وضع فريق بحثي أول دراسة ميدانية مفصلة لحركات أذرع الأخطبوط في بيئته الطبيعية، بعد تصوير 25 أخطبوطا في 6 مواقع بالمحيط الأطلسي والبحر الكاريبي وإسبانيا.
وفي الدراسة المنشورة في مجلة "ساينتفك ريبورتس" في 11 سبتمبر/أيلول، رصد الباحثون 12 حركة أساسية ترتبط بسلوكيات مثل البحث عن الغذاء والتنقل، وتفتح الباب أمام تصاميم روبوتات لينة قادرة على الزحف داخل أماكن ضيقة، من الأنقاض إلى المنشآت المغمورة.
وتقول المؤلفة الرئيسية للدراسة تشيلسي بينيس، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في معمل الأحياء البحرية في جامعة شيكاغو، وجامعة فلوريدا أتلانتيك: "أسعى منذ سنوات لفهم السلوك الطبيعي لرأسيات الأرجل في موائلها".
وتضيف "ما رأيناه في البرية يكشف حركات أعقد بكثير مما تظهره أحواض المختبر. كما أتاح لنا رصد سلوك الأخطبوطات في موطنها، توثيق طيف أوسع من الأفعال وفهم كيف توظف الأذرع لإنجاز مهام معقدة".
يعرف الأخطبوط بأنه بارع في التمويه ويقضي نحو 80% من وقته داخل جحره، مما يجعل رصده مهمة شاقة.
وتضيف بينيس في تصريحات للجزيرة نت: "خلال العمل الميداني، كان الغواصون يتعقبون بقايا الطعام حول المخابئ ثم ينتظرون عودة الحيوان لتسجيل نشاطه لأيام متتالية. وبعد جمع المشاهد، حلل الفريق اللقطات ثانية بثانية لكل ذراع، وقسم الذراع الواحدة إلى 3 أجزاء (قاعدة ووسط وطرف) لتوثيق الحركة في كل جزء على حدة".
وتظهر الدراسة أن جميع أجزاء الذراع قادرة على أداء الحركات كافة، لكن توزعها غير متساو، إذ إن حركتي الاستطالة والقصر تتركزان غالبا قرب القاعدة، في حين يشيع الانثناء عند الطرف.
كما أن الأذرع تنجز مهام عديدة مثل المشي على القاع، والسباحة فوقه، واستكشاف الشقوق في الشعاب المرجانية لالتقاط الفرائس، والتلاعب بالأجسام.
وتحمل كل ذراع قرابة 100 "مصاصة" مزودة بأعضاء حسية دقيقة. ووفقا للمؤلفة الرئيسية للدراسة، فإن كل مصاصة أشبه بعبقري كيميائي لمسي، تكافئ الأنف والشفاه واللسان في نقطة واحدة.
وبحسب بينيس، يعتمد الأخطبوط في قراراته على المدخلات الحسية من المصاصات أكثر من اعتماده على البصر، إذ إن الأخطبوط كائن شديد "اللمسية"، أي حساسية حاسة اللمس. وتساعد هذه النتيجة على تفسير كيفية تنسيق القبض والدفع والاستكشاف على طول الذراع، وتقدم خريطة عملية لتوزيع الوظائف عبر أجزائها.
حين ينهار مبنى أو مركبة، كيف توصل ماء أو دواء لشخص عالق؟ تحتاج إلى ذراع متلوية عالية المرونة لا تصل فحسب، بل تفعل شيئا مفيدا عندما تصل، كما يوضح المؤلفون.
وتقول بينيس إن البيانات الجديدة تقدم دروس تصميم واضحة يمكن استخلاصها من النتائج، مثل استخدام ميزة تعزيز القوة والتمدد قرب قاعدة الذراع لأغراض الدفع والرفع، مقابل إبقاء الطرف أكثر رشاقة وحساسية للانثناء والاستكشاف والإمساك.
كما يشدد الفريق على ضرورة تنسيق عمل عدة أذرع في آن واحد، وهي فكرة محورية لخوارزميات التحكم في الروبوتات اللينة.
ويشير الباحثون إلى أن الدراسة رصدية بطبيعتها، وحجم عينتها محدود (25 فردا)، كما تختلف البيئات بين موقع وآخر. مع ذلك، يوفر التحليل الدقيق "ثانية بثانية" و"جزءا بجزء" مستوى غير مسبوق من التفاصيل مقارنة بالأبحاث المخبرية السابقة، ويحدد خط أساس لدراسات مقارنة عبر الأنواع والموائل.
ويعتقد الفريق أنه يمكن في المستقبل دمج هذه النتائج السلوكية مع قياسات تنشيط العضلات وتسجيلات عصبية ونماذج ميكانيكا حيوية عالية الدقة، بما يسهل تحويل المبادئ البيولوجية إلى مواد وأجهزة وخوارزميات. أما بيولوجيا، فتتيح النتائج اختبار كيف تؤثر تعقيدات البيئة (من قاع رملي أملس إلى شعاب مرجانية متعرجة) على قرارات الحركة على طول الذراع.