آخر الأخبار

كائن مصري يعيش حيث لا يستطيع أي كائن آخر أن يحيا أبدا

شارك

حاليا، تلتفت فرق متعددة من العلماء إلى الكائنات التي تتمكن من العيش في ظروف قاسية جدا، شديدة الحرارة مثلا أو شديدة البرودة أو شديدة الملوحة.

لكن واحدا من تلك الكائنات التي يدرسها العلماء، امتلك قدرة عدت استثنائية حين اكتشافه، حيث يستطيع العيش في درجة ملوحة شديدة، ودرجة قلوية شديدة في الوقت نفسه.

وعادة ما يعيش الكائن المتكيف مع الظروف القاسية في نوع واحد فقط من الظروف القاسية، لكن وجود اثنين منها في البيئة نفسها يعد أمرا نادرا.

هذا الكائن من العتائق، وهي كائنات صغيرة جدا، تعيش حولنا، لكنها لا ترى بالعين المجردة لأنها وحيدة الخلية، أي تتكوّن من خلية واحدة فقط. كانت تُشبه البكتيريا في نظر العلماء، لكن بعد دراستها جيدا، تبيّن أنها مختلفة جدا، لدرجة أن العلماء وضعوها في مجموعة خاصة بها.

مصدر الصورة على اليسار موضع اكتشاف "فرعونيس" وعلى اليمين صورة مقربة للكائن (معهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية)

ناترونوموناس فرَعونيس

اسم الكائن لافت جدا فهو "ناترونوموناس فرَعونيس"، لأنه مصري الأصل، حيث تم اكتشافه لأول مرة في أوائل التسعينيات، في بحيرات مالحة جدا قلوية جدا في وادي النطرون بمصر، وهو عبارة عن منخفض صحراوي في شمال غرب دلتا النيل، يقع على عمق يصل إلى نحو 23 مترا أسفل مستوى سطح البحر، وتحيط به صحاري جافة وأرض منخفضة نسبيا.

هذه العتائق عصوية الشكل، وحجمها لا يتجاوز 5 أجزاء من الملليمتر، لكنها تمتلك ميزة استثنائية، حيث تعيش في درجات عالية من درجة القلوية، تشبه صابون الغسيل أو منظفات الملابس، ومحتوى الملح تقريبا يساوي محتوى البحر الميت.

الماء ضروري للحياة، ولكن عندما يتشبع هذا الماء بالملح، يصبح قاتلا، حيث تُجفف الملوحة العالية الكائنات الحية بالضغط الأسموزي، ويمكن أن تزعزع استقرار البروتينات والحمض النووي.

مثلا تخيل صندوق زجاجي منقسم إلى نصفين، على اليسار فيه ماء مالح مفصول عن ماء عذب موجود على اليمين، بواسطة غشاء خاص لا يسمح إلا بمرور الماء فقط وليس الملح، لأن تركيز الملح في جهة منهما أعلى، فإن الماء من الجهة الأقل ملوحة (الماء العذب) سيتحرك عبر الغشاء نحو الماء المالح، لكي يعادل تركيزه. هذه الحركة تولّد نوعا من الضغط على الجدار أو الغشاء، ونسميه الضغط الأسموزي.

إعلان

إذا شرب الإنسان ماء البحر (بتركيز 3.5%)، فإن الملح الزائد يسحب الماء من الخلايا ويؤدي إلى جفاف قاتل ما لم يُخفف على الفور، بسبب هذا الضغط.

لكن "فرعونيس" يستطيع أن يعيش في درجة ملوحة أشد بعشرة أضعاف، بل وفي مياه تبلغ درجة قلويتها مستوى الصابون أو محاليل المنظفات التي تعد حارقة للإنسان، ولا يتأثر، بل يتنشر ويزدهر ويأكل ويتنفس بشكل طبيعي، مثلما تعيش أنت في الهواء الطلق.

مصدر الصورة لا يمكن للبشر العيش في مثل هذه الأجواء (غيتي)

سر الجينات

تفسير ذلك جاء في دراسة صدرت قبل نحو عقدين من الزمن في دورية "جينوم ريسيرش"، فداخل خلية هذا الكائن تتراكم كميات كبيرة من الملح لمعادلة ضغط البيئة الخارجي، لكن هذا الملح لا يؤثر عليه، فتصميم بروتيناته (التي تكون العضيات والإنزيمات داخل الخلية) يمنعها من التفتت في هذه الظروف القاسية.

كما أن الغشاء الذي يحيط بخلية الكائن يعمل مثل درع واق، يمنع دخول أيونات الهيدروكسيل (المسؤولة عن القلوية العالية) بكثرة إلى داخل الخلية، وعند دخول أيونات غير مرغوب بها، يقوم الكائن بضخها للخارج.

في هذا السياق، فإن فرعونيس يشبه مهندسا كيميائيا صغيرا، يقيس التغيرات ويحافظ على الحموضة الداخلية في نطاق متوسط، يشبه الإنسان، لكنه محاط بمادة تشبه المنظفات، التي تكون عادة حارقة للجلد البشري.

إلى جانب ذلك، فعند فحص الشفرة الجينية لهذا الكائن، وجد العلماء أنه يحتوي على كل الجينات اللازمة لصنع الفيتامينات، والمواد الأساسية التي يحتاجها لبناء البروتينات.

يعني ذلك أنه يصنع الفيتامينات والأحماض الأمينية بنفسه داخل جسمه، وبالتالي لا يحتاج إلى غذاء معقّد، ولا يعتمد على وجود كائنات أخرى حوله، ومن ثم يستطيع العيش في أماكن فقيرة جدا بالمغذيات.

أهمية علمية

هذا النوع من الكائنات المتكيفة مع بيئات غاية في القسوة مهم جدا للعلماء، حيث يساعد في تحقيق فهم أفضل لما يمكن اعتباره بيئة صالحة للحياة، ومن ثم التعرف على طبيعة الحياة نفسها، وتاريخها على الأرض، حيث كانت الظروف في الماضي السحيق قاسية جدا.

من جانب آخر، فدراسة هذه الكائنات تعطينا فكرة عن كيف قد تعيش كائنات أخرى في كواكب مثل المريخ أو أقمار المشتري مثل "يوروبا"، حيث توجد مياه مالحة وبيئات متطرفة، لذلك، تُعتبر هذه الكائنات نموذجا حيا للحياة في "عوالم أخرى".

كما أن الإنزيمات والبروتينات التي تعمل داخل هذه الكائنات لا تتعطل بسهولة، حتى في ظروف قاسية، ومن ثم يمكن استخدام هذه المركبات في صناعة الأدوية، ومعالجة النفايات، والصناعات الكيميائية في درجات حرارة أو حموضة عالية. هذه الكائنات ببساطة تزودنا بـ"أدوات طبيعية" قوية جدا.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار