انطلقت في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر الاثنين جولة من المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة.
تتركز هذه المرحلة على تنفيذ بند إنساني أمني أساسي، يتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين في غزة - سواء كانوا أحياء أو أمواتاً - خلال 72 ساعة، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد من السجناء والمعتقلين الفلسطينيين، وإعادة نشر قواتها داخل غزة، وفقاً لخرائط مدرجة في خطة ترامب.
ويشارك في هذه المفاوضات وفد إسرائيلي موسّع يضم نائب رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، ومنسق الرهائن والمفقودين غال هيرش، ومنسق ملف الرهائن نيتسان ألون، ومستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو للسياسة الخارجية أوفير فالك، بجانب ممثلين عن الموساد والجيش الإسرائيلي.
أما رئيس الفريق الإسرائيلي المفاوض، وهو وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، فيُنتظر أن ينضم لاحقاً إلى المحادثات بعد بدء المرحلة الثانية منها يوم الأربعاء - كما هو متوقع - جنباً إلى جنب مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف وكذلك جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب.
تركز المرحلة الأولى من التفاوض على التفاصيل التقنية المتعلقة بعملية الإفراج عن الرهائن، مثل: تنسيق التسليم عبر الصليب الأحمر الدولي، وتحديد مواقع تبادل الرهائن والسجناء، وضبط خطوط انسحاب الجيش الإسرائيلي لضمان سلامة العملية.
غير أن هذه المسائل التقنية تخفي وراءها خلافات جوهرية، أبرزها مطالبة حماس بتوسيع نطاق الانسحاب الإسرائيلي عن "الخط الأصفر" المحدد في خريطة ترامب، بدعوى الحاجة إلى الحصول على حرية الحركة لتجميع الرهائن المنتشرين في مناطق مختلفة من القطاع.
كما تطالب حماس بمهلة زمنية أطول من الـ 72 ساعة المنصوص عليها في الخطة، مبررة ذلك بضرورة جمع رفات الرهائن القتلى المنتشرة في أنحاء غزة، وهي نقطة تبدي واشنطن فيها بعض المرونة.
لكن القضية الأكثر حساسية، تتمثل في ما تقول وسائل إعلام إسرائيلية إنه مطلب جديد قدمته حماس، لإطلاق سراح أعضاء ما يعرف بوحدة (النُخبة) فيها، ممن اعتقلتهم إسرائيل بعد مشاركتهم في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهي النقطة التي تشكل خطاً أحمر بالنسبة لإسرائيل، نظراً لأنها ترفض - حتى الآن - الإفراج عن أي من هؤلاء المسلحين، الذين تصفهم بالقتلة.
كما تصر حماس على إدراج كل السجناء الفلسطينيين المحكوم عليهم بالسجن المؤبد ضمن الصفقة، والبالغ عددهم 285، وهو ما يزيد عن العدد المحدد في خطة ترامب، الذي لا يتجاوز 250.
بل إن حماس اقترحت أن تُحدّد قائمة السجناء الفلسطينيين المفرج عنهم وفقاً لمدة سجنهم، وليس بناءً على خطورة التهم الموجهة إليهم، ما يعني عملياً أن تتضمن القائمة "أسماء ثقيلة" مثل مروان البرغوثي، وعبد الله البرغوثي، وأحمد سعدات، وحسن سلامة، وعباس السيد.
وقد أثار هذا المطلب انقساماً حاداً في إسرائيل بين الحكومة وأجهزتها الأمنية، إذ يعتبره البعض مسّاً بمعايير ما يصفونه بـ "العدالة الوطنية"، بينما يرى آخرون أنه ثمن لا بد من دفعه لإنهاء الحرب واستعادة المحتجزين.
وذكرت أبرز الصحف الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو تعهد لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بعدم الإفراج عن هذه الأسماء تحديداً، وذلك بعد جلسة مطولة عقدها نتانياهو ليل الأحد/الاثنين مع عدد من الوزراء وأعضاء الوفد الإسرائيلي المفاوض.
أما في المرحلة الثانية من المفاوضات، المنتظر أن تبدأ الأربعاء، يُتوقع أن تُطرح القضايا السياسية والأمنية الأعمق: إدارة قطاع غزة بعد الحرب، ونزع سلاح الفصائل، وتحديد طبيعة الوجود الإسرائيلي في القطاع.
الخطة التي صاغها ترامب ووافقت عليها إسرائيل مبدئياً، تقضي بأن إدارة غزة لن تُسند لا للسلطة الفلسطينية ولا لحماس أيضاً، بل سيُدار القطاع عبر آلية إقليمية دولية، تضم قوات أمن عربية تشرف على حفظ النظام والمساعدات.
إلا أن خبراء إسرائيليين مثل نداف أيال - بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" - يشيرون إلى أن هذه الصيغة لن تنهي وجود حماس كحركة، باعتبار أنها متجذّرة اجتماعياً وشعبياً، ويقولون إن القضاء على هذه الحركة نهائياً، يستحيل أن يحدث دون "احتلال طويل الأمد" للقطاع، وهو خيار يرفضه كل من نتنياهو وترامب.
أما النقاط العالقة بين المتفاوضين في شرم الشيخ، فهي كثيرة ومتداخلة: نطاق الانسحاب الإسرائيلي في المرحلة الأولى، وقوائم السجناء الفلسطينيين المشمولين في الصفقة، وآلية ضمان تسليم جميع الرهائن خلال المهلة المحددة، ودور حماس في "اليوم التالي" لانتهاء الحرب.
وتخشى إسرائيل من أن تستغل الحركة، أي ثغرات زمنية أو عملياتية لكسب الوقت أو إعادة تنظيم الصفوف.
في المقابل، ترى واشنطن أن نجاح المرحلة الأولى من خطة ترامب، هو اختبار لجدية الطرفين، وتضغط لإنجازها قبل 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وهو موعد إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للسلام، ويرتبط هذا على ما يبدو، بسعي ترامب لتعزيز فرصه للحصول على هذه الجائزة، عبر تتويج جهوده لإنهاء الحرب بالتوصل إلى اتفاق تاريخي في هذا الشأن.
في المحصلة، تُظهر هذه المفاوضات مزيجاً من الضغط الزمني الأمريكي، والتعقيدات السياسية التي تكتنف مواقف إسرائيل وحماس، فالمرحلة الأولى تمثل اختباراً عملياً للثقة، أما المرحلة الثانية فستكشف إن كان بالإمكان فعلاً إيجاد صيغة استقرار دائمة في قطاع غزة دون عودة حماس إلى حكمه، ودون تورط إسرائيل في احتلاله من جديد.