يربط مراقبون بين استمرار المشهد المدمر الذي يعيشه السودان حاليا، ومخاوف قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ومساعديه الثلاثة من التبعات القانونية للجرائم المرتكبة خلال السنوات الست الماضية، بما فيها مقتل واصابة أكثر من 6 آلاف شخص في فض اعتصام الثوار أمام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019، والمظاهرات الرافضة لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021. فإلى ماذا يستند ذلك الربط؟
يحمّل المراقبون قادة الجيش الحاليين مسؤولية تلك الجرائم، ويتهمونهم بالتنسيق مع قيادات تنظيم الإخوان لاستعادة سلطتهم التي فقدوها بعد الإطاحة بهم بثورة شعبية في أبريل 2019.
ويقول المراقبون إن قادة الجيش الذين كانوا على رأس المجلس العسكري الحاكم عند وقوع جريمة فض الاعتصام، والذين شاركوا في تنفيذ أكتوبر 2021 عملوا بالتعاون مع تنظيم الإخوان على إفشال جميع المبادرات الدولية والإقليمية العشر التي سعت لوقف الحرب منذ الأسابيع الأولى من اندلاعها في أبريل 2023 بهدف محاولة الإفلات من العقاب عبر إعادة تمكين عناصر الإخوان في مفاصل الدولة الأمنية والعدلية.
ويرى المراقبون أن محاولات إعادة تعريف فض الاعتصام وانقلاب أكتوبر وإطالة أمد الحرب، أو طمس المسؤوليات، أو إغراق المشهد في صراعات جديدة، لا يمكن قراءتها بوصفها تصرفات تكتيكية عابرة، بل كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل ميزان القوة بما يمنع الوصول إلى العدالة.
وينبهون إلى أن أي انتقال مدني حقيقي سيفتح ملف هذه الجريمة، وهو ما يجعل بقاء السلطة في يد المتورطين شرطا أساسيا لتعطيل العدالة.
وتكمن أسباب الخوف في أن جرائم فض الاعتصام ومظاهرات ما بعد الانقلاب لم تكن أحداثا سياسية عابرة، بل "جرائم موثقة ذات أركان واضحة تعاقب عليها أكثر من 20 مادة في القانون الدولي والمحلي"، بحسب تعبير الخبير القانوني المعز حضرة.
ويشدد حضرة في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" على ضرورة فهم التعقيدات الحالية في المشهد السوداني من زاوية البعد القانوني للجرائم التي تطال فيها الاتهامات القادة العسكريين، مشيرا إلى صعوبة الوصول إلى محاسبة عادلة في ظل سلطة هي نفسها محل اتهام.
ويوضح: "هذه المعضلة تفسر بشكل جلي سبب إعاقة قادة الجيش للمبادرات المطروحة في ظل سعيهم للبقاء في السلطة التي تمنحهم حصانة قد تنجيهم مؤقتا فقط من الإفلات من العقاب على جرائم لا تنتهي بالتقادم اصلا".
سياق الربط القانوني
يشدد الخبير القانوني والمستشار في برامج الأمم المتحدة إسماعيل مضوي، على أن المعطيات الماثلة تؤكد أنه لا يمكن فصل السلوك السياسي والعسكري للبرهان ومساعديه عن السياق القانوني لجرائم فض الاعتصام والتعامل الوحشي مع المحتجين على انقلاب أكتوبر 2021.
ويوضح مضوي لموقع "سكاي نيوز عربية": "التجربة السودانية، كما تجارب الدول الخارجة من النزاعات، تؤكد أن التمسك بالسلطة في مراحل ما بعد الجرائم الكبرى غالبا ما يكون مدفوعا بهاجس الحصانة لا بهاجس الحكم".
ويتفق مضوي مع الفرضية التي تشير إلى أن الهدف من انقلاب أكتوبر هو إجهاض مسار العدالة على جرائم فض الاعتصام، ويقول: "منذ انقلاب البرهان على السلطة المدنية في 2021، لم يُطرح أي مسار جاد للتحقيق المستقل أو المحاسبة. بل على العكس، جرى تفريغ المؤسسات، وتسييس القضاء، وإضعاف النيابة... هذا السلوك لا يفسَّر سياسياً فقط، بل قانونياً ايضا بما يشير الى أن الانقلاب كان فعلاً وقائياً لحماية قيادات بعينها من المساءلة".
الحرب وسيلة للإفلات
يتهم مراقبون قادة الجيش وتنظيم الإخوان باستخدام الحرب الحالية لإعادة ترتيب الأولويات، ومسح الجرائم السابقة عن ذاكرة السودانيين.
وفي الواقع، أدت الحرب، التي قتل فيها أكثر من 150 ألف شخص حتى الآن، إلى تعطيل أي حديث عن العدالة الانتقالية تحت مبرر "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، ودمرت جزءا كبيرا من الأدلة والسجلات.
ويشير المراقبون، إلى أنه وفي ظل غياب دولة القانون، تصبح السلطة السياسية هي خط الدفاع الأخير عن المتورطين في الجرائم. ويرون أن إصرار البرهان على البقاء في المشهد، ورفضه أي صيغة "تقلل من نفوذه"، يمكن فهمه كخوف مشروع – من وجهة نظره – من أن فقدان السلطة يعني فقدان الحماية.
وفي هذا السياق، يقول الصحفي والمحلل السياسي محمد المختار محمد إن هناك رابطا كبيرا بين إشعال الحرب الحالية ومحاولة الانفكاك من عبء الجرائم السابقة، ويوضح لموقع "سكاي نيوز عربية": "عندما وقعت الحرب أطلق الجيش سراح ضباط متهمين بالمشاركة في عملية فض الاعتصام".
لكن محمد يشكك في جدوى تلك المحاولات، ويقول "من المستحيل الانفكاك من مسؤولية تلك الجرائم، فهناك عدة اعترافات وأدلة موثقة لقيادات عليا في الجيش العليا وعناصر في تنظيم الإخوان تؤكد مسؤوليتهم".
ويضيف: "بالإضافة إلى اعترافات شمس الدين الكباشي وياسر العطا مساعدي البرهان، هناك اعتراف موثق بتفاصيل دقيقة لأحد قادة الكتائب الإخوانية أحمد خفاش الذي قتل في معارك كردفان قبل بضعة شهور، حول كيفية تنفيذ المجزرة وعدد القوات والطريقة".
وقبل الحرب بأيام هدد القيادي في تنظيم الإخوان أنس عمر بأن التنظيم لن يسمح للتحقيق في جريمة فض الاعتصام بالوصول إلى منتهاه.
فك الارتباط شرط أساسي
يحذر المراقبون من أن أي حديث عن "استقرار" أو "مرحلة انتقالية" لا يبدأ من تفكيك الارتباط بين السلطة والجريمة، لن يؤدي إلى حل أزمة السودان.
وينبه الأكاديمي والمحلل السياسي الأمين بلال إلى أن عقبة ارتباط القيادات الحالية بالجرائم المرتكبة هي إحدى أهم الأسباب التي تطيل أمد الحرب، ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "المسؤولية القانونية على جريمة فض الاعتصام والجرائم اللاحقة التي تلت انقلاب أكتوبر تقع على عاتق البرهان وقيادات الجيش الحالية باعتبارهم كانوا المكونين للمجلس العسكري الحاكم عند وقوع جريمة فض الاعتصام والمنفذين للانقلاب الذي أعقبته جرائم أدت إلى مقتل المئات".
ويضيف: "القائد العام للجيش مسؤول جنائيا وفقا لنصوص القانون الدولي والمحلي عن تلك الجرائم التي لم تكن جرائم عادية بل تضمنت عمليات إبادة جماعية وتصفيات وقتل ودهس".
المصدر:
سكاي نيوز