في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في الأسبوع الثاني من (آب/ أغسطس) الجاري، نشر الشاب عبد الرحمن خالد، فيديو قصير لا تتجاوز مدته "7 دقائق"، عبر حسابه الشخصي الذي يتابعه أكثر من 75 ألف شخص على "فيسبوك"، يتضمن نجومًا مصريين وعالميين منهم محمد صلاح لاعب نادي ليفربول الإنجليزي والأرجنتيني ليونيل ميسي ، مُحققاً ملايين المشاهدات وآلاف الإعجابات.
غير أن الفيديو لم يرق لوزارة السياحة والآثار المصرية التي خرجت ببيان بعد ساعات قليلة في (12 آب/ أغسطس) الجاري، تتبرأ منه بوصفه "لا يمثل الإعلان الرسمي للمتحف الكبير"، المُقرر افتتاحه رسميًا في (1 تشرين الثاني/ نوفمبر) المُقبل.
لم يحمل الفيديو المنشور أي طابع رسمي، إذ حرص الشاب على إرفاق جملة أعلاه ينفي خلالها صلته بأي جهة مسؤولة بالدولة، واعتبره "هدية" فردية مدفوعة بحس وطني. لكن بيان وزارة السياحة وصفه بـ "المحتوى المزيف الذي يُشكل انتهاكًا واضحًا لحقوق الملكية الفكرية والأداء العلني"، مُعلنةً عن إبلاغ الجهات الأمنية واتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضده.
بدورها ألقت قوات الأمن المصرية، القبض على الشاب يوم (15 آب/ أغسطس) بموجب بلاغ حمل رقم 12390 لسنة 2025 إداري الهرم، وبتهمة "نشر محتوى مرئي وصوتي عبر أنظمة الحاسب الآلي دون الحصول على إذن كتابي"، وهو ما تسبب في انتفاضة غاضبة في أوساط الرأي العام والمثقفين الذين تضامنوا مع عبد الرحمن، مُتهمين وزارة السياحة بسوء التعامل مع الحدث وقمع إبداع الشباب.
في أوج الأزمة، خرج وزير السياحة والآثار شريف فتحي بتصريحٍ مُثيرٍ للجدل، خلال مداخلة تلفزيونية ينفي محاربة الدولة للإبداع، ويتهم الشاب بارتكاب "خطأ كبير" لاستخدمه شخصيات دون إذن منهم؛ كونه "جاهلاً" بالقواعد، ولم يحترم قوانين الملكية الفكرية، و"هو أمر لا يمكن التغاضي عنه، ما يستوجب تطبيق القانون دون عواطف".
بينما اعتبر آخرون، ومنهم الإعلامية المصرية لميس الحديدي، التعامل مع أفكار الشباب بطريقة أمنية يُصدر الإحباط، مُشددةً عبر حسابها على منصة "إكس"، على وجود وسائل أخرى أكثر ملائمة، لاسيما أن عبد الرحمن خالد قد كشف عن هويته كـ "مُصمم" عبر حساباته بمنصات التواصل الاجتماعي ، وروج الفيديو باعتباره "غير رسمي". وطالبت الحديدي بضرورة تطوير التشريعات والأدوات القانونية لتواكب ثورة الذكاء الاصطناعي، على ألا تكون صياغاتها فضفاضة توسع مجال تقييد الحريات والإبداع، بقولها: " احتضنوا الأفكار، وعلموا الشباب بدلاً من تطفيشهم ".
في خضم هذا الجدل والغضب المُتفاقمين على منصات "السوشيال ميديا"، تنازلت وزارة السياحة عن بلاغها وجرى إطلاق صراح الشاب في (16 آب/ أغسطس)، لخلو سجله الجنائي، ولتأكيده أن الفيديو المنشور عمل فردي أنجزه بنفسه فكرةً وإعدادًا وتنفيذًا، ولم يقصد به انتهاك حقوق الآخرين، كونه يدخل ضمن الابتكارات الحديثة المرتبطة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
فيما لا يزال ملف الواقعة مفتوحًا أمام النيابة العامة إلى اليوم، حيث تواصل مراجعة الأدلة والاستماع إلى الشهود، بما في ذلك تحليل فني للمقطع المولد اصطناعيًا وتقييم الأثر الذي أحدثه؛ لتحديد الموقف النهائي من الشاب "المُتهم".
المُدرب المُتخصص في الإعلام الرقمي خالد البرماوي يقول لـ DW عربية إن واقعة المتحف المصري "لا علاقة لها بالملكية الفكرية أو الخصوصية"، مشيرًا إلى أن الصور التي تُنشأ بالذكاء الاصطناعي للمشاهير لم يُحسم أمرها بعد؛ لأنها لا تُعتبر مصنفًا أصليًا من الناحية القانونية، وإن كان استخدامها يُمثل انتهاكاً صريحاً لحق المشاهير في الدعاية والشهرة حتى ولو كانت لأغراض غير تجارية.
في نظر البرماوي، فإن حقوق هذه الصور والمحتوى المُخلق بأدوات الذكاء الاصطناعي مُتنازع عليه حتى يومنا هذا بين أصحاب حقوق آلاف بل ملايين الصور التي تدربت عليها أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي (Gen- AI)، ومطوري البرمجيات، وكذلك المُستخدم الذي طوره بكتابة "برومت" وتخيل به واقع جديد مبني على وقائع قديمة.
وحول تنويه الشاب عبد الرحمن خالد، عن الفيديو بأنه "غير رسمي ومُولد تقنيًا"، يوضح البرماوي، أن التنويه "سيعمل كدرعٍ واقٍ"، قد يخدمه في إثبات "حُسن النية"، وهذا بدوره يؤثر على نوع التهمة المحتملة، كما أنه يحل إشكالية التجاوز الإجرائي للجهة الرسمية المنوط بها الترويج والدعاية، ويؤكد عدم وجود صلة رسمية بين صانع المحتوى والمتحف باعتباره صاحب الحق الوحيد في التحكم بصورة العلامة التجارية (Brand Control)، لكنه لا يبرئ صانع المحتوى تمامًا من المُخالفات.
على النقيض من الرأي السابق، يرى المهندس محمد الحارثي، خبير تكنولوجيا المعلومات، في حديثه لـ DW عربية، أن الفيديو انتهك حقوق الملكية بالفعل؛ على أساس أن المحتوى البصري المولد ليس ملكًا للذكاء الاصطناعي، حيث جرى تدريب النماذج الآلية ببيانات يملكها آخرون، ومنها "الهوية البصرية" للمتحف المصري الكبير المملوكة للدولة المصرية، والتي تم استنساخ محتوى بصري منها ودمجه في الفيديو.
في هذا السياق، تُشدد المادة (178) من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، المعمول به في مصر، على أنه "لا يحق لمن قام بعمل صورة للآخر أن ينشر أو يعرض أو يوزع أصلها أو نسخاً منها دون إذنه أو إذن من في الصورة جميعًا ما لم يتفق على خلافه".
غير أن المادة ذاتها، نصت في جزئها الثاني، على أنه "يجوز نشر الصورة بمناسبة حوادث وقعت علنًا أو إذا كانت الصورة تتعلق بأشخاص ذوي صفة رسمية أو عامة أو يتمتعون بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت لهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام، وبشرط ألا يترتب على عرض الصورة أو تداولها في هذه الحالة مساس بشرف الشخص أو سمعته أو اعتباره...، وأن تسري هذه الأحكام على الصور أياً كانت الطريقة التي عُملت بها من رسم أو حفر أو أية وسيلة أخرى".
تبقى واقعة الشاب عبد الرحمن خالد، كاشفة لموضوع أخطر متمثل في ضعف الأطر التشريعية والقانونية المواكبة والمُنظمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مصر ، وفق ما يقوله الدكتور وليد حجاج، خبير أمن المعلومات، والعضو السابق بلجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية بالمجلس الأعلى للثقافة التابع لوزارة الثقافة المصرية.
ويوضح حجاج، لـ DW عربية، أن الآليات والضوابط المُنظمة للتكنولوجيا ينقصها الكثير، حيث لا يوجد في مصر سوى القانون "175 لسنة 2018"، المُختص بمكافحة الجريمة التكنولوجية، أو الجريمة المعلوماتية، والذي صدر قبل 7 أعوام للدرجة التي تجعله يفتقر إلى ضبط ومُعالجة مُستجدات التطور التكنولوجي اللاحق، أما الآخر فهو قانون حماية البيانات الشخصية رقم "151 لسنة 2020" الذي لم يشهد أيضًا أي تحديث منذ 5 سنوات.
ويُطالب حجاج، بضرورة مُراعاة المُشرع المصري للواقع التكنولوجي المُتغير والمتسارع؛ لتفادي أزمات مثل فيديو المتحف المصري الكبير، الذي يُعتبر وفق القوانين السابقة انتهاكًا واضحاً، والذي كان من الممكن تفاديه حال وجود وعي وضوابط حديثة مُتناسبة مع العصر.
خبير تكنولوجيا المعلومات المهندس محمد الحارثيصورة من: Mohammed Al-Harthiأما المهندس محمد الحارثي، على الرغم من تأكيده عدم وجود ميثاق واحد متفق عليه عالميًا لتنظيم الذكاء الاصطناعي، إلا أنه لا يختلف مع الطرح السابق بشأن ضرورة وجود أُطر تنظيمية وتشريعات وقوانين تُنظم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل مصر، على أن يصاحبها برامج توعوية ومعرفية؛ لتجنب الوقوع في فخ التعدي على الملكيات، ولحماية حقوق الآخرين سواء كانوا أفرادًا أو شركات أو مؤسسات ذات طابع خاص أو عام.
ويُشدد الحارثي، لـ DW عربية، على ضرورة توثيق المحتوى المرئي إعمالاً بقاعدة "ما لا يوثق لا يُحفظ"، وهي مسألة - في نظره - تتضافر فيها جهود جهات مُختلفة في مقدمتها وزارة الثقافة المصرية، وكذلك البرلمان المصري المُطالب بإصدار تشريعات مُحدثة تحمي الملكية الفكرية للأشخاص وتفتح الطريق أمام الإبداع وتراعي الواقع الجديد.
أظهرت دراسة حديثة نشرتها شركة الاستشارات العالمية "KPMG" في (أيار/ مايو) الماضي، أن المصريين من بين أكثر شعوب العالم استخدامًا لأدوات الذكاء الاصطناعي، إلا أنها لفتت في الوقت ذاته إلى أن 89% من عينة الدراسة يرغبون في وجود قوانين وإجراءات حديثة لمكافحة المعلومات المُضللة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، فيما عبرَ 65 % منهم عن قلقهم بشأن المحتوى المولد اصطناعيًا.
ويبرز في سياق هذا التطور التقني والتوسع في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مجموعة من المخاطر تتعلق بسوء استخدام التقنية لاسيما في التضليل والتزييف العميق، حيث يتفق الخبراء أنه لا يمكن إيقاف هذا السيل من المخاطر بشكل تام، ولكن من المهم العمل على الحد منها.
بدوره، يرى الدكتور وليد حجاج، خبير أمن المعلومات، أهمية التحرك وفق محاور ثلاثة للسيطرة على السيولة المعلوماتية والتكنولوجية ومخاطر إساءة استخدام التقنية، انطلاقًا من وجود برامج وعي حقيقية وفاعلة تستهدف المواطن المُستخدم، على أن تلعب وسائل الإعلام دورًا إيجابيًا ومسؤولاً، بجانب توافر التشريعات والضوابط القانونية الحديثة المُنظمة لعمل هذه التقنيات.
خبير أمن المعلومات الدكتور وليد حجاجصورة من: Walid Hajjajويوصي حجاج بضرورة وجود مناهج دراسية حديثة للطلاب تركز على القضايا التكنولوجية المُثارة والاستخدام الآمن للتقنيات وكيفية تجنب مخاطرها، مع تدشين منصات رقمية خاصة بالتشريعات والقوانين المتعلقة بمختلف القضايا لتُسهل المعرفة والوعي، وتُبسط الآليات والضوابط القانونية لمنع وقوع الشباب في أخطاء مثل الملكية.
وحول مخاطر التزييف العميق، يُشدد خبير أمن المعلومات، على تجنب مشاركة البيانات والصور الشخصية قدر الإمكان على منصات التواصل ومواقع الإنترنت، مع اعتماد الأدوات الحديثة الموثوقة التي يمكن توظيفها للمساعدة في الأمان الرقمي، وكذلك فتح قنوات تواصل مع الآخرين لموجهة الشائعات. وقانونياً يرى أهمية تفعيل "القضاء الناجز" في محاسبة مرتكبي الجرائم الإلكترونية والإعلان عن عقوباتهم للتحذير من أفعالهم في إطار آليات الردع.
أما المهندس محمد الحارثي، ينصح بالحفاظ على "الهوية الخاصة" عبر تجنب نشر السجلات الرقمية والبيانات في العالم الرقمي، داعيًا الشخصيات العامة إلى ضرورة توثيق هويتهم البصرية حفاظًا على ملكيتهم الفكرية، وهو اتجاه ينمو بسرعة في الغرب - وفق قوله - لمنع توظيف المقاطع البصرية أو الصور الخاصة إلا بإذن للحد من التزييف. ويختتم الحارثي بأهمية تفعيل الحس النقدي وتجنب تصديق أي محتوى بصري يراه المستخدم عبر الإنترنت إلى أن يثبت صحته تمامًا، على أساس أن تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة باتت قادرة على استنساخ وتوليد محتوى أقرب إلى الحقيقي يصعب تمييزه عن الأصلي.