في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
عند الحديث عن ليبيا، تتراءى للأذهان صورة الصحراء الممتدة بلا حد، غير أن الحقيقة تكشف عن ثراء جغرافي وحضاري، تتداخل فيه الجبال الشامخة بالنقوش الأثرية والسهول الواسعة بمواقع تحكي تاريخ الإنسان منذ آلاف السنين.
الجزيرة نت ترافق القارئ العربي في رحلة معرفية وتوثيقية نحو 3 مواقع سياحية في ليبيا، وهي "جبال أكاكوس" (جنوب غرب)، وجبال نفوسة (شمال غرب) وجبل الهروج (وسط)"، لتقدم دليلا متكاملا للزيارة يشمل المسارات وآليات التنقل وخيارات الإقامة وتكاليف السفر.
أولى هذه الأماكن هي سلسلة جبال أكاكوس التي تعود تسميتها في الأصل الأمازيغي الطارقي (التماشق)، وتعني الجبال الصخرية أو الكتل الجبلية الوعرة، وتقع أقصى الجنوب الغربي على بعد 100 كلم شرق مدينة غات، إذ تضم هذه الجبال -المدرجة من لدن اليونسكو على قائمة التراث العالمي- أقواسا طبيعية وجدرانا حجرية، تحتفظ بنقوش ورسومات تعود إلى أكثر من 12 ألف عام.
ويقول مراقب مصلحة الآثار بطرابلس وخبير الآثار رمضان الشيباني للجزيرة نت إن النقوش واللقى الحجرية وطبقات الأرض في الصحراء الليبية تشهد على أن هذه الأرض كانت يوما سهولا خضراء وسافانا تعج بالحياة، قبل أن يبدأ الجفاف التدريجي منذ الألف الثامن قبل الميلاد، ويحولها إلى الصحراء المعروفة اليوم.
ولفت الشيباني خلال حديثه للجزيرة نت إلى عديد الدراسات التي اهتمت بالنقوش والرسومات المكتشفة في جبال أكاكوس ووديانها؛ وخلصت نتائج هذه الدراسات إلى أن أقدم الرسومات تعود إلى نحو 15 ألف سنة، فيما يعرف بمرحلة الحيوانات الضخمة، حيث تظهر الفيلة والزرافات ووحيد القرن بتفاصيل دقيقة.
ووفقا للشيباني، توثق هذه النقوش والمنحوتات طقوسا دينية ومشاهد صيد واحتفالات إنسانية، رسمها فنانون عالجوا الصخر بدهاء لافت.
وأضاف الخبير الأثري أن بعض هذه الأعمال لا يزال يحتفظ بألوانه الطبيعية رغم مرور آلاف السنين؛ بفضل أصباغ استُحضرت من الحجارة الملونة والنباتات، وحتى زلال بيض النعام.
غرب طرابلس باتجاه الحدود التونسية، حيث تمتد القرى القديمة والقصور التقليدية، يطل الجبل الغربي الذي يعد موطنا للعديد من المدن والقرى التاريخية القديمة مثل يفرن وجادو ونالوت والزنتان وغيرها.
وفيما يتعلق بالإقامة لمن يريد اكتشاف المكان، فخيارك الأمثل هو بيوت الضيافة المحلية في مدينتي غريان أو نالوت، وتُسعّر الرحلة كاملة -بحسب شركات السياحة المحلية- شاملة التنقل والإعاشة والبرنامج السياحي بحوالي ألف دولار للشخص الواحد.
من جبال أكاكوس المهيبة مرورا بجبل منطروس البركاني الخامد وصولا إلى سهل الهروج البركاني الذي يتربع على مساحة تفوق 44 ألف كيلومتر مربع، ليكون أكبر حقل بركاني في شمال أفريقيا.
ويضم سهل الهروج أكثر من 150 بركانا خامدا ومخاريط وفوهات، تحيط بها طبقات الحمم السوداء، لتبدو الصورة من أعلى وكأنك تقف على سطح في كوكب آخر.
ولعل أبرز تلك البراكين هو بركان واو الناموس الذي يبلغ ارتفاعه نحو 575 مترا، وبفوهة تقدر مساحتها بين 10 إلى 20 كيلومترا. وبمحاذاة البركان توجد بحيرات مياه عذبة تحيط بها نباتات متنوعة مثل القصب والنخيل وغيرها.
بيد أن الوصول إلى هذا المكان يتطلب تجهيزات خاصة وسيارات دفع رباعي ومُؤنا كافية، لعدم توافر خدمات ولا فنادق في محيطه، والتخييم هو الخيار الوحيد للإقامة.
"حين تطأ قدمك جبال أكاكوس أو الهروج البركانية أو جبل نفوسة سيأسرك شعور بالرهبة والدهشة"، هكذا يصف المصور المحترف وأحد زوار هذه المناطق حامد الزرقاني للجزيرة نت، انطباعه الأول عند رؤية هذه المناظر المهيبة.
وبالنسبة لتوثيق التجربة عبر عدسته، يوضح الزرقاني للجزيرة نت أنه خلال زيارته لسلسلة جبال أكاكوس حاول التركيز على توثيق التشكيلات الصخرية التي تبدو كمنحوتات طبيعية، إلى جانب توثيقه للنقوش والرسومات القديمة التي تربط الماضي بالحاضر.
وأبدى الزرقاني إعجابه بتغير ألوان الرمال على امتداد النهار والغروب وسكون الليل.
وفيما يخص زيارة هذه المناطق، يشير الزرقاني من واقع تجربته إلى أن الوصول إليها يحتاج لترتيب مسبق للوصول إلى تلك المواقع عبر سيارات دفع رباعي، مع دليل يعرف الطرق الصحراوية، وأما الإقامة والتنقل فيقول إن الخدمات السياحية موجودة، ولكنها محدودة ويمكن للزائر الاعتماد على بيوت الضيافة المحلية أو تجربة التخييم، وهو خيار يضفي تجربة فريدة، حسب تجربته.
يتناغم مع هذه الرؤية المصور المهتم بتوثيق المعالم السياحية في ليبيا سند الأحلافي، وهو مؤسس الفريق الليبي للمغامرة والاستكشاف، إذ يرى أن الشغف بالطبيعة الليبية ودافع الفضول لكشف الأسرار المخبأة وراء الجبال والكثبان كان أساس تكوين الفريق.
فبحسب حديث الأحلافي للجزيرة نت فإن الدافع الأساسي لتأسيس الفريق كان تنظيم الرحلات السياحية، ولكن ومنذ عام تقريبا تحول الهدف إلى استكشاف مناطق سياحية جديدة، بعيدا عن الزحام السياحي المعتاد.
ويضيف الأحلافي أن برامج الرحلات تتنوع بين الترفيه والمغامرة، وأخرى تراعي كبار السن والعائلات، مع جدول مفصل يشمل مواعيد التخييم والوجبات والأماكن التي سيتم زيارتها، إلى جانب كتيب إرشادات ونصائح للزوار لأول مرة، لافتا إلى تنظيم رحلات لأفواج من إيطاليا وألمانيا.
وأوضح أن تكلفة الفرد الواحد لهذا النوع من الرحلات تقدر بقرابة 250 دولارا لأربعة أيام، تشمل الوجبات الرئيسية، ومقعدا في سيارة دفع رباعي يقودها سائق خبير، إضافة إلى خيمة وكيس نوم والتأمين الأساسي.
أثناء رحلة تخييم شبابية للهروج الأسود وهو أكبر تجمع للجبال البركانية في شمال أفريقيا (الجزيرة)وحول آلية وكيفية الزيارة، توضح إدارة شركة رحلات الأثرون السياحية الواقعة شرقي ليبيا أن برامجها نحو جبال أكاكوس عادة ما تنطلق من مدينة بنغازي شرق البلاد، إذ يتجمع المشاركون في قوافل تضم أحيانا ما يصل إلى 30 سيارة دفع رباعي، وتستغرق الرحلة حوالي يومين تقريبا أي بمسافة تقديرية بـ1600 كيلومتر.
وتقول الشركة للجزيرة نت إن تكلفة السيارة الواحدة تبلغ في المتوسط نحو 300 دينار (50 دولارا تقريبا) دون احتساب مصاريف الإقامة، وأما خدمات الدليل السياحي فتضاف عادة إلى كلفة الرحلة، إذ يتقاضى الدليل المرافق مقابل تقديم خدماته لقافلة مكونة من 20 سيارة نحو 150 دينارا (27.8 دولارا) وفق تقديرات الشركة.
بدوره، يشرح رئيس المنظمة الليبية للرحلات السياحية إبراهيم شرفيد للجزيرة نت أن الرحلات المنظمة لزيارة سلسلة جبال أكاكوس، تبدأ برحلات جوية من مطار معيتيقة في العاصمة طرابلس وصولا إلى مدينة غات في الجنوب، وهناك تنتظرهم سيارات خاصة لنقل السياح إلى الموقع، وتشمل التجربة مسيرا بالإبل وسط الكثبان والصخور والنقوش الصخرية القديمة.
تكوينات وترسبات بركانية بأشكال متنوعة وهي ضمن منطقة الهروج (الجزيرة)وعن تكلفة الرحلة، يقدر شرفيد للجزيرة نت تكلفة الزيارة للسائح الأجنبي بين 1350 دولارا و1600 دولار للفرد، وتشمل النقل والإعاشة والإقامة علاوة عن البرنامج السياحي المختار.
بدورها ترى المواطنة الليبية أسمهان الهمل التي زارت جبال أكاكوس ضمن رحلة المنظمة الليبية للرحلات السياحية أن التجربة تجاوزت كل ما تخيلته عن الصحراء، فالمنطقة ليست مجرد جبال، وإنما بمنزلة فضاء جيولوجي وتاريخي يوازي "غابة متحجرة"، تحتشد فيه تكوينات صخرية مدهشة، وتدرجات رمال تمنح المشهد مزيدا من الدهشة.
وأضافت الهمل في تصريح للجزيرة نت أن تفاصيل الرحلة عكست مستوى عاليا من التنظيم والأمان؛ إذ كان التنسيق مع الشرطة السياحية حاضرا في كل مدينة ومرحلة، الأمر الذي أتاح للمشاركين الاطمئنان التام، واصفة الخدمات بأنها متكاملة تضم أدق التفاصيل، بدءا من الإقامة والمأكولات الشهية وسط الصحراء وحتى توفير الاتصال بالإنترنت في أكثر النقاط عزلة.
يحذر خبير الآثار رمضان الشيباني من مخاطر تواجه هذه المواقع الطبيعية المتميزة؛ نتيجة السياحة غير المقننة، إذ يمكن -بحسب المتحدث نفسه- لعجلات سيارات الدفع الرباعي أن تتلف طبقات أثرية عمرها 15 ألف سنة، كما أن رش المياه على الرسوم بهدف إظهارها للعين أو العدسة يعرّضها للتلف نتيجة تغير درجات الحرارة في الصخر.
ومن هذا المنطلق، يشدد الشيباني عبر للجزيرة نت على أن حماية هذه المواقع لابد أن تكون تحت إشراف مباشر من مصلحة الآثار ووزارة السياحة والشرطة السياحية، باعتبار تلك المناطق إرثا عالميا يتجاوز حدود ليبيا.