قد يتوهم البعض أن اعتراف دول غربية، مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وغيرها، بالدولة الفلسطينية سيؤدي حتماً إلى إقامة دولة للفلسطينيين على أرضهم. وينتهي الصراع الإسرائيلي العربي فجأة، ويحل بعدها السلام الدائم في الشرق الأوسط.
الواقع، حسب خبراء القانون الدولي، أن هذا تبسيط أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة. فهناك فرق كبير بين الاعتراف بالدولة وإقامتها على الأرض. والطريق لا يزال طويلاً أمام الفلسطينيين، على الرغم من الدعم الدبلوماسي، الذي منحته لهم المواقف الغربية الأخيرة.
فما هو شكل الدولة الفلسطينية، التي يبشر بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في إعلان نيويورك، ولماذا تحركت الدول الغربية الآن، وما الذي يمكنها أن تفعله لإنهاء الصراع.
تشكل اتفاقية مونتيفيديو الصادرة عام 1933 حجر الأساس في القانون الدولي. فهي تحدد حقوق وواجبات الدول. وتعرّف هذه الاتفاقية الدولة بأنها "كيان تتوافر فيها الشروط التالية: سكان مستقرون، وإقليم محدد، وحكومة، والقدرة على إقامة علاقات مع الدول الأخرى".
وتنص المادة الثالثة من الاتفاقية على أن "الوجود السياسي للدولة ليس مرتبطاً باعتراف الدول الأخرى بها". وحتى قبل الاعتراف، "من حق الدولة أن تدافع عن سلامة ترابها واستقلالها، وأن تعمل من أجل رفاهيتها، وتنظم نفسها بالطريقة التي تراها مناسبة".
فاعتراف الدول الأخرى لا يُنشئ الدولة، ولا يضيف لها شيئاً من الناحية القانونية. ولكن المتفائلين بشأن الدولة الفلسطينية، يرون في اعتراف دول غربية كبيرة مكسباً رمزياً، لا ينبغي التقليل من شأنه، لأنه يمهد الطريق ويزيل العقبات أمام قيامها.
صدر بيان نيويورك عن مؤتمر أقيم في الأمم المتحدة بدعوة من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من 28 إلى 30 يوليو تموز الماضي. ويهدف إلى "تسوية عادلة وسلمية ودائمة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بناء على تنفيذ حقيقي لحل الدولتين".
وشاركت في المؤتمر، إضافة إلى فرنسا والسعودية، دول البرازيل وكندا ومصر وإسبانيا وأندونيسيا، وأيرلندا وإيطاليا، واليابان والأردن والمكسيك والنرويج وقطر وبريطانيا والسنغال وتركيا. وحضرت أيضا جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.
يقول البيان في الفقرة 20 إن الدولة الفلسطينية "لا تريد أن تكون دولة مسلحة، وهي مستعدة للعمل من أجل إيجاد تدابير أمنية لصالح جميع الأطراف، في ظل احترام سيادتها، مع استفادتها من الحماية الدولية". وذلك بناء على رسالة تلقاها المؤتمر من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
ويعني هذا أن الدولة الفلسطينية المرتقبة ستكون بلا جيش. وستعتمد في حمايتها على قوات دولية، لا نعرف، في هذه المرحلة، تشكيلها ولا صلاحياتها وقدراتها. ولا نعرف أيضاً الجهة، التي ستخضع لها، ولا طبيعة علاقتها بالدولة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
هناك فعلاً 39 دولة وإقليم في العالم ليس لها جيش بالمعنى المتعارف عليه. ويقصد بذلك "قوات مدربة تدريباً عسكرياً، وأسلحة ومعدات حربية قتالية". وهي في الأغلب مستعمرات سابقة صغيرة، لا تزال تحت حماية الدول، التي كانت تحتلها، مثل إمارة موناكو وفرنسا.
ولكن العديد من هذه الدول تملك في الواقع أجهزة أمنية مثل الشرطة، وقوات شبه عسكرية، لا تقل تدريباً وتسليحاً عن الجيوش التقليدية، مثل كوستاريكا. وهناك دول تعتمد في حمايتها على أحلاف عسكرية إقليمية، مثل أيسلندا، التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي ناتو.
وتنص الفقرة 22 من البيان على إجراء انتخابات رئاسية وأخرى عامة، "شفافة وديمقراطية"، يسمح فيها بمنافسة ديمقراطية بين "الفاعلين الفلسطينيين الملتزمين باحترام البرنامج السياسي والالتزامات الدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".
وترى البروفيسور رفائيل ميزون، أستاذة القانون الدولي بجامعة باريس جنوب، أن بيان نيويورك يضع شروطاً مسبقة للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهو مخالف للقانون الدولي، لأن الاعتراف بالدول "غير مشروط" و"لا رجعة فيه"، وفق المادة 6 من اتفاقية مونتيفيديو.
