تونس- أجّلت المحكمة الابتدائية بتونس، أمس الثلاثاء، النظر فيما يعرف بقضية "المسامرة الرمضانية" التي يحاكم فيها زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من قياداتها، إلى جلسة ثالثة في 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل مع رفض جميع مطالب الإفراج عن المتهمين المقدمة من هيئة الدفاع.
وفي هذه القضية، يُحاكم كل من الغنوشي المعتقل منذ 17 أبريل/نيسان 2023، إلى جانب عدد من أعضاء الحركة منهم يوسف النوري وأحمد المشرقي، الموقوفين على ذمتها.
في حين يُحاكم بحالة سراح (غير موقوفين) القياديان بالحركة بلقاسم حسن ومحمد القوماني (استقال منها بعد اعتقال الغنوشي)، لكن المحكمة لم تستدعهما لا في الجلسة الأولى يوم 5 سبتمبر/أيلول المنصرم ولا في جلسة أمس. وحضر أمس فقط المشرقي في حين قاطعها الغنوشي والنوري، مما أثار اعتراض هيئة الدفاع التي طالبت باستدعاء جميع المتهمين والإفراج عن المشرقي.
وفي توضيح لأسباب مقاطعته الجلسة، كتب راشد الغنوشي رسالة من سجن المرناقية بالعاصمة تونس تم نشرها أمس على صفحته الرسمية على فيسبوك .
وتمسك الغنوشي ببراءته وحزبه من تهمة "العنف"، مؤكدا أنه قضى "نصف قرن في الدفاع عن الإسلام والديمقراطية، وأنه كان يتمنى أن تتوفر أدنى مقومات المحاكمة العادلة، ليحكم القاضي بالقانون بعيدا عن أي ضغوط". واعتبر أن "القضاة اليوم يرزحون تحت التهديد من أعلى سلطة في البلاد، وأن القضية سياسية بالأساس والقضاء يُستعمل لتصفية الخصوم السياسيين".
وتأتي قضية "المسامرة الرمضانية" كأحدث ملف يُعرض ضد الغنوشي وقيادات من حزبه، بعد سلسلة طويلة من المحاكمات التي شملت معارضين بارزين من مختلف الأطياف السياسية. وتعود إلى أمسية فكرية نظمتها جبهة الخلاص الوطني المعارضة (حركة النهضة أبرز مكوناتها) ليلة 15 أبريل/نيسان 2023، تزامنا مع مرور عام على تأسيسها.
وقبل الصيف الماضي صدرت في تلك الملفات أحكام قاسية في الطور الابتدائي، ورأت فيها المعارضة دليلا على تأسيس "مسار استبدادي لإقصاء الأصوات المخالفة بعد أن أمسك الرئيس قيس سعيد بزمام الحكم في 25 يوليو/تموز 2021″.
وحسب تأكيدات قيادات النهضة، دعا الغنوشي خلال تلك المسامرة إلى نبذ العنف وترسيخ الوحدة الوطنية ورفض الإقصاء، قائلا إن " تونس بدون إسلام سياسي ويسار وأي مكون من المكونات هي مشروع حرب أهلية".
وتفيد بأنه تم تجزئة كلام الغنوشي (84 عاما) خلال المسامرة وتركيب مقطع فيديو ليظهر فيه كأنه يدعو للحرب الأهلية، لتقوم السلطة فيما بعد باعتقاله في 17 أبريل/نيسان 2023. وصدرت ضده أحكام بالسجن بنحو 40 عاما في قضايا مختلفة مثل " التآمر على أمن الدولة " و"الطاغوت" التي اتهم فيها بثلب الأمن، و" إنستالينغو " و"التمويل الأجنبي".
واعتبرت هيئة الدفاع أن تلك المحاكمات "سياسية وملفقة"، وأن القضاء "جرى تطويعه لتصفية الخصوم وتسليط أقسى العقوبات لإبقائهم في السجون وإخلاء الساحة السياسية وترهيب المجتمع".
بلقاسم حسن القيادي في حركة النهضة وأحد المتهمين بحالة سراح في هذه القضية، استعاد تفاصيل ليلة المسامرة قائلا للجزيرة نت إن اللقاء نظمته جبهة الخلاص المعارضة، بمشاركة عدد من الشخصيات. وأوضح أن محمد القوماني القيادي بالحركة آنذاك (قبل أن يستقيل) قدّم مداخلة لتقييم تجربة الجبهة بايجابياتها وسلبياتها.
وأضاف أن الغنوشي التحق متأخرا وقدّم كلمة دعا فيها إلى التعايش والوحدة الوطنية، مؤكدا أن تونس ليست بلدا للحرب الأهلية بل للحوار، مستشهدا بجائزة نوبل للسلام التي فاز بها الرباعي الراعي للحوار الوطني سنة 2015. وأوضح أن مقاطع الفيديو التي جرى تداولها لاحقا اقتطعت من كلام الغنوشي لتظهره كمن يدعو للاقتتال.
ووفق حسن، تمت في 17 أبريل/نيسان 2023 مداهمة منزل الغنوشي واعتقاله من قبل قوات الأمن مع عضو الحركة محمد شنيبة وصهره عبد الله صغيري. وأشار إلى أن المداهمات طالت مقرها حيث تم اعتقاله مع القوماني بعد مؤتمر صحفي عقدته النهضة بعيد اعتقال الغنوشي.
وقال إن قوات الأمن قامت بمصادرة وثائق من منزل الغنوشي ومن مقر النهضة لكل من القياديين يوسف النوري وأحمد المشرقي، ليجري اعتقالهما بدورهما. ويرى أن هذه المحاكمة "حلقة جديدة في سلسلة محاكمات سياسية تستهدف المعارضين بتهم ملفقة وحجج واهية".
وأكد أن كل الأحكام السابقة في قضايا "التآمر" لم تستند إلى أدلة ملموسة، ولم تأخذ بعين الاعتبار البراهين التي قدمتها هيئة الدفاع. واعتبر أن الهدف من المحاكمات هو إقصاء الخصوم السياسيين.
من جانبه، قال رياض الشعيبي القيادي في حركة النهضة للجزيرة نت إن رئيس المحكمة الابتدائية بتونس رفع جلسة أمس للنظر في طلبات هيئة الدفاع، التي شددت على ضرورة استدعاء المتهمين في حالة سراح.
وأشار إلى أن تونس ستدخل قريبا سنتها الثالثة على التوالي من الاعتقالات السياسية التي انطلقت في فبراير/شباط 2023، وطالت عشرات المعارضين وعددا من النشطاء ورجال الأعمال والصحفيين. واعتبر أن هذه المحاكمات تهدف إلى "ترذيل مرحلة الانتقال الديمقراطي وتقديمها كحقبة فساد وفوضى عبر ملاحقة رموزها بتهم واهية".
وحسب الشعيبي، فإن قضية المسامرة مثال واضح على ذلك، لافتا إلى أن الغنوشي شدد خلالها على نبذ العنف والوحدة الوطنية، لكن تصريحاته جرى تحريفها. وذكر أن كتاباته ومواقفه خلال 5 عقود من العمل السياسي تقوم على الدعوة إلى السلم ونبذ العنف، مؤكدا أن ما يجري اليوم هو محاولة لإقصاء كل الفاعلين السياسيين وإغلاق الفضاء العام أمام الأحزاب والمنظمات.
وأكد أن السلطة الحالية تسعى من خلال هذه القضايا إلى إعادة البلاد إلى أجواء الاستبداد القديمة، عبر محاصرة النشاط السياسي ومصادرة الحريات.
في المقابل، يرى أنصار الرئيس قيس سعيد أن إجراءاته الاستثنائية منذ 25 يوليو/تموز 2021 جاءت لإنقاذ البلاد من الانهيار وإعادة القرار إلى الشعب. ويرون أنه يسعى إلى إصلاح الدولة من الداخل، وتطهير مؤسساتها من شبكات النفوذ والفساد، وأن اتهامات المعارضة له بالاستبداد ليست سوى محاولة لعرقلة مسار الإصلاح وحماية مصالحها القديمة.