هذا المقال بقلم الصحفي الفلسطيني داود كتّاب*، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN .
تتزايد الاعترافات بدولة فلسطين، حيث انضمت دول غربية عدة نيتها إلى الأغلبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة الذين سبق أن اعترفوا بفلسطين على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.
لقد استوفت فلسطين جميع الشروط القانونية والسياسية لتكون دولة، وحصلت عام 2012 بالفعل على اعتراف دولي كدولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة عبر تصويت كاسح في الجمعية العامة.
ورغم هذا الإنجاز، يبقى العائق الأكبر أمام الاعتراف الكامل هو استخدام الولايات المتحدة المتكرر لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ما يحرم الفلسطينيين من حق طبيعي ودولي في الاستقلال.
اعتراف دول مثل فرنسا، بريطانيا، كندا، أستراليا والبرتغال يمثل خطوة محورية في تثبيت حل الدولتين. فهو يضع حداً للادعاءات الإسرائيلية التي تصف الضفة الغربية أنها "أراضٍ متنازع عليها"، و يدحض المزاعم القائمة على تفسيرات دينية ووعود إلهية.
ويكتسب اعتراف بريطانيا بوجه خاص أهمية تاريخية، لأنها الدولة التي ساهم وزير خارجيتها آرثر بلفور في إشعال صراع مستمر منذ أكثر من قرن بوعده المثير للجدل عام 1917. إن تصحيح هذا الخطأ، ولو بعد عقود، سيكون بمثابة وفاء بالوعود التي قطعتها لندن للعرب كما جاء في مراسلات ماكماهون–الحسين إبّان الحرب العالمية الأولى.
لا يعني الاعتراف بدولة فلسطين أن الاحتلال الإسرائيلي سيتوقف أو أن العدوان الجاري في غزة سينتهي فوراً. لكنه يرسخ حقيقة أساسية: أن الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، أراضٍ فلسطينية، وأن للشعب الفلسطيني حقاً أصيلاً في تقرير مصيره على أرضه.
كما يساعد الاعتراف على تحويل النقاش من التركيز على أحقية الشعب الفلسطيني بدولة الى إقامة علاقات سلمية بين دولتين مستقلتين: فلسطين وإسرائيل، بما يشمل التفاوض حول الحدود، اللاجئين، المستوطنات، المياه وسائر القضايا الجوهرية.
لكن الاعتراف وحده غير كافٍ. فالمطلوب من المجتمع الدولي أن يواصل الضغط على إسرائيل لوقف حربها المدمرة في غزة، وإنهاء الاستيطان غير القانوني، ومحاسبة المستوطنين، والالتزام بما ورد في اتفاق أوسلو الموقع عام 1993.
كما يتعين على الدول التي تعترف بفلسطين تقديم دعم سياسي ومالي للمؤسسات الفلسطينية، خاصة في ظل الحملة الإسرائيلية والأمريكية لتهميش القيادة الفلسطينية الشرعية برئاسة محمود عباس، الذي يتبنى نهجاً سلمياً واضحاً ويستمر في رفضه لما تقوم به حركة حماس.
الطريق إلى تسوية شاملة يمر عبر انسحاب الجيش الإسرائيلي المحتل، واستبداله بقوة دولية وعربية محايدة ذات صلاحيات واضحة ومدة زمنية محددة، بما يتيح للفلسطينيين إجراء انتخابات ديمقراطية تنتج قيادة مخولة للتفاوض. هذا قد يبدو حلماً، لكنه يظل ممكناً إذا استمرت الإرادة السياسية الداعمة لفلسطين. أما الولايات المتحدة، التي عطلت مراراً حق الفلسطينيين في الحرية عبر الفيتو، فإن بوسعها تسريع الوصول إلى حل عادل إذا قررت الانحياز إلى مبادئ العدالة الدولية بدلاً من الانحياز الأعمى لإسرائيل.
اعتراف العالم بفلسطين يجب أن يقترن بإجراءات ملموسة لردع أي خطوات إسرائيلية انتقامية، مثل ضم المزيد من الأراضي. ويمكن الاستفادة من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يوفر للمجتمع الدولي اتخاذ قرارات حاسمة ضد الدول التي تتحدى القانون الدولي.
إن الاعتراف بدولة فلسطين ليس مجرد خطوة رمزية، بل هو تصحيح لمسار تاريخي خاطئ ورسالة واضحة بأن الشعب الفلسطيني يستحق العيش بحرية وكرامة في دولته المستقلة.
* الكاتب صحفي فلسطيني وأستاذ صحافة في جامعة برنستون سابقا ويدير شبكة الإعلام المجتمعي في الأردن.