، انضم سوتسكيفر إلى "غوغل" ليتركها عام 2015 ملتحقًا بشركة "أوبن إيه آي" التي كانت ناشئة وقتها، وذلك بسبب إعجابه الشديد بعقلية سام ألتمان وصديقه إيلون ماسك الذي ساهم في تأسيس شركة غير ربحية ذاك الوقت.
وبعد إطلاق "شات جي بي تي" عام 2022، تحولت "أوبن إيه آي" إلى شركة تقليدية تسعى لإطلاق المنتجات والربح من ورائها، بدلًا من إجراء الأبحاث المتطورة والمعقدة على خوارزميات الذكاء الاصطناعي والمخاطر الخاصة بها.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كان سوتسكيفر المسؤول عن إيصال رسالة مجلس إدارة "أوبن إيه آي" إلى ألتمان، وهو قرار إزالته من منصبه بسبب ابتعاده عن مهمة الشركة الرئيسية، وبعد الدراما التي حدثت وقتها وانتهت بعودة ألتمان لمجلس إدارة الشركة، ما كان من سوتسكيفر إلا أن يتخلى عن منصبه وهو كبير باحثي الشركة بقطاع الذكاء الاصطناعي، ورغم أنه ظل رسميًا على رأس عمله فإنه توقف عن العمل حتى استقال في مايو/أيار الماضي ليسعى لتأسيس شركته مع الباحث السابق في "أوبن إيه آي" دانييل ليفي والمستثمر دانييل جروس.
وتأسست "إس إس آي" تحت هدف سامي رئيسي، وهو بناء ذكاء اصطناعي خارق آمن يحب البشر ولا يبحث عن أذيتهم، وهو الهدف الذي تصفه الشركة بالسامي والأهم من الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام. وفي وقت قصير، تمكنت الشركة من جمع أكثر من مليار دولار.
تسعى غالبية شركات الذكاء الاصطناعي الوقت الحالي لتطوير نموذج الذكاء الاصطناعي العام أو كما يعرف باسم "إيه جي آي" (AGI) وهو يختلف تمامًا عن نموذج الذكاء الاصطناعي الذي تسعى "إس إس آي" لتطويره، أي الذكاء الاصطناعي الخارق.
فبينما يتمتع الذكاء الاصطناعي العام بمعرفة عامة وواسعة عن كافة الأمور وقدرة على تنفيذ العديد من الوظائف مثل البشر ومحاكاة تصرفاتهم بشكل كبير، لكن الذكاء الاصطناعي الخارق قادر على تخطي قدرات البشر ومهاراتهم.
وفي إحدى المقابلات التي أجراها سوتسكيفر، قال إنه يسعى لتطوير ذكاء اصطناعي خارق قادر على تطوير وعي ذاتي ومشاعر خاصة به، وربما يطالب مستقبلًا بحقوق خاصة به، لذا من المهم تطوير هذا الذكاء الاصطناعي بشكل يجعله صديقًا للإنسان بدلًا من أن يكون عدوا له.
في الوقت الحالي، لم تطلق الشركة أي نوع من المنتجات التي يمكن استخدامها من قبل العامة، بل إنها لا تسعى لإطلاق مثل هذه المنتجات على الإطلاق. لذلك، فهي تحافظ على سريّة مشاريعها قدر الإمكان ولا تحتاج إلى أي ضجة عالمية.
وقد وضح سوتسكيفر سابقًا أنه يسعى لتطوير الذكاء الاصطناعي الخارق بطريقة تختلف كثيرًا عن ما يحدث في "أوبن إيه آي" وشركات الذكاء الاصطناعي الأخرى، لذا فهو لن يطلق أي منتجات تجارية في أي وقت قريب.