في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كشف باحثون من جامعة كولورادو بولدر الأميركية، أن نحل العسل لا يتبع مخططا ثابتا عند بناء خلاياه، بل يعتمد على مجموعة من الإستراتيجيات المرنة التي تمكنه من التكيف مع الظروف المختلفة.
وتظهر النتائج، التي نشرت في 26 أغسطس/آب في دراسة بمجلة "بلوس بيولوجي"، أن هذه الكائنات الصغيرة قادرة على تعديل تصاميمها بما يتناسب مع المساحات المتاحة، مما يعكس مستوى مدهشا من التنظيم الجماعي والقدرة على التكيف.
تُعد خلايا النحل من أبرز الأمثلة في الطبيعة على البنى الهندسية الدقيقة، إذ تُبنى عادة من وحدات سداسية متكررة تخزن فيها الحشرات غذاءها وتربّي صغارها، لكن كيفية تكيف النحل مع المساحات غير المألوفة ظلت غير واضحة.
وللإجابة عن هذا السؤال، قدم الفريق البحثي، مستعمرات النحل في صورة قواعد بلاستيكية مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد، تتضمن خلايا سداسية بأحجام مختلفة عن المعتاد، وراقبوا سلوك النحل باستخدام تقنيات تصوير متطورة مثل الأشعة السينية المجهرية.
تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة "جولنار جاروني فارد" -وهي باحثة ما بعد الدكتوراه في علوم الحاسب الآلي في جامعة "كولورادو بولدر"- إن النتائج أظهرت أن النحل لا يواجه التحديات بخيار واحد فقط، بل يمتلك 3 أساليب أساسية للتكيف. فعندما تكون الخلايا السداسية صغيرة جدا، يقوم بدمجها معا ليكوّن مساحات أوسع قابلة للاستخدام.
وتضيف "جاروني-فارد" في تصريحات لـ"الجزيرة نت" أنه إذا كانت الخلايا أكبر من المعتاد، فإن النحل يبني جدرانا مائلة تقلص مساحة الفتحة مع الحفاظ على العمق المطلوب للتخزين. وفي حال كانت الخلايا ضخمة للغاية، يتجاوزها النحل ببراعة من خلال تشييد طبقة جديدة من الخلايا الطبيعية فوقها، مستفيدا من الحواف البلاستيكية كدعائم.
وتشير هذه الإستراتيجيات -بحسب الباحثين- إلى أن النحل ليس مجرد منفّذ لبرنامج بيولوجي محدد، بل يمتلك قدرة حقيقية على الابتكار وفق ما تفرضه الحاجة.
"لقد وفرنا للنحل ألواحا مطبوعة تحتوي على خلايا سداسية بأحجام مختلفة عن التي يفضلها، ووجدنا أنه يستخدم ثلاث تقنيات على الأقل لتعديل هذه القواعد، بما في ذلك ترتيبات ثلاثية الأبعاد معقدة للغاية" كما أوضحت الباحثة.
وتضيف أن "المثير للدهشة أن الأنماط التي يعتمدها النحل في التكيف مع قيود الأشكال الهندسية تشبه إلى حد كبير أنماطا نراها في أنظمة أخرى، مثل تشقق الطين عندما يجف أو تراكيب المواد البلورية مثل الغرافين".
وتوضح الباحثة الرئيسية في الدراسة أن النحل يظهِر فهما بديهيا لقوانين الفيزياء التي تحكم البناء الجماعي، ومن ثم فإن النتائج تعد خطوة مهمة في بداية الطريق لفهم مدى تنوع إستراتيجيات النحل في البناء الجماعي، التي تتراوح بين الميلان والدمج والتكديس.
ويرى الفريق أن هذه النتائج تقدم مثالا حيا على ما يعرف بالهندسة المستوحاة من الطبيعة، إذ يمكن للبشر الاستفادة من هذه النماذج في تصميم أنظمة بناء مرنة وأكثر استدامة. ويشير الباحثون إلى أن دراسة مثل هذه السلوكيات قد تلهم حلولا في مجالات تمتد من العمارة إلى الروبوتات والتقنيات النانوية.
وتكشف الدراسة أن خلية النحل ليست مجرد بناء سداسي متكرر كما يصوَر غالبا، بل هي نظام مرن يتكيف مع التحديات، ونتاج تعاون جماعي هائل بين الآلاف من النحل العامل؛ وهذا التكيف المستمر يعكس أن الطبيعة تخبئ حلولا هندسية قد تسبق أحيانا ما يصل إليه الإنسان.