أعلنت إسرائيل، الجمعة، اعترافها الرسمي بـ أرض الصومال (صومالي لاند) بوصفها «دولة مستقلة وذات سيادة»، في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة من شأنها إعادة خلط الأوراق في منطقة القرن الإفريقي، وفتح باب واسع للتجاذبات الإقليمية والدولية.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن الاعتراف جاء بموجب إعلان مشترك ومتبادل وقعه ووزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، ورئيس جمهورية أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله. وأشاد نتنياهو بما وصفه «قيادة الرئيس عبد الله والتزامه بالاستقرار والسلام الإقليميين»، موجّهًا له دعوة رسمية لزيارة إسرائيل، فيما اعتبر رئيس أرض الصومال الإعلان «تاريخيًا» و«تحولًا مفصليًا» في مسار الكيان الساعي للاعتراف الدولي منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية ، تعتزم إسرائيل الشروع فورًا في توسيع علاقاتها مع أرض الصومال عبر تعاون شامل في مجالات الزراعة، والصحة، والتكنولوجيا، والاقتصاد، إلى جانب أبعاد أمنية غير معلنة ترتبط بموقع الإقليم الاستراتيجي على خليج عدن وقربه من مضيق باب المندب، أحد أهم ممرات التجارة العالمية. كما شكر نتانياهو وزير الخارجية ومدير جهاز الموساد ديفيد برنياع على دورهما في ما وصفه بـ«الإنجاز الدبلوماسي».
في المقابل، جاء رد إقليمي سريع وحاد. فقد أعلنت مصر أن وزراء خارجية الصومال ومصر وتركيا وجيبوتي أجروا اتصالا مشتركا أدانوا فيه اعتراف إسرائيل بأرض الصومال، مؤكدين «الرفض التام لأي مساس بوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية». وشدد البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية على «الدعم الكامل لمؤسسات الدولة الصومالية الشرعية»، ورفض «أي محاولات لفرض كيانات موازية أو إجراءات أحادية من شأنها تقويض أسس الاستقرار في الصومال».
ويقدر مراقبون أن يدفع الاعتراف الإسرائيلي مصر وتركيا لـ”تحالف ضرورة” لدعم الحكومة الفيدرالية في مقديشو عسكرياً لمنع أي تغيير خصوصا في إقليم “سول” المتنازع عليه بين أرض الصومال وبونتلاند، ما يجر قوى إقليمية لحرب بالوكالة .
أرض الصومال إقليم يقع شمال الصومال، على الساحل الجنوبي لخليج عدن، ويحده شرقًا إقليم بونتلاند، وجنوبًا إثيوبيا، وغربًا جيبوتي. أعلن الإقليم انفصاله من جانب واحد عام 1991 عقب انهيار الدولة الصومالية المركزية، مستندًا إلى كونه كان محمية بريطانية مستقلة حتى عام 1960 قبل اتحاده مع الصومال الإيطالي لتشكيل جمهورية الصومال.
منذ ذلك الحين، بنى الإقليم مؤسسات حكم ذاتي فاعلة نسبيًا مقارنة ببقية الصومال، تشمل حكومة منتخبة، وبرلمانًا، وأجهزة أمنية، وعملة محلية، ونظامًا إداريًا مستقرًا، ما جعله يُقدَّم في الأدبيات الغربية كـ«جزيرة استقرار» في محيط مضطرب. ومع ذلك، لم يحظَ باعتراف دولي رسمي حتى الآن، وظل يُنظر إليه قانونيًا كجزء من جمهورية الصومال.
يأتي الاعتراف الإسرائيلي في سياق تنافس متصاعد في القرن الإفريقي، حيث تتقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية حول الموانئ، وخطوط الملاحة، والأمن البحري. ويُنظر إلى ميناء بربرة، الذي استثمرت فيه شركات أجنبية خلال السنوات الأخيرة، بوصفه ورقة استراتيجية قد تعزز مكانة أرض الصومال اقتصاديًا وأمنيًا.
في المقابل، ترى مقديشو وحلفاؤها أن أي اعتراف أحادي يهدد وحدة الصومال، ويقوّض الجهود الدولية لإعادة بناء الدولة، ويفتح الباب أمام صراعات قانونية وسياسية جديدة في منطقة تعاني أصلًا من هشاشة أمنية.
والاعتراف الإسرائيلي يمنح شرعية دولية غير مباشرة لمذكرة التفاهم (MoU) الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال. بذلك، تدعم إسرائيل رغبة إثيوبيا في الوصول إلى البحر الأحمر عبر أرض الصومال. ووجود إثيوبيا في ميناء بربرة قد يعني وجود “قوة وكيلة” تضمن أمن السفن المتجهة إلى إيلات.
لكن هذا التحالف يضع كلاً من مصر (المتوجسة من سد النهضة) وتركيا (التي تدعم وحدة الصومال) في موقف دفاعي، حيث تجد نفسها أمام واقع جديد يسيطر فيه “المثلث” على مدخل خليج عدن.
وبدلاً من الاكتفاء بعلاقات سرية، تسعى إسرائيل لتحويل أرض الصومال إلى “مركز إنذار مبكر” استخباراتي وعسكري متقدم، مما يقلص زمن الاستجابة للهجمات القادمة من اليمن.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن هذا الاعتراف سيعزز من مكانة ميناء بربرة الذي تديره “موانئ دبي العالمية”، ما يضمن تحويل الحركة الملاحية من جيبوتي (التي تستضيف قواعد صينية وفرنسية وأميركية) إلى بربرة، ليكون ميناءً “خالصاً” لحلفاء الغرب وإسرائيل. وقد توفر إسرائيل تكنولوجيا “الموانئ الذكية” وتأمين السواحل عبر الطائرات بدون طيار لحماية الاستثمارات في الإقليم.
من جانبه، يحاكي النموذج الذي اتبعه رئيس أرض الصومال عبدالرحمن محمد عبدالله النموذج المغربي، فهو يدخل نادي الاعتراف الدولي من بوابة الاتفاقيات الإبراهيمية، كما فعل المغرب في ملف الصحراء الغربية.
المصدر:
الحرة