عرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطته لإنهاء الحرب في غزة، متحدثاً عن إنشاء هيئة إشراف دولية باسم "مجلس السلام" تضم شخصيات وقادة عالميين من بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
بلير تولّى رئاسة الحكومة بين عامي 1997 و2007، وقاد بريطانيا للمشاركة في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وهو قرار لاحقته انتقادات واسعة في الداخل والخارج بسببه.
علّق بلير على إعلان ترامب قائلاً إن الخطة تمثل "الفرصة الأفضل لإنهاء عامين من الحرب والمأساة والمعاناة". وكانت تقارير سابقة قد أشارت إلى محادثات حول منحه دوراً في هيئة دولية تشرف على إدارة غزة بترتيبات لا تشمل حركة حماس، وبدعم من الولايات المتحدة ودول خليجية. وأكد مكتبه قبل أيام أنه لن يدعم أي خطة لترحيل الفلسطينيين.
لكنّ اسم بلير ما زال مثيراً للجدل، نظراً لسجله في العراق. فمن هو توني بلير؟ وكيف وصل إلى زعامة حزب العمال البريطاني وبقي في رئاسة الحكومة لعشر سنوات كاملة؟ وما الدور الذي يمكن أن يؤديه في مستقبل غزة؟
ولد أنتوني تشارلز لينتون بلير في إدنبرة يوم 6 مايو/أيار 1953. وكان والده ليو يطمح إلى أن يصبح نائباً عن حزب المحافظين، غير أنّ المرض حال دون ذلك.
التحق بلير بمدرسة فيتس الحكومية في اسكتلندا، قبل أن يتوجّه إلى جامعة أوكسفورد لدراسة القانون.
خاض أولى محاولاته لدخول البرلمان في انتخابات فرعية عام 1982 لكنه خسر، ثم عاد في العام التالي ليفوز بمقعد دائرة سيدغفيلد، رغم أنّ حزب العمال مُني آنذاك بأسوأ هزيمة له خلال نصف قرن.
في حملته الانتخابية حينها، ركّز بلير على الدعوة إلى الانسحاب من المجموعة الاقتصادية الأوروبية ونزع السلاح من جانب واحد.
بزواجه الناجح من زميلته المحامية شيري بوث، وحياته المريحة في منطقة إيسلينغتون الراقية في لندن، أصبح بلير رمزاً للتحول البعيد المدى داخل حزب العمال نحو تبني أنماط حياة الطبقة الوسطى.
لم يكن بلير المهندس الوحيد لإصلاحات الحزب؛ فمنذ بداياته السياسية كان إلى جانبه غوردون براون وبيتر ماندلسون.
عام 1994، وبعد الوفاة المفاجئة لزعيم الحزب جون سميث، برز بلير مرشحاً لخلافته. ورغم أنه لم يكن الأوفر حظاً، إذ كان غوردون براون يعدّ كنجم صاعد بجذور أعمق في الحزب وخبرة أوسع، يقال إن الرجلين التقيا في مطعم بإيسلينغتون، حيث توصلا إلى اتفاق يقضي بتنازل براون عن الترشح مقابل توليه وزارة الخزانة، مع سيطرة واسعة على سياسات الإنفاق الداخلي، فيما تعهّد بلير - بحسب ما يروى - بعدم البقاء طويلاً في رئاسة الوزراء وترك المنصب لاحقاً لخليفته.
في انتخابات عام 1997 حقق حزب العمال أكبر أغلبية برلمانية في تاريخه بلغت 180 مقعداً. وعشية عيد ميلاده الرابع والأربعين، أصبح بلير أصغر رئيس وزراء في بريطانيا منذ نحو قرنين.
أظهر قدرة ملحوظة على مواكبة الرأي العام في الأزمات، كما حدث عند وفاة الأميرة ديانا. غير أنّ فئات واسعة عاقبته لاحقاً، معتبرة أنّ "العمال الجديد" خذلهم في قضايا الصحة والتعليم والنقل العام.
ساهم عام 1998 في التوصل إلى "اتفاق الجمعة العظيمة" الذي أنهى عقوداً من الصراع في إيرلندا الشمالية، وهو من أبرز إنجازاته السياسية.
فاز مجدداً في انتخابات يونيو/حزيران 2001، لكن بأغلبية أقل وبنسبة مشاركة هي الأدنى منذ عام 1918.
ورغم الإصلاحات الداخلية، ارتبطت سنوات حكمه قبل أي شيء آخر بتأييده لحروب الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وقبل أن يتحدث الرئيس الأمريكي جورج بوش، دعا بلير الدول الديمقراطية إلى محاربة "الشر الجديد الناجم عن الإرهاب الجماعي".
لكن السنوات الأخيرة من حكمه ترافقت مع مطالبات بمحاكمته بتهم جرائم حرب، وزادت الانتقادات بعد صدور تقرير تشيلكوت عام 2016.
شكّل غزو العراق عام 2003 اختباراً قاسياً لتوني بلير. فدعم حكومته للولايات المتحدة من دون قرار دولي أثار غضباً شعبياً واسعاً، حيث خرجت مظاهرات حاشدة مناهضة للحرب في شوارع لندن، كما اندلع تمرد داخل صفوف حزب العمال، استقال على أثره وزيران بارزان هما روبين كوك وكلير شورت.
جاءت الحرب أسرع وأقل كلفة بشرية مما توقع كثيرون، غير أن غياب الشفافية في إدارة مرحلة ما بعد الغزو جعل طريق السلام أكثر بطئاً وكلفة دموية. ودخلت رئاسة الحكومة في مواجهة مع بي بي سي بشأن ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية، وكان العالم ديفيد كيلي في صلب هذه القضية قبل أن ينتحر لاحقاً.
أجري تحقيقان في الملف، أحدهما برئاسة لورد هاتون والآخر برئاسة لورد باتلر، خلصا إلى تبرئة بلير من أي نوايا سيئة. ومع ذلك، فإن فشل العثور على أسلحة دمار شامل قوّض ثقة الرأي العام ببلير. ومنذ اللحظة الأولى، ظلّت حرب العراق مثار انقسام حاد داخل المجتمع البريطاني.
في أبريل/نيسان 2005، وأثناء الحملة الانتخابية، أعلن توني بلير أنه سيغادر مقر الحكومة مع نهاية ولايته الثالثة. وفي مايو/أيار 2005 فاز فعلاً بفترة ثالثة، ليصبح أول رئيس وزراء من حزب العمال يحقق ثلاثة انتصارات متتالية في الانتخابات العامة.
لكن هذا الإنجاز جاء في ظل نسبة مشاركة بلغت نحو 61.4 في المئة من إجمالي الناخبين، وهي من أدنى النسب في تاريخ الانتخابات البريطانية الحديثة، كما حصل حزب العمال على 35.2 في المئة من الأصوات فقط، وهي أدنى حصة لأي حزب فائز حتى ذلك الحين.
ومع تصاعد الضغوط داخل حزبه والمطالبات برحيله، أعلن بلير في سبتمبر/أيلول 2006 أنه سيستقيل خلال عام. وفي يونيو/حزيران 2007 تنحى رسمياً عن منصبه، ليخلفه في رئاسة الوزراء غوردون براون.
في عهد رئيس الوزراء غوردون براون، شُكّلت لجنة للتحقيق في دور بريطانيا خلال حرب العراق برئاسة جون تشيلكوت، الذي أعلن نتائجها عام 2016. وقد نُشرت نتائج التحقيق للجمهور، وجاء فيها أنّ صدام حسين لم يكن يشكّل تهديداً للمصالح البريطانية عام 2003، وأن المعلومات التي قدّمتها الاستخبارات حول وجود أسلحة دمار شامل كانت محلّ شك.
أكد التقرير أنّ الحكومة البريطانية لم تستنفد جميع البدائل السلمية قبل اللجوء إلى الحرب، واتهمها مع الولايات المتحدة بتقويض سلطة مجلس الأمن. وأوضح تشيلكوت في مقابلة مع بي بي سي أنّ توني بلير "لم يكن صريحاً" بشأن حرب العراق.
وبعد نشر التقرير، ألقى بلير كلمة أعلن فيها تحمّله "المسؤولية الكاملة" عن تداعيات مشاركة بريطانيا في الحرب "دون استثناء أو عذر"، معبّراً عن "الحزن والندم والاعتذار". ومع ذلك، شدّد على أنه ما زال يعتقد أنّ قرار إزاحة صدام حسين كان صائباً، قائلاً: "فعلت ذلك لأنني اعتقدت أنّه كان صحيحاً".
بعد تنحيه عن رئاسة الحكومة، عيّن توني بلير مبعوثاً للجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط.
وقد تأسست اللجنة الرباعية في مدريد عام 2002 عقب الانتفاضة الثانية بهدف دفع عملية السلام، وضمّت الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا. وخلال تلك الفترة، ركّز على دعم التنمية الاقتصادية الفلسطينية وتهيئة الظروف لحل الدولتين، ما يجعل تجربته محور جدل بين من يشكك في مصداقيته ومن يراهن على خبرته السياسية.
ترأس بلير بعثة اللجنة بين عامي 2007 و2015، وترك منصبه قبل صدور تقرير تشيلكوت حول حرب العراق في العام التالي.
واليوم يعود بلير إلى تأدية دور في الشرق الأوسط، وتحديداً في غزة بعد نحو عامين على اندلاع الحرب.
في أغسطس/آب الماضي، شارك بلير في اجتماع بالبيت الأبيض مع ترامب لمناقشة خطط تتعلق بالقطاع، ووصف المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف هذه الخطط بأنها "شاملة للغاية".
في حال نجح دونالد ترامب في تنفيذ خطته المقترحة، سيتولى بلير، إلى جانب أعضاء آخرين في اللجنة الدولية، الإشراف على إدارة المرحلة الانتقالية في القطاع.
ويرى بعض المراقبين أنّ خبرة بلير الدبلوماسية قد تمنحه دوراً مؤثراً في إدارة غزة، إذ سبق أن أسهم في التوصل إلى اتفاق الجمعة العظيمة في أيرلندا الشمالية عام 1998.