في عالم بات فيه السعي الدائم وراء الإبهار والإنجازات الصارخة معيارا للنجاح، يبرز نادي "الرجال المملين" (The Dull Men’s Club) كحركة مضادة تعيد تعريف مفهوم السعادة.
هذا النادي ليس مجرد تجمع لهوايات غريبة، بل هو فلسفة حياة قائمة على التوازن واليقظة الذهنية، تحتفي بـ "متعة تفويت الأشياء" بدلا من أن تلهث وراء كل جديد خوفا من فواته.
لذلك يرفض أعضاء النادي الرغبة المستمرة في "المزيد دائما"، ويدعون إلى التمهل وتقدير جمال اللحظات العادية والروتينية.
في هذا النادي، تبرز قصص أعضاء مثل ديف كلارك، الذي أطلق على نفسه لقب "ديف عاشق صندوق القمامة". بدأت رحلته عندما لفت انتباهه صندوق قمامة مصمم بشكل غريب، مما دفعه إلى التقاط آلاف الصور لصناديق القمامة. هذا الشغف البسيط حوله إلى نجم إعلامي وناشط بيئي.
حصل ديف على لقب "مهووس العام 2022" من النادي، في تأكيد على أن البساطة يمكن أن تكون إنجازا يستحق الاحتفاء.
تأسس النادي في أواخر الثمانينيات في الولايات المتحدة، لكنه تحول إلى ساحة عالمية عبر الإنترنت، ليجمع الآن أكثر من 1.7 مليون عضو تحت شعار "الاحتفاء بالعادي".
يؤكد "ليلاند كارسون" -أحد مؤسسي النادي- أن الفكرة نشأت من رغبتهم في التميز عن أعضاء ناديهم الرياضي الذين كانوا يتفوقون في رياضات خطيرة، حيث وجد هو وأصدقاؤه سعادتهم في "إثارة آمنة"، كسباق المصاعد أو ركوب الحافلات السياحية لمجرد دراسة ضغط إطاراتها.
"الشخص الممل هو من يجد متعة في جز العشب أو غسل سيارته، وليس في القفز بالمظلات، هكذا يلخص كارسون فلسفة الملل لديهم، مؤكدا أنها دعوة صريحة للوعي الذهني، حيث التركيز على التفاصيل الصغيرة والتأمل فيها يمكن أن يقلل من القلق والتوتر.
ويستشهد كارسون بفلسفة "إيكيغاي" اليابانية، التي تعني "السبب الذي يجعلك تنهض من السرير كل صباح"، ويرى أن أعضاء النادي قد وجدوا إيكيغاي الخاص بهم في تفاصيل الحياة اليومية.
يصف مؤسسو النادي فلسفتهم بأنها تقوم على "الإثارة الآمنة"، حيث يجد الأعضاء المتعة في الأنشطة غير الخطرة، هذه الفلسفة ليست دعوة للكسل أو الركود، بل هي دعوة لتقدير الروتين اليومي وتحويله إلى مصدر للسعادة. إنها تميز بوضوح بين الرضا بالبساطة والتقاعس عن الطموح، وتؤكد أن الحياة لا ينبغي أن تكون كلها مغامرات كبرى لتكون ذات معنى.
وسائل إعلام وصحف غربية مرموقة، وصفت النادي بأنه "مضاد لسمّية الإنترنت"، حيث يوفر مساحة خالية من الجدل والألفاظ المسيئة، ويحتفي بالسخرية الخفيفة، مؤكدا أن هدفه الوحيد هو توفير ملاذ إيجابي بعيدا عن التوتر.
الدرس الواضح من تجربة هؤلاء "المملّين" هو كيف نجد السعادة والنجاح في حياتنا دون الحاجة إلى التكلف أو السعي وراء الإبهار. فربما تكمن السعادة في التوازن، وفي تقدير لحظات الهدوء التي نهملها في سباقنا الدائم نحو المزيد دون وعي.