هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN .
في ذروة وعيد الرئيس دونالد ترامب لحماس خلال حرب العامين التي بدأت بهجوم "طوفان الأقصى"، نشر حسابه على تروث سوشال تعليقا صار "ميما" شائعا عنوانه "شالوم حماس"! اشتهر التعليق عالميا لدلالاته اللغوية بالعبرية، فكلمة "شالوم" أي سلام بالعربية تعني وداعا وأهلا أيضا، بمعنى إلقاء الكرة في ملعب حماس لتختار بين "فتح أبواب جهنم عليها" أو التعاون وصنع السلام، وذلك ما تم نظريا في "شرم الشيخ".
الناشطة اليمينية الجمهورية المحافظة -تيار "ماغا" ومن أشد داعمي ترمب، لورا لومر، كانت من أول وأقوى الأصوات التي انتقدت الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب لوزيري الخارجية والخزانة كونه استثنى -حتى بالتلميح- أكثر دولتين بحسب رأيها -والذي يتفق معه كثيرون ومنهم السناتور المخضرم عن ولاية تكساس تيد كروز- أكثر دولتين راعيتين للإخوان في الشرق الأوسط -قطر وتركيا- فيما ركزت ديباجة القرار على أفرع الجماعة في مصر والأردن ولبنان. هذه الأخيرة أتى ذكرها في القرار جراء قيام إخوان لبنان بدعم حماس عسكريا وماليا ودعائيا في المواجهات الدامية التي اندلعت عبر الجبهتين الشمالية والجنوبية لإسرائيل. المعروف أن مصر والأردن كما السعودية والإمارات كانت في مقدمة الدول التي حظرت الجماعة، فيما بقي الباب مواربا ولعله بابا دوارا خلفيا، لتنظيمات سياسية منبثقة عنها كحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن.
ربما أراد ترامب -وهكذا يرى مؤيدو القرار- أن يراعي اعتبارات قانونية وسياسية، فيما يخص توقيت القرار وديباجته تتعلق بجملة من الاعتبارات الداخلية الأمريكية والخارجية الشرق أوسطية والأوروبية أيضا. ليس سرا أن جماعة "الإخوان" كتنظيم وفكر وشبكات مالية وإعلامية موغلة في مفاصل ساحات دولية عدة، ارتبطت على مدى ثمانية عقود ونيف، في لعبة الثنائية القطبية حيث لعب الإخوان دور الحرب بالإنابة "بروكسي" والتحشيد والتمويل لمحاربة الاتحاد السوفييتي والشيوعية، والتيارات القومية والاشتراكية. ثمة تحالفات لا تعرف تفاصيلها وعمقها سوى مؤسسات الدولة العميقة، في كثير من الدول شرقا وغربا، والتنظيمات بكل توجهاتها، والتي تعامل هي الأخرى بمنطق المؤسسية والتراتبية السرية المنضبطة حديديا.
ترامب كان يَعدُ ويُعِدّ لهذا القرار في أواخر ولايته الأولى عندما كان مايك بامبيو وزيرا للخارجية ومن قبل مديرا لوكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه"، لكن الزمن لم يكن كافيا لإتمام الأمر، أو أن التوقيت لم يكن مؤاتيا سياسيا أو أمنيا، أو الأمرين معا.
الآن يبدو التوقيت ذهبيا، بعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التاريخية للبيت الأبيض، وقبلها بأسبوع زيارة رئيس الحكم الانتقالي في سوريا أحمد الشرع "الجولاني سابقا"، في مشهدية لم تغب عنها مساع حثيثة لوقف حرب السودان ومن ضمن شروطها إنهاء سيطرة الإخوان على الجيش والدولة والتحالف مع إيران وخطوات باتت أكثر قربا من اليوم التالي في "غزة الغربية" ما وراء "الخطر الأصفر" حيث يتردد عن موافقة سرية أمريكية لبقاء حماس بسلاح شخصي، لإمكانية نجاح الوساطات المصرية والتركية والقطرية، في دعم الحركة لحكم انتقالي يمكّن الغزيين والإسرائيليين في غلاف القطاع، من العيش بأمان خلال وبعد إعمار القطاع الذي قد يكون أبعد من قيام الدولة الفلسطينية الموعودة في الضفة الغربية وغزة -ربما في حدودها الجديدة التي تبقي على مناطق عازلة بين القطاع وإسرائيل.
ولعل في اقتناص رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يبدو أكثر تأهبا لخوض انتخابات مبكرة أو في موعدها العام المقبل، اقتناصه لقرار ترمب وتوظيفه داخليا عبر دعوته إلى حظر "المجموعة العربية الموحدة" في الكنيست كون من بين أعضائها عضو عن جماعة الإخوان المسلمين من عرب إسرائيل.
كعادته، أربك ترامب المشهد على أكثر من ساحة ينخرط فيها بمفاوضات يريدها أن تصب في خدمة أجندته "أمريكا أولا" قبل الانتخابات التمهيدية الرئاسية أو التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل. بريطانيا ربما تكون أكثر الدول الأوروبية ارتباكا بتداعيات القرار، كون لندن "مربط خيل" الإخوان من زمان! فأيّ المعنييْن أراد ترامب بعبارة "شالوم إخوان"؟!
المصدر:
سي ان ان