وتضيف البروفيسور ميزون، في حوار مع بي بي سي، أن حق تقرير المصير مبدأ أساسي في القانون الدولي، ويصونه ميثاق الأمم المتحدة. ويكفل للشعوب حرية تحديد وضعها السياسي، وحرية اختيار التنمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تناسبها وترتضيها لنفسها.
وبالتالي ليس من حق الدول الغربية والدول المشاركة في بيان نيويورك، أن "تحدد للشعب الفلسطيني النموذج السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي الذي تقوم عليه دولته". وليس لها ديمقراطياً أن "تقصي فئة من الفلسطينيين، لأنهم يختلفون في قناعاتهم السياسية مع السلطة الفلسطينية".
شدد الرئيس الفرنسي أكثر من مرة على أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعني في تصوره "القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس". وقال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بدوره إن حماس "لن يكون لها دور في الدولة الفلسطينية"، التي تعترف بها بلاده، ويروج لها مؤتمر نيويورك.
وعندما يتحدث البيان عن منافسة ديمقراطية بين "الفاعلين الفلسطينيين الملتزمين بالبرنامج السياسي والالتزامات الدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية"، فإنه يُقصي تيارات فلسطينية، عارضت اتفاق أوسلو، أو تختلف مع السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.
وعلى رأس هذه الفصائل حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، ولجان المقاومة الشعبية ذات التوجه الإسلامي. ويقصي أيضاً أحزاباً وحركات سياسية لا تتبنى التوجه الإسلامي، وتختلف في طرحها وقناعاتها مع حركة فتح.
ومن بين هذه التيارات حزب المبادرة الوطنية الفلسطينية، الذي يقوده مصطفى البرغوثي، ومن أبرز مؤسسيه المفكر إدوارد سعيد. وحزب الطريق الثالث، بقيادة سلام فياض وحنان عشراوي، الذي يقدم نفسه بديلا عن ثنائية حماس وفتح في المشهد السياسي الفلسطيني.
من يعارض اتفاق أوسلو؟
عارض الكثير من الفلسطينيين اتفاق أوسلو، الذي وقعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين، مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات في 1993. وأعترفت فيه المنظمة بدولة إسرائيل. وفي المقابل اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير، وليس بالدولة الفلسطينية.
ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومعه اليمين المتطرف في حكومته، من أشد المعارضين لاتفاقية أوسلو أيضاً. وتتهمه التيارات اليسارية في إسرائيل "بالضلوع أو التحريض" على اغتيال إسحاق رابين، في 1995.
وفي عام 2022، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن زعيمة حزب العمال، ميراف ميخائيلي، قولها إن "رابين تعرض لاغتيال سياسي تعاون فيه بنيامين نتنياهو مع إيتمار بن غفير. ويقول نتنياهو إنه"مارس حقه وأدى واجبه"، بمعارضته لاتفاق أوسلو.
الاعتراف المتبادل
ويقتضي حل الدولتين، الذي يتبناه مؤتمر نيويورك، الاعتراف المتبادل بين إسرائيل والدولة الفلسطينية الناشئة. ويؤدي ذلك بدوره إلى تطبيع العلاقات الكاملة بين إسرائيل وجميع الدول العربية والإسلامية، واندماجها التام في منطقة الشرق الأوسط.
ودعا البيان في الفقرة 23 المسؤولين الإسرائيليين إلى "الالتزام علناً وصراحة بالموافقة على حل الدولتين، الذي ينص على إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة". ولكن نتنياهو قضى حياته السياسية كلها معترضاً على إقامة دولة فلسطينية، وتعهد بأنها "لن تقوم أبدا".
وقال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "منح الفلسطينيين دولة، على بعد ميل واحد من القدس، مثل أن تمنح تنظيم القاعدة دولة على بعد ميل واحد من نيويورك، بعد هجمات 11 سبتمبر. هذا جنون بأتم معنى الكملة، ولن نفعله أبداً".
من مقومات الدولة، في القانون، أن تكون لها حدود ثابتة معترف بها. فلا وجود لدولة حدودها غير معروفة أو غير رسمية. فهي مسؤولة عن إدارة الإقليم الذي يقع تحت سيادتها. ومسؤولة أيضاً عن حمايته من التهديد الخارجي، وعن حفظ الأمن داخله.
ويقول بيان نيويورك في المادة 10 إن "قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، وينبغي أن يتوحد مع الضفة الغربية". وكل "احتلال أو حصار أو اقتطاع منه، أو تهجير قسري، غير مقبول". ولكنه لا يتحدث عن القدس الشرقية، التي تعتبرها القانون الدولي "أرضاً فلسطينية محتلة".
ويدعو في المادة 23 المسؤولين الإسرائيليين إلى الالتزام "صراحة وعلنا" بحل الدولتين، الذي يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة وذات سيادة". وكذلك إلى وضع حد لجميع "أعمال الاستيطان والمصادرة والضم في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية".
ويدعوهم أيضاً إلى التخلي علنا عن "جميع مشاريع الضم وسياسيات الاحتلال"، وتنفيذ القرار 904 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بوضع قانون "لمعاقبة وردع المستوطنين المعروفين بالعنف وبأعمالهم المخالفة للقانون".
هل يكفي هذا لقيام دولة فلسطينية؟
تقول البروفيسور ميزون إن هذا كله "ذر للرماد في العيون". ويؤدي إلى إقامة "إدارة فلسطينية" تحمي حدود إسرائيل. فالدولة الفلسطينية برأيها لابد أن تكون لها "سيادة كاملة على أراضيها بحدودها، ولابد أن يكون الفلسطينيون أحراراً في تقرير مصيرهم السياسي والثقافي والاجتماعي".
فالمطلوب من أجل إقامة دولة فلسطينية "قابلة للحياة وذات سيادة"، على حد تعبيرها، "إرغام إسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، التي تحتلها من 1967، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية"، وفق مقتضيات القانون الدولي.
وأشارت إلى الرأي الاستشاري، الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، يوم 19 يوليو تموز 2024، إجابة عن سؤال من الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ديسبمر كانون الأول 2022، بخصوص "الآثار الناشئة عن احتلال إسرائيل طويل الأمد للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967".
وقالت المحكمة الدولية إنه على الأمم المتحدة، وبشكل خاص الجمعية العامة، ومجلس الأمن، "النظر في الطرق المحددة والإجراءات الإضافية اللازمة لوضع حد، في أسرع وقت ممكن، للوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة".
وخلصت إلى أن "سياسات وممارسات إسرائيل تتعارض مع المادة 3 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري". وأضافت أن "إسرائيل ملزمة بتقديم تعويضات عن الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المعنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة".
وترى البروفيسور ميزون أن تحرك الدول الغربية باتجاه الاعتراف بالدول الفلسطينية، هو في الواقع "تهرب" من توصية محكمة العدل الدولية، "بفرض عقوبات على إسرائيل" حتى تضع حداً لوجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وتظهر الفجوة في أن مؤتمر نيويورك يدعو إسرائيل إلى وقف "مشاريع الضم و الاستيطان في الأراضي الفلسطينية". ولا يتحدث عن تفكيك المستوطنات الموجودة أصلاً في الضفة الغربية والقدس الشرقية، و"إنهاء وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية"، مثلما أوصت به المحكمة.
وكذلك يبدو"تحذير" وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، لإسرائيل بعدم ضم أجزاء من الضفة الغربية بعيداً عن مغزى اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية، وعن توصية محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري لمنظمة الأمم المتحدة.
فالمطلوب ليس منع إسرائيل من "ضم أجزاء" من الضفة الغربية، التي تحتلها أصلاً، وإنما إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وفق توصيات المحكمة الدولية، لتقوم عليها الدولة الفلسطينية المعترف بها.
ويذهب البروفيسور، بيرتران بادي، الأستاذ الفخري في معهد الدراسات السياسية في باريس، المذهب نفسه في تحليله لمبادرة ماكرون وبن سلمان، وقدرتها على تغيير الواقع الفلسطيني: "كل هذا لن يكون له أي أثر على الأرض، ما لم نقرر معاقبة إسرائيل".
و يقول في بودكاست على قناة بلاست الالكترونية الفرنسية إن الدول الغربية وجدت نفسها بين خيارين إما أن تطرح مبادرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أو تستجيب لتوصيات المحكمة الدولية وتضطر إلى فرض عقوبات على إسرائيل. فاختارت "الأسلوب الألطف".
وتنبه البروفيسور ميزون إلى الرسالة، التي نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية، من الرئيس ماكرون إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. ويحاول فيها الرئيس الفرنسي أن يقنع نتنياهو بأن مبادرة نيويورك إنما "تصب في مصلحة إسرائيل وأمنها".
"إنها تمنحكم فرصة لتحويل المكاسب العسكرية، التي حققتها إسرائيل على الأرض في المنطقة، إلى انتصار سياسي دائم، يخدم أمن إسرائيل ورفاهيتها".
وتقول إن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية، وهجماتها المتكررة على جيرانها "انتهاك للقانون الدولي"، أوصت محكمة العدل الدولية بوضع حد له. أما ماكرون فيراها "مكاسب عسكرية"، يريد تحويلها إلى "انتصار سياسي" لإسرائيل.
ولكن البروفيسور بادي يقول إنه لا ينبغي التقليل من شأن اعتراف المزيد من الدول الغربية بالدولة الفلسطينية. فهو على حد تعبيره "دليل على وعي عالمي متزايد بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره". وسيؤدي هذا الوعي الشعبي والاجتماعي "حتماً إلى قيام دولة فلسطينية".
ويشير إلى حركة طلاب الجامعات في العالم، وإلى عمل منظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العدل الدولية، ومنظمة بتسليم الإسرائيلية، التي "تكشف للعالم باستمرار ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية".
أين تقوم الدولة الفلسطينية؟
في أغسطس آب الماضي، أعلن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، عن بناء أكثر من 3 آلاف وحدة سكنية في مستوطنة بالضفة الغربية المحتلة. وقال إن هذا المشروع "سيقبر" فكرة الدولة الفلسطينية إلى الأبد. لأنه "ليس هناك شيء يعترف به".
وأضاف سموتريش في مؤتمر صحفي، رفقة رئيس جمعية المستوطنين، إسرائيل غانز، وعمدة مستوطنة معاليه أدوميم، غي يفراش، عن مشاريع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن: "الأرض أعطاها الرب لليهود".
ويعود مشروع إي 1 الاستيطاني، الواقع بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم إلى التسعينات. ولكنه جمد بسبب الاعتراضات الدولية عليه. فهو يفصل تماماً بين الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية المحتلة، التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المستقبلية.
ويعد بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية خرقاً للقانون الدولي. ولكن الحكومات الإسرائيلية مستمرة فيه منذ عقود. هذا فضلاً عن المئات من الوحدات السكنية، التي يبنيها المستوطنون اليهود، دون موافقة الحكومة، ويحصلون بعدها على التسوية.
وفي 2023، تجاوز عدد المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة 160 مستوطنة. يقيم فيها أكثر من 700 ألف نسمة. ويعيش بينهم 3.3 ملايين فلسطيني. وهو ما يجعل الأراضي الفلسطينية مفتتة لا تشكل كتلة واحدة يمكن أن تقوم عليها دولة.
نقلت صحيفة الغارديان البريطانية في سبتمبر أيلول الماضي عن مصادر حكومية قولها إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يفكر جدياً في الاعتراف بسيادة إسرائيل على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. وتعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على القدس كاملة.
أما قطاع غزة فيراه الرئيس الأمريكي مشروعاً عقارياً. ووعد بتحويله إلى ريفييرا الشرق الأوسط. وانتقد ترامب اعتراف بريطانيا وفرنسا وكندا بالدولة الفلسطينية. ومنع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، من حضور أشغال مؤتمر نيويورك.
ثم طمأن حلفاءه في المنطقة العربية بأنه "لن يسمح" لإسرائيل بضم الضفة الغربية المحتلة. أما سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، مايك هاكابي، فلا يعترف بتسمية الضفة الغربية. ويقول عنها "يهودا والسامرة". وهي التسمية، التي يحرص عليها اليمين المتطرف في إسرائيل.
ينص بيان نيويورك في المادة 25 على أن قبول عضوية فلسطين التامة والكاملة في الأمم المتحدة عنصر ضروري للوصول إلى حل سياسي ينهي الصراع، ويؤدي إلى اندماج إقليمي شامل. ولكن ذلك يتوقف، في الواقع، على موقف واشنطن وحدها.
فالانضمام إلى الأمم المتحدة يكون بتوصية من مجلس الأمن. ويتطلب موافقة 9 أعضاء من أصل 15. وتسقط التوصية إذا استعملت دولة واحدة من الأعضاء الدائمين، وهي روسيا، والصين وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، حق النقض.
وبعد اعتراف بريطانيا وفرنسا بالدولة الفلسطينية، فإن الولايات المتحدة هي العضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن الآن، الذي بيده قبول فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة. ونعرف أن 80 في المئة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة تعترف بالدولة الفلسطينية.
فهل تريد الدول الغربية، وهل تستطيع، إلزام إسرائيل بتنفيذ توصيات محكمة العدل الدولية؟ ومتى تنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، وقطاع غزة والقدس الشرقية؟ وهل تسمح الولايات المتحدة بذلك؟
هذه هي الأسئلة التي يطرحها خبراء القانون الدولي. والإجابة عليها هي التي تحدد شكل الدولة الفلسطينية، وإذا كانت ستقوم يوماً، ومتى يكون ذلك.