في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تدخل الأزمة اللبنانية بشأن سلاح حزب الله مرحلة جديدة من التعقيد مع اقتراب موعد جلسة مجلس الوزراء في 5 سبتمبر، والمخصصة لعرض الخطة التطبيقية التي أعدّها الجيش لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام الجاري.
ففي الوقت الذي يتمسك فيه رئيس الجمهورية وقائد الجيش بالقرار ويؤكدان أن "لا عودة إلى الوراء"، يضع رئيس مجلس النواب نبيه بري خطوطاً حمراء أمام أي محاولة لفرض نزع السلاح بالقوة، داعياً إلى أن يتم النقاش في إطار "استراتيجية دفاعية هادئة"، في موقف يتماهى مع حزب الله الذي يرفض الخطة الحكومية بشكلها الحالي.
ومع دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة عبر مبعوثها توم براك الذي شدّد على ضرورة تنفيذ القرار وربطه بخطوات إسرائيلية متناسبة للانسحاب من الأراضي اللبنانية، تتضح معالم معركة سياسية وأمنية داخلية وخارجية حول واحد من أكثر الملفات حساسية في تاريخ لبنان الحديث.
خطة حكومية تحت الاختبار
القرار الرسمي بحصر السلاح بيد الدولة لم يأت من فراغ، إذ اتخذته الحكومة اللبنانية في جلسة 5 أغسطس الماضي، وكلفت الجيش بوضع خطة عملية لتطبيقه على الأرض قبل نهاية العام.
الرئيس اللبناني جوزيف عون أكد دعمه الكامل لهذا التوجه، مشدداً على أنه "لا عودة إلى الوراء"، ما عكس إصراراً على تنفيذ القرار كخطوة لاستعادة سيادة الدولة ووضع حد لتعدد مراكز القوة.
الخطة التي أعدّها الجيش ستُعرض على طاولة الحكومة في 5 سبتمبر، لكن الأجواء التي تسبق الجلسة توحي بأن المواجهة السياسية ستكون حتمية، في ظل رفض حزب الله وحركة أمل لأي صيغة تتجاوز النقاش الهادئ أو تضع سلاح الحزب في مرمى المواجهة المباشرة.
بري يرسم حدود الحوار
في موقف لافت عشية النقاش المرتقب، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري رفضه الصريح لخطة الحكومة المتعلقة بحصر السلاح، مؤكداً أن أي بحث في مصير سلاح حزب الله يجب أن يكون ضمن "استراتيجية دفاعية" تطرح على طاولة الحوار الوطني، وليس تحت الضغط أو التهديد.
وأضاف بري أن لبنان بأكمله مستهدف ضمن ما يعرف بـ"خريطة إسرائيل الكبرى"، وهو ما يفرض – بحسب قوله – التعاطي مع الملف بواقعية وحذر، بعيداً عن القرارات الأحادية. موقف بري هذا يتقاطع مع موقف حزب الله، الذي سبق أن أعلن عبر أمينه العام نعيم قاسم رفضه لأي محاولة لانتزاع سلاحه بالقوة.
حضور شيعي مشروط في الحكومة
على الرغم من إعلان حركة أمل وحزب الله مشاركتهما في جلسة مجلس الوزراء المقبلة، إلا أن التلويح بالانسحاب يبقى حاضراً إذا أصرت الحكومة على المضي بموقفها. هذه المعادلة تعكس حجم الانقسام الداخلي وتضع الحكومة أمام اختبار صعب: إما التراجع عن خطتها، أو مواجهة احتمال تعطيل عملها من الداخل عبر انسحاب مكوّن أساسي من المعادلة السياسية اللبنانية.
الدعم الدولي: واشنطن تدخل على الخط
القرار اللبناني بحصر السلاح يلقى دعماً دولياً كبيراً، تجلّى في تصريحات المبعوث الأميركي توم براك خلال زيارته الأخيرة لبيروت. فقد شدّد باراك على أن الخطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار في لبنان، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن إسرائيل ستنسحب من الأراضي اللبنانية بشكل متناسب مع خطوات نزع سلاح حزب الله.
براك أوضح أن الحكومة اللبنانية ستطرح خطة لإقناع الحزب بالتخلي عن سلاحه ضمن مراحل متدرجة، ما يربط مباشرة بين مسار الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب وبين مسار تسليم السلاح.
هذه المقاربة تفتح الباب أمام ترتيبات إقليمية ودولية أوسع قد تتجاوز الساحة اللبنانية، لكنها في الوقت ذاته تضع الحكومة أمام تحدي إقناع الداخل اللبناني بجدوى هذه الصيغة.
رؤية برلمانية.. فيصل الصايغ يوضح
في حديثه إلى "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، اعتبر النائب في البرلمان اللبناني فيصل الصايغ أن تصريحات الرئيس بري تضمنت الكثير من الإيجابيات مثل التأكيد على اتفاق الطائف، الحفاظ على الكيان اللبناني، وحماية الجيش.
لكنه أشار إلى أن الإشكالية تكمن في ربط موضوع السلاح حصرا بالاستراتيجية الدفاعية، في حين أن اتفاق نوفمبر الماضي – الذي وقع بموافقة بري وحزب الله – نص بوضوح على حصرية السلاح بيد القوى الشرعية فقط، بدءاً من الجيش وصولاً إلى الشرطة البلدية.
الصايغ ذكّر بأن اتفاق "ورقة براك" الأخيرة وضع آلية زمنية واضحة لتسليم السلاح وانسحاب إسرائيل على أربع مراحل، تتضمن انسحاباً إسرائيلياً من النقاط الحدودية مقابل تأكيد انسحاب حزب الله إلى ما بعد جنوب الليطاني، مع استمرار حصرية السلاح شماله.
كما أوضح أن الاتفاق يتضمن ضمانات دولية، أميركية وفرنسية تحديداً، لتطبيق بنوده.
معادلة جديدة في الجنوب
أضاف الصايغ خلال حديثه أن الظروف الإقليمية تغيّرت، ولم يعد ممكناً تكليف فريق بعينه مسؤولية الدفاع عن لبنان، بل يجب أن تتحمل الدولة مجتمعة هذه المسؤولية. واعتبر أن السلاح لم يعد يحمي لبنان كما يدّعي البعض، مشيراً إلى أن إسرائيل تحتل اليوم خمس نقاط جديدة لم تكن تحتلها قبل الحرب الأخيرة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى استمرار السلاح خارج إطار الشرعية.
بالنسبة له، المطلوب هو انسجام لبنان مع الشرعية الدولية والعربية كي يحظى بدعم المجتمع الدولي والخليج، خصوصاً أن المواجهة التقليدية التي يعتمدها حزب الله لم تعد تجدي نفعاً في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي.
الضمانات الدولية والالتزامات الإقليمية
"ورقة براك" بحسب الصايغ، لا تقتصر على نزع السلاح فحسب، بل تشمل أيضاً التزامات متبادلة من جانب إسرائيل وسوريا، إضافة إلى مساعدات مالية للجيش اللبناني تصل إلى مليار دولار سنوياً لعشر سنوات. هذه الضمانات تجعل من الاتفاق فرصة للبنان للخروج من أزماته الأمنية والاقتصادية في آن واحد، إذا ما التزم الجميع بتطبيقه.
لكنه شدد في المقابل على أن أي خطوة لبنانية تبقى رهناً بقبول الحكومة الإسرائيلية والحكومة السورية بالاتفاق، وهو ما لم يتحقق بعد، ما يضع لبنان أمام خطر التأجيل والتعطيل.
معادلة الداخل والخارج
المعضلة اللبنانية اليوم تتلخص في معادلة مزدوجة: في الداخل، هناك إصرار حكومي على حصر السلاح مقابل رفض من حزب الله وبري إلا في إطار "استراتيجية دفاعية"، وفي الخارج هناك دعم دولي يربط الانسحاب الإسرائيلي بخطوات لبنانية لنزع السلاح.
هذا التشابك يعكس خطورة المرحلة المقبلة: فإما أن ينجح لبنان في فرض خطة تدريجية متفق عليها داخلياً وخارجياً، أو أن يواجه احتمال انفجار سياسي وأمني يعيد البلاد إلى مربع الانقسام والتعطيل.
لبنان يقف اليوم عند مفترق طرق تاريخي: بين دولة تسعى لاستعادة سيادتها عبر قرار حصر السلاح، وقوى داخلية ترى في السلاح ضمانة للدفاع في مواجهة إسرائيل. وبينما يضع بري وحزب الله شروطهما للحوار، تلوّح واشنطن بورقة الدعم الدولي والانسحاب الإسرائيلي المشروط، فيما يحاول الجيش أن يرسم خطة واقعية تجنّب البلاد الانزلاق إلى مواجهة داخلية.
الخيار ليس سهلاً، لكن ما هو مؤكد أن جلسة الخامس من سبتمبر لن تكون عادية، بل ستحدد المسار المقبل للبنان: إما السير في مشروع الدولة الواحدة بسلاح شرعي موحد، أو البقاء أسير معادلة السلاح المتعدد التي أثقلت كاهله لعقود.