آخر الأخبار

إسرائيل تضيع بدون التدليل الأميركي

شارك

العلاقة الفريدة بين واشنطن وتل أبيب

من أكثر العلاقات غرابة بين الدول، هي علاقة واشنطن وتل أبيب، ولطالما أثارت هذه العلاقةـ لغرابتهاـ شهية التساؤل، لا سيما أن الدولتين لا ترتبطان باتفاقية دفاع مشترك، كما هو الحال، مع الولايات المتحدة وحلفائها مثل اليابان، الفلبين، وكوريا الجنوبية، وأعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو/ 32 عضوا).

وتتبوأ إسرائيل، رأس "قائمة مُقتصرة" من الحلفاء الأساسيين "المدللين" من خارج الناتو، التي لا تتمتع بامتياز الوصول إلى أحدث المنصات والتقنيات العسكرية الأميركية وحسب، وإنما بـ"التدليل المالي" وتحصينه بالقوانين والتشريعات، بلغت بحسب آخر تقارير أصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأميركي CFR نحو 310 مليارات دولار.

وبخلاف من يصنفون بـ"أعداء إسرائيل"، الذين بوسعهم الوصول، إلى أسلحة من مصادر متعددة دون قيود سياسية تُذكر، يُعد اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة، اعتمادا مطلقا، يكاد يكون مستحيلا أن تحل محله بدائل أخرى، إذ لا يمكن لأي من منصات كبار مصنعي الأسلحة، الآخرين في العالم اليوم، مثل بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، أن تحل محل الولايات المتحدة، كمصادر أساسية لا غنى عنها لتسليح الجيش الإسرائيلي.

وسياسيا، كان الدعم الأميركي بمثابة "الهبة الدائمة" لليمين الإسرائيلي، كما قال دانيال ليفي، المستشار السابق للحكومة الإسرائيلية: "لولا الدعم الأميركي، لما كان لليمين شرعية".

قبل وفاته عام 2008، جادل السيناتور الأميركي الراحل جيسي هيلمز بأن موطئ القدم العسكري الذي تقدمه إسرائيل لواشنطن في منطقة أمنية شديدة الهشاشة، يبرر تكلفة المساعدات العسكرية الأميركية لها، قائلا بصراحة إنهاـ أي إسرائيل ـ تعتبر " حاملة الطائرات الأميركية في الشرق الأوسط".

تشير استطلاعات الرأي إلى أن الدعم لإسرائيل بين الشعب الأميركي يتضاءل، وفي السياق، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب في مارس/آذار من العام الجاري، أن 46% فقط من الأميركيين أعربوا عن دعمهم لإسرائيل، وهو أدنى مستوى منذ 25 عاما من المتابعة السنوية التي أجرتها غالوب

القوانين الأميركية… والاستثناء الإسرائيلي

وطالما عطلت واشنطن تشريعات، من أجل عيون تل أبيب، إذا كان فحواها، سيؤدي إلى تعثر تدفق السلاح إليها، متحررا من أي قيود سياسية أو أخلاقية.

إعلان

فمن المعروف أن "قانون ليهي"، الذي يشير إلى حكمين قانونيين، أحدهما تُطبقه وزارة الخارجية، والآخر وزارة الدفاع، يُقيدان المساعدة الأمنية الأميركية لوحدات قوات الأمن الأجنبية، التي يُشتبه في تورطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

ويهدف هذان القانونان، إلى منع الولايات المتحدة، من دعم انتهاكات حقوق الإنسان، بشكل غير مباشر، وذلك بضمان عدم تقديم المساعدة، للوحدات التي لديها سجل من هذه الانتهاكات.

ويقول بعض أساتذة القانون، وغيرهم من النُقاد، إن الولايات المتحدة لم تُطبق قانون ليهي، على إسرائيل كما فعلت، مع دول أخرى في الشرق الأوسط.

في حوار له، مع الإذاعة الوطنية العامة National Public Radio"/أميركا" قال باتريك ليهي، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت، الذي سُمي هذا القانون باسمه، إن الولايات المتحدة، تنتهك هذا القانون باستمرارها في تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل خلال حرب غزة.

وظلت مقتضيات التفوق العسكري النوعي، بمثابة العمود الفقري للمعونة العسكرية الأميركية لإسرائيل لعقود من الزمن، وقد تم تأصيله وشرعنته رسميا في القانون الأميركي في عام 2008، حيث يُلزم هذا القانون الحكومة الأميركية بالحفاظ على قدرة إسرائيل على "هزيمة أي تهديد عسكري تقليدي ذي مصداقية من أي دولة منفردة، أو تحالف محتمل من الدولن أو من جهات فاعلة غير حكومية".

بموجب قانون عام 2008، يتعين على الولايات المتحدة، تأمين التفوق العسكري المطلق لإسرائيل، من خلال ألا تؤدي أي أسلحة، تُقدمها واشنطن، لدول أخرى في الشرق الأوسط، إلى اختلال هذا التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، لصالح أي تهديدات محتملة.

وفي عدة حالات، تطلب هذا الأمر من الولايات المتحدة، تزويد إسرائيل بأسلحة تعويضية، كجزء من مبيعات أسلحة إقليمية أوسع، كما ضمن التفوق العسكري النوعي، أن تكون إسرائيل أول دولة في المنطقة تحصل على أحدث الأسلحة والمنصات العسكرية الأميركية، مثل المقاتلة الشبح "إف-35″، حيث ارتفع عددها إلى 42 طائرة من أصل 50 طائرة كان متفقا عليها.

يأتي هذا بعد أن بدأت القوات الجوية الإسرائيلية بتسلم طائرة "إف-35" عام 2017، حيث دخلت هذه الطائرة الخدمة الفعلية منذ عام 2018، وذلك بحسب آخر تقرير لمنصة "شبكة الدفاع" صدر في مايو/أيار 2025.

كما ساندت إدارة بايدن الحكومة الإسرائيلية، بعد أن تقدم محققو المحكمة الجنائية الدولية، بطلبات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت بعد إدانتهما بارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية، خلال العدوان الأخير على غزة. ووصف البيت الأبيض ـ آنذاك ـ قرار المحكمة الجنائية الدولية، بأنه "مُشين" و"خاطئ للغاية".

وفي السنوات الأخيرة، تنامى الجدل بين قطاع ليس بالقليل، من النخب السياسية والمختصين في علم استشراف المستقبل، بشأن ما إذا كان قد حان، وقت فطام طفل أميركا المدلل "إسرائيل"، وبلغ الجدل حد المطالبة، بضرورة مراجعة المساعدات الأميركية لتل أبيب، استنادا إلى أنها قد باتت "دولة غنية"، تحتل الترتيب رقم 14 بين الدول الأغنى في العالم، من حيث نصيب الفرد، فضلا عن أنها تتمتع بواحد، من أكثر الجيوش تقدما في منطقة الشرق الأوسط، وعلى عكس إسرائيل، في حقبة الحرب الباردة، في سبعينيات القرن الماضي، عندما بدأت كميات كبيرة، من المساعدات الأميركية، تتدفق، فإن إسرائيل الحديثة باتت قادرة على توفير أمنها بنفسها.

إعلان

ونقل مجلس العلاقات الخارجية الأميركي،عن ستيفن أ. كوك ـ الباحث البارز في المجلس ـ في مايو/أيار 2024، قوله إنه " يتعين إلغاء المساعدات العسكرية الأميركية تدريجيا على مدى عشر سنوات واستبدالها بسلسلة من الاتفاقيات الثنائية بشأن التعاون الأمني، وهي خطوة يقول إنها ستفيد كلا البلدين وتساعد في تطبيع علاقاتهما".

وكتب الراحل مارتن س. إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، على موقع "إكس": لقد حان الوقت لإسرائيل، في عامها الـ 75، أن تقف على قدميها"، فيما يرى آخرون، أن المساعدات الأميركية، في الواقع تضعف القاعدة الصناعية الدفاعية لإسرائيل، في حين تعمل في المقام الأول كمصدر مضمون للإيرادات لشركات المقاولات الدفاعية الأميركية.

وفي حين يعتقد خبراء إسرائيليون، أن إسرائيل تتصرف باستقلالية أحيانا، وربما أكثر مما قد يتوقعه المرء في علاقة غير متكافئة تماما كهذه، فإنه باستثناءات يصفها الإسرائيليون بـ"القليلة"، كانت السياسة الأميركية العامل الحاسم الرئيسي في جميع قرارات الأمن القومي الرئيسية التي اتخذتها إسرائيل تقريبا منذ نشوء هذه العلاقة الخاصة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وفي كثير من الحالات قبل ذلك بوقت طويل.

تحولات الرأي العام الأميركي وتراجع الدعم لإسرائيل

لقد سجل المدققون من المحللين السياسيين، مؤشرات جادة، لتراجع دعم إسرائيل بين الشباب الأميركيين، الذين أصبحوا اليوم أقل تعاطفا مع إسرائيل مقارنة بالجمهور الأميركي ككل، ويعود ذلك أساسا إلى القضية الفلسطينية، وقد تكون العواقب على المديين المتوسط والطويل وخيمة، إذ يكتسب هؤلاء الشباب، الذين يتمتعون بالفعل بأهمية انتخابية، مناصب مؤثرة.

وتجري الآن عملية إشكالية مماثلة بين الشباب اليهود الأميركيين، الذين أصبح شعورهم بالهوية اليهودية عموما، وتعاطفهم مع إسرائيل، أضعف كثيرا من شعور كبار السن. وذلك بالتزامن مع تقويض معدلات المواليد المنخفضة، والزواج المختلط، والاندماج الاجتماعي، قوة الجالية اليهودية ودعمها، التي تُشكل أساس دعم إسرائيل في الولايات المتحدة الذي لا غنى عنه، كما شرح ذلك تفصيلا في نيوزويك، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشارلز د. تشاك فريليتش.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الدعم لإسرائيل بين الشعب الأميركي يتضاءل، وفي السياق، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب في مارس/آذار من العام الجاري، أن 46% فقط من الأميركيين أعربوا عن دعمهم لإسرائيل، وهو أدنى مستوى منذ 25 عاما من المتابعة السنوية التي أجرتها غالوب، بينما أعرب 33% الآن عن تعاطفهم مع الفلسطينيين، وهي أعلى نسبة على الإطلاق لهذا المقياس. وقد توصلت استطلاعات رأي أخرى إلى نتائج مماثلة.

إذ تشير الاستطلاعات – مع كل ما يشوبها من قصور – إلى أن هذا التحول يتركز بشكل كبير بين الديمقراطيين والشباب، وإن لم يكن حصريا.

وبين عامي 2022 و2025، وجد مركز بيو للأبحاث أن نسبة الجمهوريين الذين قالوا إن لديهم آراء سلبية تجاه إسرائيل ارتفعت من 27% إلى 37% (وكان الجمهوريون الأصغر سنا، الذين تقل أعمارهم عن 49 عاما، هم الدافع الرئيسي وراء هذا التغيير).

ويقول تقرير موسع لثلاثة محققين في "بي بي سي"، نشر في مايو/أيار 2025 إن البعض داخل إسرائيل يشعر بهذه المشكلة بشكل حاد، فقبل بضعة أشهر من السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حذر الجنرال الإسرائيلي السابق ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، تامير هايمان، من تصدعات في العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة، ويعود ذلك جزئيا إلى ما وصفه بتباطؤ ابتعاد اليهود الأميركيين عن الصهيونية.

وفي مارس/آذار من هذا العام، نشر معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث رائد في تل أبيب بقيادة هايمان، ورقة بحثية تُجادل بأن الرأي العام الأميركي قد دخل "منطقة الخطر" فيما يتعلق بدعم إسرائيل.

إعلان

وكتب مؤلف الورقة، ثيودور ساسون: "لا يُمكن المبالغة في تقدير مخاطر تراجع الدعم الأميركي، لا سيما أنه يعكس اتجاهات طويلة الأمد ومتجذرة". وأضاف: "إسرائيل بحاجة إلى دعم القوة العظمى العالمية في المستقبل المنظور".

وينوه التقرير إلى أن أولئك الذين يلاحظون توتر العلاقة يُولون اهتماما خاصا لآراء الشباب الأميركي – وهي فئة أظهرت أكبر تحول في الرأي العام منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. بصفتهم "جيل تيك توك"، يحصل العديد من الشباب الأميركي على أخبار الحرب من وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أن ارتفاع عدد الشهداء المدنيين جراء الهجوم الإسرائيلي على غزة، قد أدى إلى تراجع الدعم بين الشباب الديمقراطيين والليبراليين في أميركا.

وفي العام الماضي، قال 33% من الأميركيين دون سن الثلاثين إن تعاطفهم ينصب كليا أو جزئيا على الشعب الفلسطيني، مقابل 14% قالوا الشيء نفسه عن الإسرائيليين.

في الوقت الحالي، لم تُفضِ هذه التحولات في الرأي العام إلى تغيير كبير في السياسة الخارجية الأميركية. فبينما يُبدي بعض الناخبين الأميركيين العاديين ابتعادهم عن إسرائيل، فإنه لا يزال معظم السياسيين المنتخبين من كلا الحزبين في الكونغرس حريصين على إبراز أهمية التحالف القوي مع إسرائيل.

وأكدت كارين فون هيبل، رئيسة قسم ممارسات الدفاع والأمن في شركة أردن والمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية- في حديث مع "بي بي سي"- اتفاقها على وجود انقسام ديمغرافي بين الأميركيين بشأن موضوع إسرائيل، وهو الانقسام الذي يمتد حتى إلى الكونغرس.

لكنها شككت في أن يؤدي هذا إلى تغيير جذري على مستوى السياسات. فعلى الرغم من تغير آراء قاعدة الحزب، تقول إن العديد من أبرز الديمقراطيين الذين قد يترشحون للرئاسة عام 2028 "يدعمون إسرائيل بشكل تقليدي".

وتستشهد بغريتشن ويتمر، حاكمة ميشيغان، وبيت بوتيجيج، وزير النقل السابق، كمثالين. وعندما سئلت وماذا عن ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، عضوة الكونغرس الشهيرة على إنستغرام، والمؤيدة الدائمة لحقوق الفلسطينيين؟ ردت هيبل بصراحة: "لا أعتقد أن شخصا مثل أوكاسيو كورتيز يمكنه الفوز الآن".

وأيا ما كان الأمر، فإن الرأي الغالب، يعتقد أن تحولا مستداما وطويل الأمد في الرأي العام الأميركي وبالتراكم، قد يؤدي في النهاية إلى تراجع الدعم الفعلي للدولة اليهودية، مع ضعف العلاقات الدبلوماسية، وتقليص المساعدات العسكرية، بمضي الوقت، إلى أدنى مستوياته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا