آخر الأخبار

الكيمياء تكشف أن الصراصير أخطر على منزلك مما تظن

شارك

في المطبخ المظلم أو خلف الثلاجة قد تتحرك تلك الكائنات الصغيرة المزعجة، التي يكتفي أغلب الناس بالاشمئزاز منها دون التفكير في تبعات أعمق.

لكن دراسة علمية حديثة، نشرت في دورية "جورنال أوف أليرجي آند كلينكال أميونولوجي" كشفت أن الصراصير ليست مجرد حشرة مقززة، بل قد تكون مصدرا حقيقيا لتلوث الهواء داخل المنزل، عبر مكونات دقيقة سُمية تطلقها في الغبار والهواء يمكن أن تؤثر في صحة القاطنين، خصوصا الأطفال ومرضى الحساسية والربو.

مصدر الصورة انتشار الصراصير، من تلك الوجهة، مؤشر خطير جدا (غيتي)

الكيمياء تحلل الغبار

وللتوصل إلى تلك النتائج، أجرى فريق من الباحثين في جامعة ولاية نورث كارولينا، دراسة على مجموعة من المنازل، بعضها يعاني من انتشار واضح للصراصير وبعضها لا يعاني. استخدموا المكانس الخاصة ومعدات جمع الغبار الخالية من الملوثات، ثم خزّنوا العينات في أنابيب معقّمة.

الهدف كان فحص الغبار لكونه يحمل بقايا الحشرات والميكروبات الدقيقة التي تعكس حالة البيئة الداخلية للمنزل.

من العينات المجموعة، أجرى الفريق تحاليل كيميائية لقياس تركيز المواد المسببة للحساسية المرتبطة بالصراصير، مثل البروتينات الموجودة في فضلاتها وأجسامها المتحللة.

هذه القياسات تُستخدم عادة لتقدير درجة الخطر التحسسي في المنازل، خصوصا للأشخاص المصابين بالربو أو حساسية الغبار.

ولاكتشاف السموم البكتيرية، استخدم الباحثون اختبارا حيويا حساسا يُعرف باسم اختبار "ليمولوس أميبوسيت ليسات"، وهو يعتمد على تفاعل مكوّن من دم سرطان حدوة الحصان مع الإندوكسينات، مما يولّد إشارة قابلة للقياس.

هذا الاختبار يعد المعيار الذهبي عالميا للكشف عن الإندوكسينات منذ أكثر من 50 عاما، لأنه يتميّز بحساسيته العالية جدا، إذ يستطيع اكتشاف كميات دقيقة من السموم الداخلية حتى في تركيزات منخفضة للغاية (أجزاء من وحدة نانوغرام لكل مليلتر).

إعلان

بعد التحليل، ظهر أن المنازل التي تحوي صراصير أكثر تحتوي أيضا على مستويات أعلى بكثير من الإندوكسينات والمحفّزات التحسّسية، مقارنة بالمنازل النظيفة أو التي لا تشهد انتشارا كبيرا للحشرة.

مصدر الصورة عندما تموت البكتيريا أو تتحلل، تتحرر الإندوكسينات إلى الوسط المحيط (شترستوك)

ما الإندوكسينات؟

الإندوكسينات أو "السموم الداخلية" تُشير إلى مواد سامة تنتجها بعض أنواع البكتيريا، تحديدا البكتيريا سالبة الغرام، وهي لا تُفرز إلى البيئة بشكل مباشر، بل تكون جزءا من الغشاء الخارجي لجدار الخلية البكتيرية.

عندما تموت البكتيريا أو تتحلل، تتحرر الإندوكسينات إلى الوسط المحيط، وهناك تبدأ مشكلتها، فهي قادرة على إثارة استجابة مناعية قوية داخل جسم الإنسان.

عند دخولها الجسم (بالاستنشاق أو عبر الجروح أو الجهاز الهضمي)، تحفّز الإندوكسينات خلايا المناعة لإفراز جزيئات التهابية مثل السيتوكينات.

إذا كان التعرض بسيطا، فقد يسبب تهيّجا في الجهاز التنفسي أو أعراض حساسية، أما عند التعرض المزمن أو الكثيف (كما في المنازل الموبوءة بالصراصير أو المزارع أو المستشفيات القديمة)، فقد يؤدي إلى التهاب مزمن في الشعب الهوائية وتفاقم نوبات الربو، وفي الحالات القصوى (عند دخول الدم) قد يصل الأمر إلى صدمة إنتانية، وهي حالة طبية خطيرة جدا.

مصدر الصورة في بعض المنازل التي جرى فيها تنفيذ برامج مكافحة حشرات فعالة، لاحظ الفريق العلمي انخفاضا ملموسا في مستويات المواد المسببة للحساسية (غيتي)

مفاجآت في الدراسة

اللافت في الدراسة أن الباحثين اكتشفوا فارقا بيولوجيا غير متوقع، فإناث الصراصير تطرح ضعف كمية الإندوكسينات التي يطرحها الذكور.

والسبب بسيط لكنه مقلق، بحسب الدراسة، وهو أن الإناث تستهلك غذاء أكثر وتنتج فضلات أكثر، وهذه الفضلات هي المصدر الرئيس لتلك المركبات الملوِّثة.

بكلمات أخرى، كلما ازداد عدد الإناث في مستعمرة الصراصير، زادت خطورة التلوث الداخلي دون أن يلاحظ السكان شيئا.

وكما توقّع العلماء، كان المطبخ هو بؤرة التلوث الأعلى، نظرا لوفرة الطعام والرطوبة ودفء المكان، وهي ظروف مثالية لتكاثر الصراصير.

لكن المفاجأة أن الإندوكسينات والمسببات التحسّسية لا تبقى حبيسة الغبار؛ بل يمكن أن تنتقل إلى الهواء وتستقر في أجهزة التكييف والتهوية، ما يجعلها تصل إلى غرف النوم والجلوس أيضا.

خطر يستحق التدخل

وبحسب الدراسة، فإنه في بعض المنازل التي جرى فيها تنفيذ برامج مكافحة حشرات فعالة، لاحظ الفريق العلمي انخفاضا ملموسا في مستويات المواد المسببة للحساسية خلال أسابيع قليلة فقط.

هذا يعني أن التخلص من الصراصير لا يحقق راحة نفسية فحسب، بل يحسّن فعليا جودة الهواء الداخلي، ويقلل احتمالات تهيّج الجهاز التنفسي أو نوبات الربو لدى الأطفال.

تشير هذه النتائج إلى أن الصحة البيئية المنزلية لا تتعلق بالنظافة الظاهرة فقط، بل تشمل الملوثات الدقيقة التي قد تنتجها كائنات تعيش معنا دون أن ننتبه إليها، كما يوضح العلماء في بيان صحفي رسمي من الجامعة.

وفي المجتمعات ذات الدخل المنخفض، حيث تقل فعالية أنظمة التهوية وتتأخر مكافحة الحشرات، قد تتحول المشكلة إلى قضية عدالة صحية، لأن الأطفال في هذه المنازل يكونون أكثر عرضة لمخاطر بيئية لا يسببونها بأنفسهم.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار