لم يكد يمر يوم على رفض قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، لمقترح الهدنة الذي طرحه الوسطاء الدوليون، حتى سارع قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، إلى الإعلان عن موافقة قواته على "هدنة إنسانية" لثلاثة أشهر، في جميع محاور القتال.
وأشار قائد هذه القوات شبه العسكرية، عبر مقطع مصور مسجل، إلى أن تلك الخطوة جاءت استجابة للنداءات الدولية، قائلاً "نعلن في قوات الدعم السريع وجميع القوات المتحالفة معنا الموافقة الفورية على هدنة إنسانية تمتد لثلاثة أشهر، لتعزيز حماية المدنيين، وتيسير وصول المساعدات، وفتح بارقة أمل لشعبنا الذي أنهكته هذه الحرب".
وقد جاءت أولى ردود الفعل على إعلان دقلو، المعروف أيضاً بـ "حميدتي"، من جانب وزير الإعلام السوداني خالد الأعيسر، الذي وصف في تصريحات صحفية، هذا الإعلان بأنه "مناورة سياسية مكشوفة"، معتبراً أن ذلك "محاولة جديدة لخداع المجتمع الدولي"، على حد تعبيره.
وعلى الأرض، وبعد مرور ساعات على إعلان دقلو عن هذه الهدنة، أشارت تقارير إعلامية إلى أن عناصر من قوات الدعم السريع، هاجمت مقراً رئيسياً للجيش في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان.
ولاحقاً، أعلن الجيش السوداني أنه صد هجوماً من قبل قوات الدعم السريع على مقر الفرقة 22 بالمدينة، قائلاً إنه كبد هذه القوات "خسائر فادحة في الأرواح والعتاد".
لكن علاء نقد، الناطق الرسمي باسم تحالف "تأسيس" الموالي لقوات الدعم السريع، نفى صحة التقارير التي تتحدث عن شن هجوم في بابنوسة، وأعلن التمسك بالهدنة.
وقال نقد لـ "بي بي سي" إن قوات الدعم السريع ملتزمة بوقف القتال، داعياً إلى نشر مراقبين دوليين لرصد أي انتهاكات. وشدد على أن قائد هذه القوات نفسه دعا "إلى وجود لجنة مراقبة دولية".
وسبق أن طرحت الآلية الرباعية الدولية المعنية بالأزمة السودانية، والمؤلفة من الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، خارطة طريق لحل الأزمة، تبدأ بهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يعقبها وقف طويل لإطلاق النار.
وتنص تلك المبادرة، التي أُطلقت في سبتمبر/أيلول الماضي، على بدء عملية سياسية تشارك فيها القوى المدنية، وتؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية في السودان، لا وجود فيها لطرفيْ الحرب.
وقال الوسيط الأمريكي ومستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مسعد بولس، إن الطرفين المتنازعين في السودان، رفضا خطة السلام، مشدداً خلال إحاطة صحفية من أبو ظبي، على ضرورة التوصل إلى هدنة، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
وقال إن الشعب السوداني "لن يستطيع الانتظار أكثر من ذلك لدخول المساعدات الإنسانية إلى أي مكان في السودان.ويبدو مستوى سوء التغذية والتعب، خاصة لدى الأشخاص الذين فروا من الفاشر، غير مسبوق".
وفي مدينة بورتسودان، التي تتخذ منها الحكومة السودانية عاصمة مؤقتة، قالت وزارة الخارجية، إنها منفتحة على جميع المبادرات "الجادة والهادفة" لإنهاء الحرب.
وقال معاوية عثمان خالد وكيل الوزارة، في تصريح نقلته وكالة السودان للأنباء ويبدو أنه رد على حديث الوسيط الأمريكي، إن الإمارات لا يمكن أن تكون "طرفاً أميناً" في الوساطة، في ظل دعمها – بحسب تعبيره - لقوات الدعم السريع.
واتهم خالد في تصريحه الإمارات بمواصلة "شن حرب عدوانية شاملة على السودان". وقال إنها بذلك "لا يمكن أن تكون طرفاً أميناً، في أي جهد، ولصناعة السلام والاستقرار"، حسب وصفه.
كما طالب وكيل وزارة الخارجية أبوظبي "بوقف تدخلاتها فوراً، ووقف دعمها للمليشيا الإرهابية التي تستخدمها لقتل السودانيين وترويعهم وتدمير موارد البلاد ومؤسساتها"، بحسب تعبيره.
وتنفي دوماً الإمارات الاتهامات الموجهة لها بتقديم أي دعم لقوات الدعم السريع. وقال أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، إن ما وصفه بـ "الادعاءات الكاذبة والمعلومات المضللة"، لن تثني بلاده "عن مواصلة العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لإنهاء الحرب في السودان".
ويرى الباحث في مركز دراسات البحر الأحمر، محمد عباس الفادني، أن شروط نجاح أي هدنة في السودان مرهون بموافقة الأطراف المتحاربة، متوقعاً عدم صمود الهدنة الحالية في ظل رفض الجيش لها.
كما قال الفادني إن "المجتمع الدولي يتحدث مع الأطراف وهذا أمر واضح… لا أعتقد أن باب التفاوض مغلق بشكل تام، ولكن لا يمكن الحديث عنه، إلا إذا تقدّم خطوات إلى الأمام وأصبحت هناك مسودة اتفاق يمكن التوقيع عليها".
ويخشى متابعون للشأن السوداني من أن تتحول الأزمة السودانية الحالية، إلى واحدة من بؤر التوتر بين دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، قائلين إن ثمة مؤشرات على إمكانية حدوث ذلك.
ويُلاحظ أن قائد قوات الدعم السريع، خلال خطابه المسجل الذي أعلن فيه التزام قواته بـ "الهدنة الإنسانية"، رحّب بالوساطة الدولية، وشكرها وشكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كذلك على الجهود المبذولة لإنهاء النزاع، من دون أن يشير إلى أي دور لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أقنع ترامب – وفق مصادر – بالانخراط في الأزمة السودانية، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.
أما قائد الجيش السوداني، الذي كال امتد ولي العهد السعودي، واعتبره عارفاً بتفاصيل الوضع في السودان وتعقيداته، فلم يشر إلى ترامب ودوره المحتمل، في إنهاء النزاع المستمر منذ أكثر من عامين ونصف العام.
ولم يكتف البرهان بذلك، بل اتهم الوسيط الأمريكي صراحة بمحاولة فرض رؤيته على الجيش، واعتبر ذلك أمراً غير مقبول.
ويعتقد الخبير في النزاعات الدولية في الجامعات السودانية، الدكتور حسن أبنعوف، أن سيناريو نشوب أزمة بين الرياض وأبوظبي على خلفية الأزمة في السودان، وارد في ظل المعطيات الحالية.
وحذر من أن الاستقطاب وصراع النفوذ بين دول الخليج، قد يؤديان إلى تعقيد الأزمة السودانية بدلاً من الإسهام في حلها، قائلا "رأينا كيف أن البرهان أصبح يميل أكثر إلى التعاطي مع ولي العهد السعودي دون مبادرة الرباعية، على عكس حميدتي الذي يقول إنه متمسك بها. وهذا قد يعكس توجهاً، يؤدي إلى تعقيد الأزمة بشكل أكبر، خاصة مع صراع النفوذ والسيطرة وتقاطع المصالح بين أبو ظبي والرياض".
ومنذ نشوب الحرب في السودان في منتصف إبريل/نيسان عام 2023، وقع الطرفان المتحاربان عدة هدن إنسانية، لكنها لم تصمد وسط تبادلهما للاتهامات بخرقها، ما أدى إلى فشل جهود التفاوض، واستمرار دوران عجلة الحرب دون توقف.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة