الخرطوم- بعد نحو 6 أشهر من توقف الإمداد عن الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ، تمكن الجيش السوداني من كسر الحصار الجوي الذي تفرضه قوات الدعم السريع على المدينة، وأسقط عليها مساعدات غذائية وعتادا عسكريا، في تطور عدّه خبراء عسكريون إنجازا استخباريا وانتصارا معنويا سيعزز صمود القوات المسلحة والفصائل التي تقاتل إلى جانبها.
ونفّذ الجيش السوداني -أمس الاثنين- عملية إسقاط جوي ناجحة للمساعدات الإنسانية والعسكرية في مدينة الفاشر، حيث حلقت -حسب شهود- طائرة شحن عسكرية للجيش من طراز أنتونوف فوق المدينة نحو نصف ساعة، قبل إنزالها عددا من الصناديق في المدينة التي تتمركز بها الفرقة السادسة مشاة، والقوة المشتركة لحركات دارفور المساندة للجيش.
وأظهرت مقاطع فيديو ابتهاج مقاتلين من الجيش والقوة المشتركة بنجاح الإسقاط الجوي، وتوعدوا قوات الدعم السريع بالسحق بعد وصول الإمداد العسكري والمؤن الغذائية.
في المقابل، نشرت منصات قريبة من الدعم السريع مقاطع فيديو لعناصر من قواتها مع صناديق للذخيرة قالوا إنهم سيطروا عليها، وقللوا من عملية الإسقاط الجوي التي قام بها الجيش، وهددوا بتكثيف الهجمات للسيطرة على الفاشر.
وقالت الفرقة السادسة مشاة للجيش بالفاشر إن الإسقاط الجوي الناجح الذي استقبلته الفرقة يمثل انتصارا إضافيا على الدعم السريع في معاركها التي بلغت 247 مواجهة عسكرية منذ حصار المدينة في مايو/أيار 2024.
وأشارت الفرقة على صفحتها الرسمية في منصة "فيسبوك" إلى أن نجاح الإسقاط الجوي، أكد أيضا مدى تماسك ووحدة القوات المسلحة، ويرفع من الروح المعنوية للمقاتلين.
واستقبل مواطنو الفاشر تحليق طيران الجيش بفرحة ارتفعت تعبيرا عنها زغاريد النساء وهتافات التهليل والتكبير في الأحياء، وردّ عليها الدعم السريع بقصف مدفعي عشوائي على الأحياء السكنية، لكن المواطنين واصلوا احتفالاتهم وتجوالهم في طرق مدينتهم المنكوبة.
من جانبها، اعتبرت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر أن عودة الطيران الحربي التابع للجيش بعد غياب طويل تُمثّل بشارة أولى لإنهاء الحصار، آملة باستمرار الدعم الجوي للمدينة المحاصرة، التي تعاني نقصا حادا في الإمدادات الغذائية والطبية.
وجاء الإنزال الجوي بعد نشاط مكثف للطائرات المسيرة التابعة للجيش التي ظلت تقصف بشكل مكثف على مدى الأيام الأربعة الماضية مواقع انتشار الدعم السريع في محيط الفاشر.
وتوقف الجيش منذ أبريل/نيسان الماضي، عن إمداد قواته في الفاشر الخاضعة لحصار خانق بعد أن أسقطت دفاعات الدعم السريع مقاتلة تابعة له فوق أجواء المدينة.
وزعم الدعم السريع -في وقت سابق- أنه نصب أنظمة دفاع جوي حديثة في الفاشر تستطيع إسقاط أي طائرة تتحرك في سماء شمال دارفور، فيما اتهم الجيش السوداني مرتزقة كولومبيين بتشغيلها.
يقول المختص في الشؤون الأمنية والعسكرية، العميد المتقاعد عامر حسن عباس، للجزيرة نت، إن نجاح الجيش في عمليات الإمداد الجوي لمدينة الفاشر يحمل دلالات عدة أبرزها:
وفي هذا الصدد يوضح رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة السابق، العقيد إبراهيم الحوري، أن تنفيذ الإسقاط عبر حاجز تشويش يعني أن القوات الجوية نجحت في مهمة محددة، وسدّت "فجوة تقنية عملياتية مؤقتة واستعادت السيطرة الجوية"، وسيكون لذلك تأثير في ميزان المعركة.
ووفقا للحوري في تعليق بحسابه عبر "فيسبوك" فإن لنجاح الإسقاط أثرا معنويا أيضا "فعندما ترى المدن المحاصرة أن الطيران عاد ووصل الإمداد جوا بعد توقف طويل، فإن ذلك يرفع معنويات المدافعين والمدنيين ويقلل من الشعور بالعزلة".
ويوضح أن كسر التشويش يعني أن وحدة مهام الحرب الإلكترونية نجحت بتجاوز تقنية التشويش مؤقتا، مما يعكس نجاحا كبيرا في الحرب الإلكترونية، كما يبعث رسالة بأن الجيش لا يزال يملك قدرة على الوصول إلى كل مواقع وتنفيذ عمليات إمداد، وإن كانت محدودة.
من جهته، يقول الفريق محمد بشير سليمان الخبير العسكري ونائب رئيس أركان الجيش السابق، للجزيرة نت، إن ما حدث في الفاشر يعد انتصارا معنويا وتفوقا استخباريا سيقوي قدرة الجيش وحلفائه من القوات المشتركة في المدينة على الصمود والدفاع، لكن إنهاء الحصار لن يكتمل إلا عبر قوات برية.
وأضاف أن الإسقاط الجوي يشير إلى أن الجيش تمكّن من تحييد منظومات الدفاع الجوي للدعم السريع حول الفاشر وستحتاج "المليشيا" إلى وقت لتعويضها من خارج البلاد عبر شرق ليبيا أو تشاد.
وتوقع سليمان أن ينفذ الدعم السريع عمليات انتقامية عبر الطيران المسير تستهدف مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان وأهدافا مدنية وعسكرية في الخرطوم ، وبنيات تحتية ومؤسسات خدمية في مواقع مختلفة لتوجيه رسائل لقواتها والخارج.
وفي السياق، قال مختبر الشؤون الإنسانية بجامعة ييل الأميركية، في تقرير، إنه رصد استعداد الدعم السريع لشن هجوم وشيك واسع بالطائرات المسيّرة، وإنه وثّق 43 طائرة و36 منصة إطلاق قرب مطار نيالا حتى أمس الاثتين.
وأفاد أن 23 منها تشبه طراز "شاهد"، فيما لم تُرصد 20 أخرى من قبل، محذّرا من خطر وشيك يهدد المدنيين والبنية التحتية والمساعدات الإنسانية في السودان .