آخر الأخبار

حاكم تكساس يشنّ حرباً على الشريعة الإسلامية

شارك

عندما دعا حاكم تكساس غريغ أبوت، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى فتح تحقيق رسمي بشأن ما سماه "محاكم الشريعة"، لم يستند في دعوته إلى أي أدلة أو شكاوى أو مخالفات قانونية. لقد كان عرضا سياسيا.

لا توجد محاكم شريعة في تكساس- بل توجد فقط هيئات تحكيمية طوعية للمسلمين تعمل وفقا للإطار نفسه الذي تعتمده محاكم "بيث دين" اليهودية وخدمات التحكيم المسيحية.

ومع ذلك، كتب أبوت في رسالة أرسلها إلى وكلاء النيابة ومأموري الشرطة مطالبا بالتحقيق:
"لا تمنح الحماية الدينية في الدستور أي سلطة للمحاكم الدينية لتجاوز القوانين الفدرالية أو قوانين الولاية بمجرد ارتداء القضاة أثوابا والنطق بأحكام تتعارض مع الحضارة الغربية". موحيا بأن المسلمين يبنون سرا نظاما قانونيا موازيا.

هذا ليس تطبيقا للقانون، بل مسرحية سياسية تهدف إلى إثارة الخوف.

في اليوم السابق، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر أبوت أمرا تنفيذيا بتصنيف "مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية" (CAIR)- وهو أكبر منظمة حقوق مدنية للمسلمين في الولايات المتحدة – كـ"منظمة إرهابية أجنبية".

ولم يستند الأمر إلى أي جرائم أو عنف أو مؤامرات أو سوابق قضائية. بل كان ادعاء جارفا بأن منظمة حقوق مدنية أميركية تمثل تهديدا للأمن القومي.

سارع المحامون إلى الإشارة إلى أن أبوت لا يملك السلطة القانونية لتصنيف المنظمات كـ"إرهابية أجنبية"، فهذه الصلاحية محفوظة للحكومة الفدرالية. لكن مرة أخرى، لم يكن الهدف الدقة القانونية.

كان هذا الأمر عديم الفاعلية يهدف إلى إرسال رسالة سياسية أكثر من كونه خطوة قانونية. وقد صُمّم لتصوير المسلمين الأميركيين ومؤسساتهم على أنهم مشبوهون، ومشاركتهم المدنية على أنها خطر أمني.

ليس الجمهوريون وحدهم من أجّج هذا الذعر من المسلمين؛ فصحف كبرى وسياسيون ليبراليون، وحتى مؤسسات حقوق مدنية، تبنّت أحيانا الإطار الأساسي ذاته الذي يصوّر الشريعة الإسلامية على أنها "غريبة"

مناورات سياسية مبنية على ادعاءات زائفة

تصرفات أبوت ليست سوى نتاج أحدث لحلقة طويلة من الذعر الأميركي المصطنع الذي يحوّل مظاهر الحياة الإسلامية العادية إلى "تهديد وجودي". لقد ظل هذا الخطاب يعمل منذ عقود، مكررا استخدام "الشريعة" كسلاح سياسي.

إعلان

فعلى سبيل المثال، في أواخر العقد الأول من الألفية، قاد ناشطون مثل ديفيد يروشالمي، ومنظمات مثل "ACT for America" حملة وطنية منسقة دفعت مشرّعين في أنحاء البلاد إلى تقديم مشاريع قوانين "مناهضة للشريعة".

وخلال أوائل العقد التالي، درست أكثر من 40 ولاية قوانين تمنع المحاكم من تطبيق "القانون الأجنبي". وهو مصطلح رمزي يُفهم ضمنا بأنه يعني "الشريعة الإسلامية".

وفي المثال الأكثر تطرفا، صوّت سكان أوكلاهوما لصالح تعديل دستوري يحظر الشريعة وتطبيق القانون الدولي. وعندما طُعن في القانون، أوقفه قاضٍ فدرالي.

وقد كشفت الطعون القانونية- في تلك الحالة وغيرها- أن هذه الإجراءات لم تكن استجابة لمشاكل قانونية حقيقية، بل كانت مناورات سياسية. ومع ذلك، نجحت الحملة الأوسع في ترسيخ فكرة أن الممارسة الدينية للمسلمين تُعد تهديدا للأمن القومي، ومهّدت الطريق لتصعيدات لاحقة، من بينها تصرفات أبوت اليوم.

قبل أشهر من دعوة أبوت للتحقيق في "محاكم الشريعة"، استُهدف مشروع عقاري بقيادة مسلمين في تكساس بتحقيق من وزارة العدل، ووُصف على الإنترنت بأنه "مستعمرة شريعة".

وجرى إبلاغ السكان المحليين بأن الحي سيخضع للحكم الإسلامي، وأن غير المسلمين سيُستبعدون، وأن المشروع جزء من "الزحف الإسلامي". كل تلك الادعاءات كانت زائفة: كان المشروع مفتوحا للجميع، وكان يسعى فقط إلى معالجة أزمة الإسكان في المنطقة.

أغلقت وزارة العدل التحقيق في يونيو/حزيران بعد أن وجدت أنه لا وجود لأي انتهاك قانوني، ولكن في سبتمبر/أيلول، وقّع أبوت قانونا يحظر "مستوطنات الشريعة" في تكساس.

هذه الديناميكية لم تقتصر على تكساس. ففي ولاية تينيسي، جادل معارضو مسجد في مدينة ميرفريسبورو بأن الإسلام "ليس ديانة"، وبالتالي لا يستحق حماية التعديل الأول من الدستور. وقد خالفت هذه الحجة قرونا من الفقه الدستوري، لكن لم يكن ذلك مهما؛ فالمقصود كان إظهار الحياة الدينية للمسلمين على أنها غير شرعية قانونيا.

وفي ديربورن، ميشيغان- المدينة التي تضم إحدى أقدم الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة- انتشرت مرارا شائعات كاذبة تزعم أن المدينة "استولى عليها قانون الشريعة".

وقد جرى تداول مقاطع فيديو مفبركة وعناوين معدّلة وصور مأخوذة من بلدان أخرى لخلق وهم "حكم إسلامي على الأراضي الأميركية". وقد فندت تقارير التحقق من الحقائق هذه الادعاءات، ولكن الشائعات استمرت في الانتشار.

كما استُهدِف شخص مسلم بارز خلال حملته الانتخابية: عمدة مدينة نيويورك المنتخب، زهران ممداني، واجه صورا نمطية عنصرية ونظريات مؤامرة تدّعي أنه يخطط لإقامة "حكم الشريعة" إن تم انتخابه.

رغم أن أجندته لا تحتوي على أي عناصر دينية- بل تركز على المواصلات العامة والإسكان ومساءلة الشرطة- فإن كونه مسلما جعله "حصان طروادة" في نظر من يؤمن بذعر الشريعة.

وليس الجمهوريون وحدهم من أجّج هذا الذعر؛ فصحف كبرى وسياسيون ليبراليون، وحتى مؤسسات حقوق مدنية، تبنّت أحيانا الإطار الأساسي ذاته الذي يصوّر الشريعة الإسلامية على أنها "غريبة"، "سياسية"، أو "تناقض القيم الأميركية". ومن خلال القبول بهذا الإطار، حتى عندما يزعمون معارضته، فإنهم يُضفون شرعية ضمنية على البنية السردية للإسلاموفوبيا.

إعلان

روابط تاريخية

ما تكشفه هذه الحوادث المتكررة هو نمط ثابت: الذعر من الشريعة لا علاقة له بالقانون أو بالأمن أو بالمبادئ الدستورية. بل يتعلق بصراع الهوية في بلد يواجه تحولات ديمغرافية. يتعلق الأمر بمن يُسمح له بأن يكون "أميركيا"، ومن سيظل موضع شبهة دائما.

يظهر الذعر مرارا وتكرارا، لا لأنه يعكس مخاوف حقيقية، بل لأنه أداة فعّالة تُستخدم لحشد الأصوات، ولضبط حدود الانتماء المدني، ولتبرير الرقابة والتدخل الحكومي.

وما يجعل الأمر أكثر تناقضا، أن الشريعة- كما فُهمت لدى العلماء المسلمين عبر القرون- لا تشبه الكاريكاتير الذي تروّجه السياسة الأميركية. فكلمة "شريعة" في العربية تعني "الطريق إلى الماء"، وهي استعارة تدل على التغذية الروحية والأخلاقية.

إنها إطار أخلاقي واسع يهتم بالعدالة، والصالح العام، والمساءلة. وترتكز أهدافها الجوهرية- المعروفة باسم "مقاصد الشريعة"- على حماية الحياة، والعقل، والدين، والمال، والكرامة الإنسانية. وتتضمن الشريعة مبادئ متقدمة مثل "الاستحسان"، و"المصلحة"، و"العُرف"، وهي تشبه أدوات التوازن والسياق التي تعرفها الأنظمة القانونية الغربية.

فالشريعة ليست قانونا غريبا؛ بل تتقاطع في بنيتها مع التقاليد القانونية الغربية. وقد أظهر البروفيسور جون مكديسي، في مقال رائد في "مجلة قانون كارولاينا الشمالية"، أن عددا من ركائز القانون العام الإنجليزي تتشابه بشكل لافت مع مؤسسات قانونية إسلامية- وقد تكون هذه التأثيرات انتقلت عبر صقلية النورمانية.

وتكتسب هذه الروابط التاريخية أهميتها، لا لأنها تذيب الفروقات بين الأنظمة القانونية، بل لأنها تُبيّن سخافة الفكرة القائلة إن الشريعة تتناقض بالضرورة مع الحكم الغربي.

كانت الولايات المتحدة تفهم هذا الإرث يوما ما. فعند تدشين قاعة المحكمة العليا في عام 1935، زُينت بإفريز رخامي يصوّر أعظم مشرعي البشرية- من بينهم النبي محمد، ممسكا بالمصحف، رمزا للعدالة والسلطة الأخلاقية. أما اليوم، فإن مجرد الإشارة إلى هذه الحقيقة التاريخية البسيطة قد تثير الغضب.

تسليح الخوف

إن موجة الذعر الجديدة من الشريعة لا تتعلق بدخول الإسلام إلى المحاكم الأميركية، بل بدخوله إلى الحياة المدنية الأميركية. إنها تتعلق بالمشاركة السياسية للمسلمين، وتطوير المجتمعات المسلمة، وبناء مؤسساتهم، وتمثيلهم، وكلها يُعاد تصويرها على أنها "تهديد وجودي".

وبينما تدخل البلاد دورة انتخابية جديدة يغلب عليها خطاب مناهض للتعددية، ونظريات المؤامرة المعادية للمسلمين، وهجمات على برامج دراسات الشرق الأوسط، تصبح الشريعة وعاء مرنا تُسكب فيه هواجس أعمق: الخوف من أميركا متعددة.

الخطر الحقيقي ليس الشريعة. الخطر هو تلك الآلة السياسية التي تحول المسلمين الأميركيين العاديين إلى موضع شبهة، وإلى أهداف للسلطة، وإلى أدوات في حرب ثقافية لم يختاروها. فإذا كان هناك ما يجب أن يخشاه الأميركيون، فليس الشريعة الإسلامية – بل تسليح الخوف ذاته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا