آخر الأخبار

جنوب لبنان: عامٌ على هدنة حزب الله وإسرائيل والنار ما زالت مشتعلة

شارك
مصدر الصورة

في بعض قرى الجنوب اللبناني، لا سيّما ما يُسمّى بقرى الشريط الحدودي المقابلة لإسرائيل، لا شيء يوحي بأن الحرب قد انتهت.

لا تزال بلدات بأكملها منكوبة بينما عشرات الآلاف مهجرون غير قادرين على العودة إلى بيوتهم وقراهم، وفوق كل ذلك تستمر الغارات الإسرائيلية شبه اليومية على ما يقول الجيش الإسرائيلي إنها أهداف تابعة لحزب الله.

مرّ عام كامل من دون أي مظاهر عودة جماعية أو استعدادات لإعادة البناء ما عدا بعض المبادرات الفردية بما تيسّر. أما إعادة الإعمار المنهجية والمنظمة التي يُفترض أن تلي كل حرب، فتحوّلت إلى ورقة ضغط على حزب الله والناس والسلطات، ورقة شديدة الإيلام.

"لإعادة الإعمار شرط، وهو ليس بيدي ولا بيدك"، يقول محمد (ليس اسمه الحقيقي) بكثير من الأسى.

فقد بات مسلّماً به بأن لبنان لن يحصل على أي أموال خارجية لإعادة الإعمار قبل أن يسلّم حزب الله سلاحه وهو ما يرفضه الحزب بشكل قاطع خارج منطقة جنوبي الليطاني، وذلك بالرغم من أن الحكومة اللبنانية أقرّت خطة لنزع سلاح كل المجموعات المسلحة ومن ضمنها حزب الله، من كافة الأراضي اللبنانية.


*
* مصدر الصورة

يعيش محمد وأولاده في مدرسة خاصة في قضاء صور.

انتقل إليها مهجَّرون بعد اندلاع الحرب الواسعة في أيلول/ سبتمبر الماضي، ولم تُعِد فتح أبوابها من جديد بعد انتهاء المعارك.

يعاني محمد من مرض السكري، ويُضطر يومياً لضبط المنبه على ساعة باكرة جداً ليتمكن من استخدام المرحاض قبل أن تصحو العائلات الأخرى التي تبيت في المدرسة، فعدد المراحيض هناك لا يكفي للجميع في ساعة الذروة.

يروي محمد أن "الضيعة مدمّرة ولم يبق حجر على حجر".

لا يقصدُها أهلها إلا للمشاركة في دفن أحد الأهالي وذلك بعد تبليغ الجيش وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان- اليونيفيل. فهم يخشون أن تقصف إسرائيل في أي لحظة.

كان محمد يعتاش من زراعة القمح والزيتون في أراض واسعة يملكها في بلدته. اليوم لا يمكنه حتى تأمين ثلاث وجبات في اليوم لعائلته، ويشير إلى أن الوضع أصبح صعباً للغاية. ويضيف: "أول فترة نزوحنا عن بلداتنا بسبب الحرب كانت تأتينا مساعدات، ولكن بعد ذلك لم يعد يأتي أحد للسؤال عنا أو مساعدتنا".

مصدر الصورة

"مسيّرة تحريضية"

بحسب تقديرات منظمة الهجرة العالمية فإن أكثر من 64 ألف شخصٍ لا يزالون مهجَّرين. لا يحصل هؤلاء على أي مساعدات أو إعانات من الدولة اللبنانية.

من هنا وُلد "تجمّع أبناء القرى الحدودية الجنوبية" بهدف المطالبة بإعادة الإعمار وبالاهتمام بأوضاع المهجرين المعيشية.

هو عبارة عن مبادرة أهلية تجمع أعضاء من أكثر من ثلاثين قرية حدودية، أبصرت النور منذ نحو الخمسة الأشهر ويعمل أعضاؤها حاليا على الاستحصال على ترخيص رسمي لها.

"نحن لا نعمل بالسياسة. نحن فقط أنشأنا تجمُّعاً للمطالبة بحقوق النازحين الذين ليس هناك من يسأل عنهم منذ وقت اتفاق وقف إطلاق النار تقريباً"، يقول منسّق أعمال التجمّع المهندس طارق مزرعاني. ويضيف: "لا نتدخل بالسياسة. والتجمُّع يضمّ مختلف قرى الشريط الحدودي وهي متنوعة الطوائف والمذاهب. وقد كان شرطنا الأساسي أنه لا نريد أن يتكلّم أحد بالسياسة".

في 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بثّت مسيّرة إسرائيلية رسالة تحريضية فوق بلدات عدة جنوبية ضد مزرعاني. تقول الرسالة: "الآن جاؤوا عليكم بقناع تاجر الأرض. المهندس طارق مزرعاني يستمر في مؤامرته - لاحقوهم واطردوهم حتى يعود الأمن ويتمّ الإعمار".

وسط الهلع الذي اعترى عائلة مزرعاني وجيرانه خشية استهدافه عسكرياً، ارتأى الابتعاد عن المبني الذي يقطن فيه.

لا يعرف مزرعاني السبب وراء التحريض الإسرائيلي عليه. ولكنه يقول: "التحليل وهو تحليل يعني يمكن ألا يكون صحيحاً - هو أن الإسرائيليين ربما لا يريدون أن يتحدث أحد بالإعمار إلا ضمن الشروط التي يريدونها".

سألت بي بي سي الجيش الإسرائيلي عن سبب توجيه الرسالة التحريضية ضد مزرعاني، لكنه لم يقدم تفسيراً واضحاً. اكتفى بالقول إنه يتحرك وفق القانون الدولي لاستهداف ما يصفه بمحاولات حزب الله لإعادة بناء بنيته التحتية في الجنوب.

والواقع أن المسيّرات الإسرائيلية تحوّلت إلى مشهد اعتيادي في سماء الجنوب - منها ما هو للمراقبة والتجسس ومنها ما يُطلق صواريخ.

مصدر الصورة

"خروقات" متواصلة

بحسب الأمم المتحدة ومنذ إعلان وقف الاعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل تم رصد أكثر من 7500 خرق جويّ إسرائيلي ونحو 2500 نشاط للجيش الإسرائيلي شمالي الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل.

تقول قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إنها اكتشفت في العام الماضي أكثر من 360 مخزن سلاح وبنى تحتية عسكرية غير مرخّصة في جنوبي الليطاني، أحيلت جميعها إلى الجيش اللبناني.غير أن الأمم المتحدة تؤكد أنها لم ترصد أي دليل على وجود أي بُنى تحتية جديدة لحزب الله تُبنى في جنوبي الليطاني.

إسرائيل من جانبها تقول إن هجماتها المتواصلة تهدف لمنع حزب الله من إعادة ترميم قدراته العسكرية. لكنّ مدنيين أيضاً قُتلوا في القصف الإسرائيلي في العام الأخير – تقول الأمم المتحدة إن عدد هؤلاء نحو 127 مدنياً.

إبراهيم سلامة كان موظفاً في بلدية بليدا. الشهر الماضي توغلت قوة عسكرية إسرائيلية في وقت متأخر من المساء إلى البلدة ودخلت مبني البلدية حيث كان نائماً. لا يُعرف بالتحديد ما الذي حدث داخل المبنى لكن القوة الإسرائيلية قتلت سلامة.

يؤكد ابنه موسى أن والده كان مدنياً وأنه لم يخطر يوماً ببال العائلة أن يكون مستهدفاً. يدلّنا موسى على صورة مرفوعة لوالده مع العلم اللبناني، مشيراً إلى أنه كان يتقصّد أن يلتقط صوراً بجانب العلم ليؤكد أن "عمله عملُ دولة بامتياز كفتح طرقات أو الزراعة ولم يكن له أي طابع حزبي نهائياً".

سلامة الأب كان قد انتقل للعيش في مبنى البلدية بعد أن دُمّر منزله في البلدة. "حتى المسيّرات (الإسرائيلية) تعرفه وتعرف متى يخرج ليدخّن ومتى يخرج من البلدية ويدخل البلدية. كل شيء معروف"، يقول ابنه الشاب الذي يدرس الطب في موسكو. ويضيف: "والدي موظف في البلدية منذ ٢٠ عاماً، ومن يوم يومه لا يحبّ الأحزاب. لا أقول لا يحبّ، ولكنه محايد. عمله في البلدية لا يمثل أي حزب- يمثل الدولة"، يقول سلامة.

سألت بي بي سي الجيش الإسرائيلي عن مقتل سلامة فأشار إلى أنه تمّ التحقيق بما حدث وتبيّن أنه "خلال نشاط مخصص لقوات الجيش الإسرائيلي لتدمير بنية تحتية إرهابية تابعة لتنظيم حزب الله الإرهابي، رصد المقاتلون مشتبهاً به داخل المبنى المذكور، وبدأوا في تنفيذ إجراء اعتقال المشتبه به، وتصرفوا كما هو مطلوب عندما ردّوا بإطلاق النار بعد أن شعروا بتهديد فوري".

وأكمل الجيش الإسرائيلي: "المبنى الذي نُفذت فيه المداهمة استُخدم مؤخراً لأنشطة إرهابية لحزب الله، وسيواصل الجيش الإسرائيلي العمل لإزالة أي تهديد على دولة إسرائيل".

مصدر الصورة

عجز الحكومة

في ظل هذا الواقع تبدو الحكومة اللبنانية وكأنها محاصرة - فمن جانب لا يستجيب حزب الله لطلبها سحب السلاح من كافة الأراضي اللبنانية. ومن جانب آخر، تزيد الضغوط الخارجية والداخلية عليها لتنفيذ تعهّدها بحصر السلاح بيد الجيش فقط.

طرح رئيس الجمهورية مبادرة للتفاوض مع إسرائيل على كل الملفات العالقة، لكنه حتى اللحظة لم يلق جواباً.

في الانتظار، أي مساعدات ضرورية لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار معلّقة إلى حين البتّ بموضوع سلاح الحزب. فلا يمكن للبنان المتهالك اقتصادياً أن يتكفّل بورشة إعادة إعمار تُقدّر كلفتها بأكثر من عشرة مليارات دولار.

ففي زيارة له إلى صيدا في الجنوب الشهر الماضي، أعاد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام التأكيد على أن "العودة والإعمار توأمان لا يفترقان" معتبراً أن ذلك التزام ثابت منه ومن حكومته.

لكنه أضاف: "الصراحة تقتضي الاعتراف أن ما كنّا ننتظره من مساعدات لإعادة الإعمار قد تأخر. إلا أن هذا لن يثنينا عن الاستمرار في السعي الدؤوب مع أشقائنا وأصدقائنا لعقد مؤتمر دولي يهدف إلى تأمين التمويل اللازم لإعادة الإعمار".

في العام الماضي حُكي الكثير عن هذا المؤتمر ولكنه لم ينعقد ولم يُحدّد حتى تاريخ له. فللتمويل شروط واضحة تتمحوّر حول حزب الله وسلاحه ومصيره كتنظيم عسكري.

أما شعبيّة حزب الله بعد عام على انتهاء حرب أنهكته وأنهكت جمهوره بشكل كبير، فالانتخابات النيابية المقبلة في شهر أيار/ مايو المقبل، قد تشكل المؤشر الأدق على حجمها وعلى تأثرها بكل ما حدث.

عام على الحرب الواسعة. لا تزال أجزاء من الجنوب محتلة من قبل إسرائيل. في بعض القرى الحدودية أنقاضٌ لم تُرفع جميعها بعد. وبدل وُرش إعادة الاعمار، خشية من حرب أخرى قد تكون وشيكة.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا