في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تونس – أثارت تصريحات وزيرة العدل ليلى جفال خلال جلسة عامة في البرلمان التونسي خصصت لمناقشة ميزانية وزارتها لسنة 2026، موجة غضب واسعة، بعدما أنكرت بشكل قاطع دخول أي سجين سياسي في إضراب مفتوح عن الطعام، وقدّمت رواية رسمية ساخرة شكلت صدمة لدى الحقوقيين.
حيث قالت الوزيرة إن السجناء الذين يتحدث محاموهم عن دخولهم في إضراب جوع "جميعهم يأكلون ويشربون في الخفاء"، مضيفة بضحكة ساخرة أن "من لا يأكل كثيرا، يأكل قليلا"، قبل أن تلمح لتناول بعضهم الطعام في أماكن "لا يجب الأكل فيها"، في إشارة إلى دورات المياه بالسجن.
ولم تتوقف الوزيرة عند حد السخرية من رواية الإضراب عن الطعام، بل اتهمت المعتقلين برفض الفحوصات الطبية حتى لا تنكشف "مؤشراتهم الصحية"، معتبرة أن ما يجري تداوله بشأن تدهور أوضاعهم ليس سوى "ادعاءات وأخبار زائفة تروّجها منصات التواصل الاجتماعي".
كما نفت الوزيرة وجود أي اعتداءات على المعتقلين داخل السجون، في رد مباشر على ما كشفه محامو السجين السياسي جوهر بن مبارك عن تعرضه لاعتداء جسدي خطير داخل سجن بلي بمحافظة نابل شمالي البلاد، وهي رواية أكّدتها منظمات حقوقية وأطباء عاينوا وضعيته.
وفيما يتعلق بالانتقادات الواسعة الموجهة للمحاكمات عن بعد، دافعت الوزيرة عن هذه المنظومة بقوة، معتبرة أنها خيار يندرج ضمن "الرقمنة"، وأنها مطبقة منذ سنة 2020، مشيرة إلى أنها "تجربة ناجحة" أنجزتها الحكومات السابقة التي "كانت تشيد بها ثم تراجعت عن دعمها اليوم".
وقالت الوزيرة جفال أمام البرلمان إن نحو 25 ألف سجين تمت محاكمتهم عن بعد خلال هذا العام، وإن "وجدان القاضي لا يتأثر من الناحية القانونية سواء حضر المتهم عن قرب أو من خلال شاشة (عن بعد)" حسب قولها، معتبرة أن الانتقادات هدفها فقط التشويش على القضاء وتشويه النظام الحالي.
من جهة أخرى، نفت الوزيرة وجود أي ضغوطات أو ترهيب للقضاة، مؤكدة أن نقل القضاة يتم وفق القانون وفي حالات محددة كإحداث دوائر أو محاكم جديدة أو سد الشغورات أو ارتفاع حجم العمل، معتبرة أن الحديث عن "الرعب في صفوف القضاة" لا أساس له ومجرد تشويه.
وازدادت الانتقادات حدة بعد إعلان الوزيرة عن توجه لبناء سجون جديدة، وهو ما اعتبره معارضون تكريسا لنهج "التشييد من أجل التسلط" وليس "التشييد من أجل البناء"، مؤكدين أن السلطة تتوسع في الردع العقابي بدل معالجة الأزمات المركبة في البلاد.
وجاءت تصريحات جفال قبل يوم واحد من انعقاد الجلسة الاستئنافية الثانية في قضية التآمر على أمن الدولة 1، والتي تعقد عن بعد غدا الاثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في سياق سياسي متأزم يتزامن مع إضرابات عن الطعام يخوضها عدد من المعتقلين السياسيين في سجون متفرقة.
ويرى مراقبون أن تصريحات وزيرة العدل ليلى جفال تعكس تشددا حكوميا متزايدا تجاه المعارضة، في ظل خطاب رئاسي تصاعد خلال الأشهر الأخيرة واتهم المتهمين بالتآمر والخيانة والعمالة للخارج، وهو ما يثير مخاوف المحامين من تأثيره بشكل مباشر على مسار المحاكمة.
من جهتها، ردت هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في قضية التآمر على أمن الدولة 1 ببيان شديد اللهجة، اتهمت فيه الوزيرة بـ"التشهير والتلذذ بمعاناة المعتقلين"، معتبرة تصريحاتها تحريضا ضدهم وضد المحامين، وتجاوزا صريحا لأخلاقيات المسؤولية السياسية والقضائية.
وفي السياق، قال المحامي سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع، للجزيرة نت، إن تصريحات جفال "استهزاء بمعاناة مناضلين سلبت حريتهم بملفات ملفقة ومحاكمات صورية".
ورفض ديلو بشدة منظومة المحاكمات عن بعد، مشيرا إلى مخالفتها للقانون واعتمادها على مرسوم صدر خلال جائحة كورونا، معتبرا أن هذا الأسلوب من المحاكمات "أصبح في حكم المعدوم، لعدم ضمانه أبسط مقومات المحاكمة العادلة".
وأكد تمسك هيئة الدفاع بكل ما تضمنته بلاغاتها حول الإضرابات عن الطعام، منددا من جهة أخرى بما اعتبره تحريضا متعمّدا ضد المحامين الذين يترافعون في قضية التآمر.
كما عبّر ديلو عن قلقه العميق من تصريحات وزيرة العدل التي رفضت تركيز المجلس الأعلى للقضاء، واعتبر أن ذلك يطلق يد الوزارة في نقل القضاة وتعيينهم ومحاسبتهم على اجتهاداتهم وأحكامهم بشكل تعسفي، مما يقوّض استقلالية القضاء ويضعه تحت نفوذ السلطة التنفيذية.
بدوره، أدان نجيب الشابي زعيم جبهة الخلاص الوطني المعارضة والمحكوم عليه بالسجن 18 سنة، تصريحات وزيرة العدل ليلى جفال، واعتبرها "تجنيا صريحا وإنكارا لوضعية المضربين عن الطعام"، مؤكدا أن "المحاكمات عن بعد تفتقر لأبسط مقومات المحاكمة العادلة".
وقال الشابي للجزيرة نت إن كلام الوزيرة يمثل افتراء على أوضاع المعتقلين، موضحا أن الأطباء الذين عاينوا حالة المعتقل جوهر بن مبارك أكدوا إصابته بتسمم في الكلى نتيجة نقص السوائل.
وشدد الشابي على دعمه الكامل للمضربين، واصفا إضرابهم بأنه "خطوة هزّت السلطة بشكل واضح"، ومؤكدا أن الاعتداء على بن مبارك، والاستعجال في رفع قضايا ضد 3 محامين تحدثوا عن الوضع الصحي للمضربين يعكس حالة التخبط التي تعيشها السلطة.
من جهته، انتقد هشام العجبوني القيادي في التيار الديمقراطي، "سخرية" وزيرة العدل ليلى جفال من إضرابات الجوع، واعتبر تصرفها "فضيحة"، منتقدا تهربها من الإجابة عن مدى صحة تسريبات حول فساد بعض القضاة الذين عينتهم بمذكرات عمل في قضايا سياسية حساسة، بينها قضية التآمر على أمن الدولة.
وقال العجبوني للجزيرة نت إن الوزيرة لم تلتزم بالمسؤولية، وبدل أن تعترف بالمشكلات وتواجهها، اكتفت بالسخرية من المضربين عن الطعام، معتبرا أن هذا الموقف يظهر تجاهلها الكامل لمعاناة المعتقلين واستباحة الكرامة الإنسانية.
ويخوض جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري وأحد أبرز المتهمين، إضرابا كاملا عن الطعام منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتؤكد منظمات حقوقية أنه يعاني تدهورا خطيرا في وظائف الكلى بسبب نقص السوائل، بعد نقله المتكرر إلى مستشفى محافظة نابل للعلاج الطارئ.
وتواجه السلطات اتهامات بتعنيف بن مبارك داخل السجن، في المقابل أكد محاموه أن هيئة السجون رفعت 3 قضايا ضد 3 محامين تحدثوا عن تدهور وضعه الصحي بسبب الإضراب عن الطعام والاعتداء عليه، ما اعتبرته هيئة الدفاع محاولة لردع الأصوات التي توثق ما يحدث خلف القضبان.
وترتبط قضية التآمر باعتقالات واسعة انطلقت في فبراير/شباط 2023، مستهدفة سياسيين معارضين تم القبض عليهم بناء على شهادة مخبرين اثنين، دون أدلة ودون أي تقارير استخباراتية، حسب هيئة الدفاع، التي تؤكد غياب الاستنطاقات والمكافحات مع الشهود وفي غياب المحاكمات العلنية.
وكانت الأحكام الابتدائية قد صدرت في أبريل/نيسان الماضي عن بعد ودون حضور المتهمين أو تمكينهم من الدفاع، وترواحت بين 4 و66 سنة سجنا لبعض المتهمين، ما ترك مخاوف جدية من تكرار السيناريو ذاته في طور الاستئناف الذي تنطلق جلسته الثانية غدا الاثنين بعد تأجيل الجلسة الأولى قبل أسبوعين.
وقد دعت منظمات حقوقية وبتنسيق مع عائلات المعتقلين السياسيين إلى وقفة احتجاجية أمام محكمة باب بنات يوم غد الاثنين مع انطلاق الجلسة الاستئنافية الثانية، للمطالبة بمحاكمة عادلة وتحميل السلطة مسؤولية تدهور وضعية المضربين عن الطعام.
كما نظمت جبهة الخلاص وقفة احتجاجية في العاصمة للتنديد بما وصفته "اعتداء سافرا" على السجين السياسي جوهر بن مبارك، معتبرة أن "ضغط الإضراب عن الطعام أربك حسابات السلطة".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة