أقر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بالقراءة الأولى مشروع قانون يتيح إصدار حكم الإعدام وتنفيذه على مقاومين فلسطينيين بناء على اقتراح من حزب إيتمار بن غفير "عوتسما يهوديت" وحزب "إسرائيل بيتنا" ضمن الصراع السياسي الذي يقوده اليمين للسيطرة على الفضاء العام في إسرائيل .
وقد أوضح بن غفير، بعد نجاحه في نيل الفوز بالقراءة الأولى، أن هذه ليست سوى نقطة البداية وأن هدفه "تسريع" العملية التشريعية حتى يتم إقرار القانون في 3 قراءات خلال دورة الكنيست الحالية. ويرى مراقبون أن عرض المشروع للتصويت وإقراره الأولي يشهد على أن ذلك ليس أكثر من استعراض للضعف السياسي للحلبة السياسية الإسرائيلية عموما وللائتلاف الحاكم خصوصا، وهو ما تستفيد منه القوى الأشد تطرفا.
ومنذ سنوات يرى حزب بن غفير -في الخطوات العقابية ضد المناضلين والأسرى وكل مظاهر الوطنية الفلسطينية- عناوين جذابة في دعايته الانتخابية ومصدرا لتعزيز الثقة السياسية به في أوساط اليمين. ورغم امتناع حزب ائتلافي مثل "يهدوت هتوراه" عن التصويت بسبب قانون التجنيد فإن "عوتسما يهوديت" تتوقع أن تقف أحزاب يمينية مثل الليكود وشاس و"إسرائيل بيتنا" إلى جانب المشروع في اللجنة الأمنية وفي القراءات المقبلة.
وينص القانون، الذي بادرت إليه النائبة ليمور سون هارميلخ، على أن "الإرهابي الذي قتل مواطنًا إسرائيليًا لأسباب عنصرية أو بقصد الإضرار بدولة إسرائيل والشعب اليهودي يُحكم عليه بالإعدام". ويطالب المشروع بتغييرات أخرى في القانون الساري بينها إمكانية فرض عقوبة الإعدام بأغلبية بسيطة في محكمة عسكرية، دون إمكانية تخفيف الحكم لاحقًا.
ويثير مشروع القانون سجالات سياسية وقانونية وتحديدا حول مبدأ: على من ينطبق. وفي نظر كثيرين يعتبر هذا البند "الحلقة الأضعف" في القانون حيث يرى المنتقدون القانونيون والاجتماعيون أن صياغة القانون لا تنص صراحةً على مبدأ المساواة وأنه ينطبق أيضًا على الإرهابيين اليهود. كما طُرحت ادعاءات مماثلة في الأوساط السياسية المعارضة، تؤكد ضرورة تطبيق القانون على أي جريمة قتل أيديولوجي بغض النظر عن مصدرها.
وبحسب الصحف الإسرائيلية فإن حزب "عوتسما يهوديت" يرفض هذه الانتقادات، ويرى أنه "لا توجد بين اليهود ظاهرة قتل العرب بدافع أيديولوجي. وهذه مجرد حالات معزولة، وليست ظاهرة منتشرة كالإرهاب الفلسطيني". ولذلك، وحسب قولهم، لن يُصاغ القانون صراحةً لينطبق على اليهود. وبدلًا من ذلك، تُجرى مناقشات مع محامين لصياغة بند ينص على أن القانون سينطبق على "الإرهابيين الذين تُعبّر أفعالهم عن ظاهرة واضحة". ويُقدّر أن هذه الصياغة ستُتيح تسويغ القانون أمام محكمة العدل العليا، وتمنع أن يغدو انعدام المساواة سببًا قانونيًا لرفضه.
وكما هو معلوم فإن حزب بن غفير يعرض القانون "كعنصر أساسي في ردع الإرهابيين" إلا أن منظمات حقوق الإنسان حتى في إسرائيل ترى أن عقوبة الإعدام تتعارض مع القيم الأساسية، وتُضرّ بمكانة إسرائيل الدولية، ولم يُثبت أنها رادع. ويُضيف خبراء قانونيون أن هذا في جوهره مجرد إعلان لن يكون له بالضرورة تأثير فعلي على مكافحة الإرهاب. ورغم ذلك، فإن بن غفير مُصمّم على تنفيذ خطته ويرى أنه بعد إصلاح السجون وسياسة تخفيف العقوبات على "الإرهابيين" فقد حان الوقت "للارتقاء إلى مستوى أعلى" وأن يُقرّ القانون في 3 قراءات، وأن يغدو واقعًا ملموسًا.
ويعتقد خبراء بالشأن الداخلي الإسرائيلي أن بن غفير يصنع لنفسه أجندة خاصة في ظل الحديث عن احتمال تقديم موعد الانتخابات العامة وانكشاف عجز حكومة -يرأسها المطلوب للجنائية الدولية ( بنيامين نتنياهو )- عن اتخاذ قرارات جوهرية.
وفي كل حال لا خلاف حول أن هذه ورقة انتخابية متفجرة وشرك سياسي يحاول بن غفير إيقاع حتى بضع شركائه من اليمين فيه. وواضح أن لكل حزب سياسي في إسرائيل حساباته خصوصا في أجواء يؤيد فيها الجمهور كل خطوة ضد الفلسطينيين خصوصا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وهذا هو الشرك الفعلي للأحزاب السياسية التي تحاول أن تظهر من ناحية بمظهر ديمقراطي وليبرالي لكنها تتعامل مع حالة شعبية فاشية بامتياز.
وبحسب موقع "زمان إسرائيل" فإن نتنياهو وحزب الليكود يُدركان جيدًا الموقف الدائم للمؤسسة الأمنية والرافض لسن مثل هذ القانون وتنفيذه إما لعدم جدواه فعليا أو لعواقبه الكارثية. فالإعدام وتدمير البيوت والعقوبات الجماعية والترحيل والقتل لم يثبت أنها تشكل رادعا في واقع الصراع مع الفلسطينيين. ويمكن لتنفيذ الإعدامات بشكل قانوني أن تزيد من حدة المقاومة وتشجيع كثيرين على أن يكونوا أبطالا شعبيين. ورغم أنه سبق لنتنياهو أن قال "هناك منطق في عقوبة الإعدام في الحالات القصوى" إلا أنه لم يدعُ قط إلى تطبيق هذه العقوبة وهي موجودة فعلا في القانون "حتى بعد أعمال إرهابية مروعة للغاية وقعت في عهده".
ومع ذلك فإن نتنياهو يأخذ بالحسبان تهديد بن غفير بعدم المشاركة في تصويتات الحكومة بالكنيست إذا لم يقر قانون الإعدام الحالي. وربما لهذا السبب أيد الليكوديون بشدة القانون الذي طُرح للقراءة الأولى، لكن الطريق لا يزال طويلاً، وسيحاول نتنياهو التلاعب ببن غفير، لتجنب التشريع النهائي في الوقت الحالي وبشكل عام.
أما حزب "إسرائيل بيتنا" من المعارضة، فكان هو الآخر قدم اقتراحه بشأن الإعدام بالتزامن مع حزب "عوتسما يهوديت" ولكن رئيس الحزب أفيغدور ليبرمان بذل قصارى جهده لإثبات عدم انضمامه لأهواء بن غفير. وزعم ليبرمان أنه أيّد هذا القانون منذ ما قبل الانتخابات الأخيرة، لكنه تأخر في تقديمه الآن لسبب ما.
وحزب "يش عتيد" برئاسة يائير لبيد يناور في الموقف من القانون مدعيا أنه موجود بالفعل، وأنه لن يتعاون مع تعديل القانون الذي قدّمه بن غفير ولن يشارك في عرضه بالكنيست. لكن لبيد يدرك أنه لا يستطيع معارضة قانون عقوبة الإعدام "للإرهابيين" في جلسة الكنيست الكاملة، فقرر الانسحاب من الجلسة العامة مع 22 من زملائه في حزب "يش عتيد". وترك المنصة للأحزاب اليمينية التي احتفلت بالقانون أمام 4 أعضاء في الكنيست من الكتلة الديمقراطية والكتل العربية.
أما موقف الأحزاب الحريدية فهو بالغ التعقيد، حيث إن الحاخامات والسياسيين تقريبا لا يعرفون كيف يتعاملون مع القانون وتداعياته. فالجمهور الحريدي ينزع نحو اليمين باستمرار، في حين أن كبار الحاخامات يأخذون بالحسبان موقف العالم والمحيط العربي، ويعلنون اعتراضا شرعيا عليه ولم يحضروا للتصويت.
وقد أصدر الزعيم الليتواني لحزب "ديغل هاتورا" الحاخام دوف لانداو توجيهًا لأنصاره ضد القانون، قائلاً "هناك خوفٌ مُريعٌ هنا. إذا رأى العرب في جميع أنحاء العالم أننا نفعل شيئًا كهذا، فقد يُسبب ذلك سفك دماء. على أي حال، ليس هناك أي أمل في أن تُقرّ المحكمة عقوبة الإعدام، لذا فهذا استفزازٌ بحد ذاته". ولذلك حمل بن غفير على شاس وعلى عضو الكنيست موشيه غافني من حزب "يهدوت هتوراه" واصفًا إياه بأنه "حليف أحمد الطيبي" قائلًا "99% من ناخبي شاس يؤيدون عقوبة الإعدام للإرهابيين".
وعموما، أُقرّ قانون عقوبة الإعدام في الكنيست بأغلبية 39عضوا ضد 16، بعد نقاشٍ حادٍّ ومعارك عنيفة مع رؤساء الكتل العربية، وكاد أن يؤدي إلى تبادلٍ للكمات. ويتجه مشروع القانون للتحضير للقراءتين الثانية والثالثة في لجنة الأمن التي يرأسها عضو الكنيست تسفيكا فوغل من حزب "عوتسما يهوديت" وسط إيمان بوجود سلسلة من العقبات القانونية واعتراضات الأجهزة الأمنية. ولكن حسابات بن غفير تفيد بأن هذه ورقة رابحة له بالانتخابات، وأن هذه أيامٌ غير عادية، ومصالح نتنياهو السياسية والشخصية هي التي تُحرّك كل شيء.
ويرسم المُعلّق السياسي حنان كريستال صورة الوضع على النحو التالي "أصدر بن غفير إنذارًا نهائيًا، ويُريد تجاوبا معه. وإذا أراد نتنياهو إجراء الانتخابات في موعدها، في أكتوبر/تشرين الأول القادم، فقد يستسلم لبن غفير، لا سيما وأنّ كلًا من بتسلئيل سموتريتش والصهيونية الدينية، بالإضافة إلى ليبرمان و"إسرائيل بيتنا" يُؤيّدون القانون، إلى جانب شركائهم في الليكود. وفي نظره لا يُجري نتنياهو حاليا سوى حسابات شخصية. فهو يريد كسب أقصى قدر من الوقت، لتجنب (آثار) السابع من أكتوبر. وإذا فشل في المناورة مع بن غفير، فقد يُدرج هذا القانون في سجل القوانين قبل الانتخابات. ومع ذلك، ومن جميع النواحي السياسية والقانونية، فإن فرص إقراره تتراوح بين الضعيفة والمتوسطة.
وكانت منظمة العفو الدولية قد رأت في مشروع القانون الإسرائيلي خطوة خطيرة نحو تكريس التمييز ضد الفلسطينيين، وأنه يمثل انتكاسة فادحة أمام التوجه العالمي لإلغاء هذه العقوبة. كما لاحظت منظمات حقوقية أن النص المقترح "يلزم المحاكم فعليا بفرض عقوبة الإعدام حصرا على الفلسطينيين". وأن التشريع يكرس مبدأ الإفلات المستمر من العقاب الذي يحظى به نظام التفرقة الإسرائيلي، والإبادة الجماعية في غزة، وتصاعد القتل غير المشروع بحق الفلسطينيين بما في ذلك الإعدامات الميدانية.
أما منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية فرأت أن "أخطر ما في مشروع القانون الجديد أنه يسري بأثر رجعي" وأنه يعرض لـ"تشريع الإقدام على تنفيذ عمليات إعدام جماعية قد تطال مئات المعتقلين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أو بعد ذلك. وبالتالي فإن جوهر ما يهدف له التشريع المقترح هو الاستجابة لدواعي الانتقام أو الثأر وليس عملية ردع أو منع مستقبلية". وهو ما يشكل حلقة جديدة من حلقات القمع، ويتوج انتهاكات واسعة النطاق ضد الفلسطينيين، بما في ذلك اقتراف مئات الإعدامات خارج نطاق القانون.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة